الانقلاب على الغرب العلماني

0 1359

في سنة 1938 م أصدر الدكتور طه حسين (1306-1393 هـ ، 1889-1973 م)، أخطر الكتب التي حاولت دمج الشرق في الغرب وإنكار التميز لحضارة الإسلام عن الحضارة الغربية، وهو كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" وفي هذا الكتاب أنكر طه حسين دور الدين واللغة في الوحدة السياسية للدولة، وقال: "..ومن المحقق أن تطور الحياة الإنسانية قد قضى منذ عهد بعيد بأن وحدة الدين ووحدة اللغة لا تصلحان أساسا للوحدة السياسية ولا قواما لتكوين الدول، إن السياسة شيء والدين شيء آخر".

مضى طه حسين في هذا الكتاب فادعى أن العقل الشرقي هو عقل يوناني، وأنه لا يزال كذلك وأن القرآن والإسلام لم يغيرا من هذا الطابع اليوناني للعقل الشرقي، كما أن الإنجيل والمسيحية لم يغيرا من يونانية العقل الأوروبي؛ لأنه لا فرق بين القرآن والإنجيل.
ثم رتب على هذا الادعاء دعوته الشرقيين إلى التبعية والذوبان في الحضارة الأوروبية الحديثة، وقال: "إن السبيل واضحة بينة مستقيمة، ليس فيها عوج ولا التواء وهي واحدة فذة ليس لها تعدد، وهي أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أندادا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب".

ذهب – على هذا الطريق- فتساءل: "إن الإسلام قد تقبل الحضارة اليونانية فلم لا يتقبل الحضارة الأوروبية؟" ومضى فهاجم محاولات الإمام محمد عبده (1266-1323هـ، 1849-1905م) التوفيق بين الدين والعلم، وقال: "لقد صارت كل أفكار محمد عبده بشأن العلم والدين بالية.. وقليل من المسلمين هم الذين يهتمون بالتوفيق بين إيمانهم والمعارف التي حصلوها، وهم يندفعون بابتهاج نحو الحضارة الغربية، ويتخذونها مثلا أعلى.. ولقد صار المتمسكون بآراء محمد عبده وقاسم أمين (1302-1326هـ،1865-1908م) يعدون محافظين، بل ويدرجون أحيانا بين المتخلفين".

هكذا فكر وقرر وكتب طه حسين في حقبة انبهاره بالغرب.. لكن طه حسين قد تطور فكريا، وراجع جميع هذه الأفكار.. ووصل إلى الحد الذي أعلن فيه سنة 1953م أثناء عضويته بلجنة وضع الدستور الذي أرادت ثورة يوليو أن يحل محل دستور سنة 1923م إلى أن يدعو إلى حاكمية القرآن الكريم على الدستور والقانون.. فيقول في الرد على الدكتور عبد الرحمن بدوي (1335-1427هـ، 1917-2002م) الذي دعا إلى المساواة الكاملة بين النساء والرجال، حتى في الميراث.

"إن من المقطوع به أن الأغلبية لن تقبل أن تخرج عن وضع الدستور على ما أمر به الإسلام، فلا أظن مثلا أننا سننص على أن تأخذ المرأة في الميراث نصيبا كنصيب الرجل، فلن يحدث هذا بالطبع، إننا لا بد أن نحتاط فنقول: إنه إذا وجد نص ديني صريح فالحكمة والواجب يقتضيان ألا نعارض النص، وأن نكون من الحكمة ومن الاحتياط حيث لا نضر الناس في شعورهم ولا في ضمائرهم ولا في دينهم فليس هناك أي مقتضى يسمح لنا بأن نعدل عن نص القرآن".
هكذا تطور طه حسين في موقفه من الدين والقرآن.. أما العلمانيون الذين يتمسحون به فلا يزالون عند مرحلة انبهاره بالغرب، يندفعون بابتهاج نحو الغرب غير مكترثين بالدين.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة