الأمانة صفة الصفوة

0 1164

الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم رسل الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه ، وبعد:
فإن الأمانة هي صفة الصفوة من أنبياء الله ورسله، ومن سار على نهجهم من الصالحين والمؤمنين.
انظر إلى نبي الله يوسف عليه السلام يقول له ملك مصر: { إنك اليوم لدينا مكين أمين (54)} ( سورة يوسف). وقالت ابنة الرجل الصالح لأبيها عن نبي الله موسى عليه السلام: { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين (26)} ( سورة القصص).
أما خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان يلقب بالأمين حتى قبل بعثته ؛ فعند بنائهم الكعبة وحين وصلوا إلى موضع الحجر الأسود واختلفوا من منهم يفوز بهذا الشرف حتى كادوا يقتتلون ثم اتفقوا على أن يحكموا بينهم أول داخل فكان الداخل عليهم هو رسول الله قبل بعثته فقالوا حين رأوه: هذا الأمين ، رضينا، هذا محمد، ولأمانته فقد كان أهل مكة لا يخشون على شيء إلا جعلوه أمانة عنده وقد وفى صلى الله عليه وسلم حتى إنه حين أراد أن يهاجر وقد اتفقت قريش على قتله أمر علي بن أبي طالب أن ينام في فراشه ولن يصيبه منهم مكروه، وأن يرد الأمانات إلى أهلها، وكان ما اشتهر من أمانته صلى الله عليه وسلم سببا لرغبة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها في الزواج منه، وعندما فتح الله عليه مكة وطاف بالبيت أخذ مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة ودخل البيت فلما خرج أعطى المفتاح مرة أخرى لعثمان وأبى أن يعطيه بعض أقاربه حين طلبوه.

وحين اقترض تمرا من أعرابي وجاء الأعرابي ليستوفي حقه فأغلظ للنبي القول واشتد عليه قائلا: أحرج عليك إلا قضيتني، فانتهره أصحاب النبي وقالوا: ويحك ، تدري من تكلم؟ قال: إني اطلب حقي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هلا مع صاحب الحق كنتم" ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها : "إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك" فقالت: نعم بأبي أنت يا رسول الله ، فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه فقال الأعرابي:أوفيت أوفى الله لك ، فقال :"أولئك خيار الناس إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع".
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء: "وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة".
إنها الأمانة التي أمر الله تعالى عباده بها ونهاهم عن خيانتها فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (27)} ( الأنفال). وقال: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه} (البقرة من الآية:283).
إنها الأمانة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدائها حين قال: " أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك".
وقد مدح الله تعالى من اتصف بهذه الصفة ووعده خيرا عظيما، قال الله تعالى: { قد أفلح المؤمنون ...} إلى قوله: { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} وبين جزاءهم: { أولئك هم الوارثون (10) الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون (11)} ( سورة المؤمنون).
إن العلاقة بين الأمانة والإيمان علاقة وثيقة ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنه لا إيمان لمن لا أمانة له"، وفي الحديث أيضا :"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم". وعد من علامات النفاق تضييع الأمانة:" آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ".
وإذا كان الصراط جسرا مضروبا على جهنم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وترسل الأمانة والرحم ، فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا". أي: إن الأمانة والرحم، لعظم شأنهما وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما، يوقفان هناك للأمين والخائن، والمواصل والقاطع، فيحاجان عن المحق، ويشهدان على المبطل.

إن تضييع الأمانة من أمارات الساعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة".
إن الأمانة أصل في جميع العبادات والمعاملات ، فالعبد مؤتمن على صلاته وطهارته وعباداته كلها ، وهو مؤتمن على حقوق العباد، وإن كل غش في معاملة الناس أو أكل لحقوقهم وأموالهم بالباطل لهو تضييع للأمانة، وإن خيانة الأمانة تكون يوم القيامة فضيحة يفتضح بها العبد على رؤوس الخلائق كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره".ويا لها من فضيحة!!.
ويكون عدم القيام بالأمانة خزيا وندامة على صاحبه، فقد روى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال:قلت : يا رسول الله ! ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي . ثم قال: "يا أبا ذر ! إنك ضعيف . وإنها أمانة . وإنها يوم القيامة ، خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها".
وكان عمر رضي الله عنه قال : لا يغرنك صلاة امرئ ولا صيامه ، ولكن إذا حدث صدق ، وإذا اؤتمن أدى...
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يرخص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة.

فكن أيها الحبيب كما قال القائل:
أرعى الأمانة لا أخون أمانتي . . . . إن الخؤون على الطريق الأنكب

فاللهم إنا نعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة