لا تغتابوا المسلمين ولا تتّبِعُوا عوْراتهم

0 1838

عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) رواه أحمد وأبو داود وابن حبان، وصححه ابن حبان والألباني.

يروي لنا الصحابي الجليل أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد رضي الله عنه وأرضاه، هذا التوجيه النبوي والوصية المهمة، التي تحذر من سلوك مشين وفعل آثم، يستوجب لصاحبه الوقوع في دائرة النفاق أو القدح في الإيمان، وكذا الفضيحة بين الناس.

سبب ورود الحديث

ورد في بعض روايات الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن ناسا من المنافقين ينالون ناسا من المؤمنين، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم صوته، فقال: (يا معشر من آمن بلسانه...)، وفي رواية: نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق -أي البنات الأبكار اللاتي يحتجبن عن الأعين والأنظار في الخدور-، فقال: (يا معشر من آمن بلسانه..) الحديث.

شرح الحديث

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه): هذا النداء وما بعده يدل على أن الصفات والأفعال التي ستذكر لاحقا "غيبة المسلم وتتبع عوراته" من شعار المنافقين، أو من سمات ناقصي الإيمان، ونظيره في كلام الله عز وجل: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} [الحجرات:14]، حيث فسرت الآية بأن المقصود بها أناس منافقون -وهو قول البخاري واختياره-، أو المقصود مؤمنون ناقصوا الإيمان، لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، لديهم ضعف في الإيمان، وليسوا من المنافقين، ومثل ذلك يقال في مراد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، بأن هذه الأفعال قد تدل على نقص في الإيمان أو تكون مؤشرا على النفاق.

(لا تغتابوا المسلمين): أي لا تذكروا المسلمين في غيبتهم بما يكرهون، وقد ورد النهي عن الغيبة في كتاب الله تعالى في قوله: {ولا يغتب بعضكم بعضا} [الحجرات:12]، وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم معناها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما قال لأصحابه: (أتدرون ما الغيبة؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذكرك أخاك بما يكره), قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول, فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) رواه مسلم.

(ولا تتبعوا عوراتهم): أي لا تجسسوا عيوبهم ومساوئهم وزلاتهم وهفواتهم، لأن من يفعل ذلك ينشغل عن إصلاح نفسه وتزكيتها.

(فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته): أي من حاول تتبع عيوبهم ومساوئهم فإن الله عز وجل سيكشف عيوبه وزلاته، ويجازيه من جنس عمله، وقيل معناه: أنه سيجازيه بسوء صنيعه في الدنيا والآخرة، جزاء وفاقا.

(ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته): أي يكشف الله عز وجل مساويه وعيوبه، وتحصل له الفضيحة، ولو كان في بيته مختفيا من الناس، أي تصل إليه العقوبة والفضيحة، ويصل إليه جزاؤه في الدنيا قبل جزاء الآخرة الذي ينتظره.

التوجيه النبوي في الحديث

- الجزاء من جنس العمل: يجازي المرء بمثل فعله في السوء والشر (من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته)، وكذلك الأمر في الخير والبر (من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة) متفق عليه.

- مراقبة الناس وتتبع أحوالهم تفسد ولا تصلح: قد يظن البعض أن مراقبة الناس تصلحهم، لكن هذا الحديث ينفي ذلك ضمنيا، وأما نفيه بشكل مباشر فقد ورد في حديث معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعرضوا عن الناس، ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم) رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، يقول المناوي رحمه الله: "أي ولوا عن الناس، ولا تتبعوا أحوالهم، ولا تبحثوا عن عوراتهم، ألم تعلم أنك إن اتبعت التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها؛ أوقعتهم في الفساد، أو قاربت أن تفسدهم؛ لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة، أو لحصول تهمة لا أصل لها، أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم، وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها، والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن، والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم"، ويقول في موطن آخر: "إن الأمير -أو المسؤول- إذا ابتغى الريبة، أي: طلب الريبة، أي: التهمة في الناس بنية فضحهم، أفسدهم وما أمهلهم، وجاهرهم بسوء الظن فيها، فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا، ومقصود الحديث الحث على التغافل، وعدم تتبع العورات، فإن بذلك يقوم النظام، ويحصل الانتظام، والإنسان قل ما يسلم من عيبه، فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع، واتسع المجال، بل يستر عيوبهم، ويتغافل، ويصفح، ولا يتبع عوراتهم، ولا يتجسس عليهم".

- ذكر عيوب الناس يوقعك في الزلل: من شؤم ذكر عيوب الناس ما روي عن بعض السلف أنه قال: "أدركت قوما لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوبا، وأدركت أقواما كانت لهم عيوب، فكفوا عن عيوب الناس، فنسيت عيوبهم"، والجزاء من جنس العمل.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة