أثر وسائل التواصل الاجتماعي في تفكك الأسرة والمجتمع

0 1678

وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك أصبحت أقصر الطرق إلى الطلاق والانفصال بين الزوجين، هذا ما خلص إليه عدد من الدراسات الحديثة، أبرزها دراسة أجرتها الأكاديمية الأمريكية لمحامي الطلاق، وأخرى نشرتها صحيفة الإندبندنت نقلا عن جمعية المحامين الإيطالية.

ويأتي موقع فيسبوك في صدارة كافة المواقع، إذ يعد المتهم الأول المسؤول عن ارتفاع نسب الطلاق العالمية، وتشير الإحصائيات إلى أن 20% من حالات الطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية سببها المباشر هو فيسبوك.

وفي المرتبة الثانية يأتي تطبيق واتساب، فبحسب جمعية المحامين فإنه تسبب في 40% من حالات الطلاق في إيطاليا، وذلك لسهولة الاتصال بين الرجال والنساء وارتفاع نسب خيانة الأزواج.

يقول رئيس الجمعية جيان إيتوري إن بداية الخيانة تكون عادة من خلال رسائل نصية قصيرة عبر فيسبوك ثم تتطور العلاقة وصولا إلى واتساب، حيث يتبادل الطرفان الصور، وبعد ذلك تحدث الخيانة.

بهذا الصدد، يقول د. محمد بن عبدالعزيز الشريم الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود: هذه الوسائل والتطبيقات تحمل نذر الخلافات لمن يسمح لها بالاستحواذ على حياته، من جهة كونها تشغل الشخص عن شريك حياته، ولاسيما حينما يدمن عليها ويقضي فيها وقتا طويلا ينافس الوقت الذي ينبغي أن يقضيه الزوجان مع بعضهما، مضيفا أنه قد يجد أحد الزوجين في تلك الوسائل مهربا من إمضاء الوقت مع الطرف الآخر بسبب وجود بعض المشكلات في التحاور وتبادل الرأي، مما يوسع الهوة بينهما بدلا من السعي للتقارب وإزالة أسباب الخلاف.

وفي السياق ذاته، ذكر موقع ديفورس-أون لاين Divorce on line البريطاني أن فيسبوك وحده تسبب في ثلث حالات الطلاق في بريطانيا عام 2011.

من جهته، أوصى الدكتور عبدالناصر جبل رئيس قسم خدمة الفرد بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان، بالتقليل من قضاء الأوقات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن الإفراط في استخدامها يؤدي إلى الشعور بعدم الاكتفاء الزوجي؛ الأمر الذي قد يزيد وتيرة المشاكل ويرفع من احتمالات الطلاق.

الخيانة الرقمية
ساهمت مواقع التواصل في ظهور سلوكيات ومصطلحات كانت تبدو غريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأصبح من السهل على الرجال والنساء التحدث إلى بعضهم البعض بلا حواجز أو وسائط.

تفسر المستشارة الأسرية تهاني الشروني هذا النوع من الخيانة بقولها: المشكلات التي نتعامل معها تحمل تناقضات غريبة، فقد يعكر صفو حياة هادئة وجميلة بين زوجين أن أحدهما استسهل الحديث والمزاح مع الغرباء في الفضاء الإلكتروني المجهول.

وأضافت: ما لم يكن ممكنا التلفظ به في الحياة الحقيقية أصبح سهلا عبر لوحة المفاتيح، فمن خلف هذه الشاشات يتجرأ الكثيرون وكأنهم يتخلصون في العالم الافتراضي من شخصياتهم الرزينة والمتحفظة.. وقد تعاملت مع مشكلات عديدة كان بدايتها ضغطة زر على علامة الإعجاب في فيسبوك من زوجة على منشور لشخص غريب الأمر الذي لم يتحمله الزوج، أو تعليق مازح من قبل الزوج على صورة لفتاة مما أثار حفيظة زوجته، فضلا عن التساهل في الدردشة والذي غالبا ما يكون بداية لمنكرات كثيرة.

وأكدت الشروني أهمية أن يراعي كلا الزوجين شريكه، ويحرص على نزع فتيل أي شك أو استياء بإعادة بث روح الثقة، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بتقليص حجم وأهمية هذه الوسائط في حياتنا أولا، ثم بالالتزام بالضوابط الشرعية والحياء ثانيا.

وقد استشعرت المجتمعات الغربية - برغم تفككها أصلا - خطورة تلك المواقع، فهذا د. فيل الطبيب النفسي الأمريكي الشهير يؤكد فى برنامجه أن فيسبوك سلاح ذو حدين، وأنه قد يدمر العلاقات الزوجية، وخاطب جمهوره قائلا: اعملوا على استعادة التواصل بين الأشخاص الحقيقيين.

تغافل عن الضوابط الشرعية:
يرى الشيخ عبدالعزيز المطيري رئيس تحرير مجلة الأسرة أن ثمت وقائع كثيرة تدل على أن التوسع في قبول الصداقات بين الرجال والنساء على فيسبوك يفاقم المشكلات بين الأزواج، لأن الرجل الغيور لا يرضى من زوجته هذه الطريقة في التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي.

ولتلافي الوقوع في تلك المزالق أوصى رواد الإنترنت بالخوف من الله عز وجل واستحضار رقابته في كل لحظة ودقيقة يكون فيها الإنسان متصلا بالشبكة، مؤكدا ضرورة وضوح الهدف من الدخول والمشاركة والالتزام بالضوابط الشرعية.

كما نصح المطيري مستخدمي الشبكات الاجتماعية بالبعد عن أي شيء قد يدعو إلى الريبة أو يفتح بابا للفتنة، والابتعاد عن الدخول في المسائل الشخصية، داعيا النساء إلى تجنب التبسط في الردود والمحادثات، وعدم الخضوع بالعبارة أو تليينها واستخدام اللغة الواضحة والواثقة، والكف المباشر عن المحادثة إذا تحركت الشهوة في القلب.

العلاقات الأسرية وتربية الأبناء:
على مستوى العلاقات الأسرية انتقد المطيري الغياب الروحي والعاطفي بين أفراد الأسرة برغم الحضور الجسدي، حيث يمسك كل منهم بهاتفه في غفلة عمن يجلسون معه!

وأضاف أن من بين أهم التأثيرات في مجال التربية انشغال الآباء والأمهات بوسائل التواصل، والذي جعلهم يقصرون في واجبهم تجاه أبنائهم وبناتهم في التربية والتوجيه، وفي المقابل انشغل الأبناء والبنات بوسائل التواصل وقصروا مع والديهم في البر والطاعة.

صلة الأرحام:
يرى المطيري أن الانشغال بالهواتف الذكية والتطبيقات نوع من العقوق والتكاسل عن صلة الأرحام، وأشار إلى وضوح هذا الأمر بجلاء حتى تداول الناس عبارات من قبيل: وسائل التواصل ألغت التواصل، فالتواصل والصلة التي كان الناس يهتمون بها ويحرصون عليها تراجعت كثيرا بعد هذه الوسائل، وربما الحضور المتواصل في وسائل التواصل قلل من الدافع النفسي للصلة المباشرة، وهذا سينعكس بالطبع على العلاقات بين الأقارب والأرحام.

من جانبه يقول د. الشريم: أسهمت الأجهزة بشكل ملحوظ في انشغال بعض الناس عن الآخرين في حضورهم، خاصة مع كبار السن من أجداد وغيرهم. وبالتالي فقد أصبح بعض كبار السن يشعر بالعزلة عن أقاربه لانشغالهم بالأجهزة أثناء زيارتهم له بدلا من الحديث معه والاهتمام به.

وأردف أن ارتباط الأطفال بتلك الأجهزة قد يؤدي إلى شعورهم بالملل من الزيارات العائلية وصلات الرحم، فيجدون في هذه الأجهزة مهربا من محاولة قضاء الوقت بالتواصل الفعلي الواقعي مع أقاربهم، وبالتالي يبدأ الأقارب في الشعور بشيء من القطيعة الوجدانية معهم وإن كانوا حاضرين بأجسامهم.

العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع:
فيما يخص تأثير وسائل التواصل على عادات التواد والتزاور بين الناس، قال د. محمد الشريم: إن عادة التزاور بين الناس تقلصت لصالح تبادل الرسائل، وحدث هذا الأمر مع انتشار الهواتف الذكية، فقد صار بعض الناس يكتفي بالاتصال الهاتفي للتهنئة ببعض المناسبات أو حتى للسلام والسؤال عن الحال، ولا شك أن توافر الأجهزة الذكية قد وسع دائرة العلاقات الشخصية، وصارت الارتباطات بين زملاء العمل والدراسة والأصدقاء أكثر إلحاحا في التواصل والرد.

وأضاف أن جزءا من المشكلة يعود إلى عدم القدرة على ترتيب الأولويات بشكل صحيح، ومن ثم تحديد الأفراد الذين لهم حق الزيارة، ومن يكفي الاتصال بهم، لكن من ينظر إلى قائمة الهاتف ليلة العيد مثلا يكتشف حجم المعاناة وصعوبة تحديد من يزور وبمن يتصل، وبالتالي صار هناك ضعف في الشعور بضرورة القيام بمتطلبات العلاقات الاجتماعية على المستوى الشخصي الذي كان يتم وجها لوجه.

وحول الفتور الذي أصاب العلاقات الودية بين المسلمين في الأعياد والمناسبات، قال المترجم عاطف الحملي: هناك عادات ووسائل أكثر ودا للتهنئة نفقدها تدريجيا بسبب التطور التكنولوجي في وسائل الاتصالات، كانت التهنئة تستلزم في الماضي زيارات ودية لا بديل عنها بين الأهل والأصدقاء لإظهار كل شخص فرحته وحبه للآخر، ثم تحولت إلى اتصالات أقل ودا تخفي بسماتنا على الوجوه، ثم هيمنت رسائل الهاتف المحمول والبريد الإلكتروني التي تظهر معها رسومات مصطنعة لوجوه كارتونية، ثم رسائل تهنئة مجمعة لكل الأصدقاء تخلو من الاهتمام بشخص المرسل إليه.

نحتاج إذا استطعنا العودة تدريجيا خطوة إلى الوراء في طريقة التهنئة لكي يبقى الود والتراحم.

الفجوة بين القول والفعل:
يشتكي بعض الأزواج من أن زوجته قد تمكث ساعات أمام وسائل التواصل لتنصح أروع النصائح الزوجية، ثم هي على المستوى العملي الواقعي لا تنفع نفسها بتلك النصائح التي تقدمها للآخرين.

ويفسر د. الشريم هذه الظاهرة بقوله: من المعلوم أن الطرح النظري أسهل من العملي بكثير، وهذا الأمر لا يقتصر على النساء فقط، فربما يقع الرجل أيضا في الأمر نفسه دون أن يشعر، بل إن بعض المنظرين الكبار في تخصصات عديدة يفشلون في تطبيق ما ينصحون به الآخرين، ولذلك ينبغي على الزوج أن يتسع صدره لمثل هذه الأمور، وأن يلجأ لأساليب مبتكرة ومتجددة لتحويل تلك الأفكار إلى واقع ملموس، ومن ذلك جلسات النقاش الودية التي يستمع فيها لما تطرح زوجته من أفكار، ثم يثني عليها، ويقترح عليها أن يلتزم معها بخطة معينة لتعديل وضع خاطئ أو تطوير جوانب معينة في تربية الأبناء أو الاهتمام بالمنزل.

نظرة متوازنة:
وبرغم تحذيراته السابقة من الإفراط في التعاطي مع وسائل التواصل دعا الشريم إلى الإنصاف في تقييم تجربة وسائل التواصل، فقال: عندما يطرح موضوع المواقع الاجتماعية يرد في الذهن مباشرة المخاطر، بينما النظرة المتوازنة تتطلب النظر إلى الإيجابيات والسلبيات معا، ليكون الحكم معتدلا. ولكن بدون شك، استخدام أفراد الأسرة لتلك المواقع الاجتماعية قد أثر على تواصلهم الشخصي اعتمادا على العلاقات التي صنعها العالم الافتراضي وجعلهم جزءا منه، خاصة أن التفاعلات التواصلية مستمرة على مدار الأربع وعشرين ساعة يوميا وفي جميع أيام السنة.

وأضاف أن مرحلة المراهقة بما تتميز به من تغيرات نفسية كبيرة، قد تجعل المراهق مائلا للانزواء عن والديه وأسرته، ويلجأ إلى العالم الافتراضي سواء كان ذا صلة بواقعه من أصدقاء حقيقيين أو لا.

وفي النهاية ينبغي أن تظل تلك الوسائط أدوات في أيدينا نستخدمها ولا تستخدمنا، نملكها ولا تملكنا، نتعامل معها بقدر الحاجة ولا نستسلم لما تفرضه علينا من قيم دخيلة.

مغبون ذلك الشخص الذي يراهن على خسارة بيته وأصدقاء عمره الذين يؤازرونه ويدعمونه لصالح أصدقاء عالم وهمي لا يقدمون له سوى ليكات!
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة