بائع الوهم

0 1856

شاب في مقتبل العمر ، يعاني فراغا كبيرا في وقته، ومع الأسف يكون أحيانا رجلا ناضجا متزوجا ولديه أولاد، لكنه يتصرف تصرفات المراهقين، أو تصرفات من لا مروءة له ولا أمانة.

كلاهما يشعر بالملل، ويبحث عن سعادة تائهة؛ فتراه يقضي على هذا الملل بالحديث مع الفتيات عبر صفحات الفضاء الأزرق، ويحاول أن يكون مع كل واحدة الشخص الذي تبحث عنه؛ فهو مثقف وناضج مع المثقفة، وصاحب دين مع من يكون سمت صفحتها التدين، ومنفتح و متحرر مع من تحب هذا النوع من الرجال.

يطرق باب إحداهن الخاص، فتفتح له واحدة، وتتجاهله أخرى، وثالثة تصده بقوة وحزم قائلة له: اذهب.. ليس هنا مبتغاك. الأخيرة قد اختصـرت عليه الطريق؛ فيتركها وشأنها، فهي من النوع الشرس الذي لا يتهاون مع اللاهين المتسكعين في شوارع (الفيس بوك).

يحاول مع الثانية مرات ومرات، ولا يمل طالما أنها لم تكن حازمة منذ البداية، فهذا يعني له أنها تتمنع فقط، لكن ستلين مع الوقت، فيهتم بصفحتها ويعجب بكل ما تنشره، غثا كان أم سمينا، ويعلق تعليقات تناسب عقليتها، وبالطبع يجيد اختيار ما ينفذ سريعا إلى قلبها. وفي الوقت نفسه يرسل إليها رسائله على الخاص، ولن يقنع إلا باستمالتها والحديث معها.

ويظل يتقلب من واحدة لأخرى.. يضحك مع هذه، ويفضفض مع تلك لتفضفض معه، ويراسل هذه بصورة لترسل إليه صورة، ويتجرأ على تلك؛ لأنها منذ البداية تجرأت عليه، فيتحدث معها وكأنها زوجته. ويتباهى أمام أصدقائه بتعدد علاقاته، وكثرة صديقاته.

وكلهن عنده سواء، فهو يتسلى فقط، ويحب التعارف، وبالطبع لا يتعارف على من مثله من الشباب، بل يتعرف على النساء فقط، فهو يبيع لهن الحب، ويمنحهن كلاما معسولا، ووعودا كاذبة، وآمالا خداعة.

وإذا تورط مع إحداهن.. أو مل منها، فالحل عنده يسير، فبزيارة خفيفة إلى صفحتها وبالضغط على خيار (الحظر) ينتهي كل شيء. ولا يهمه ما يخلفه وراءه من قلب كسير، وعين باكية، وفتاة مخدوعة ومجروحة، ويبرر لنفسه قائلا: هي من فتحت لي، وهي من تتسلى، أنا لم أرغمها على شيء. وإذا سألته: أترضاه لأختك؟ يرد بكل جرأة: أختي لا تفعل مثلها؛ أختي بنت ناس، وهذه ومن على شاكلتها لسن بنات ناس.

رجال كثيرون مثل بائع الحب هذا، يتسلون بجراح ضعيفات القلوب من النساء، خاصة الفتيات الصغيرات اللاتي لا خبرة لهن بعالم الذئاب، وحجتهم جميعا واحدة: هن من يرضين بذلك، نحن لا نرغم امرأة على شيء.

فيا من غرتك دنياك، وساقك شيطانك لمثل هذه الأفعال، استح من ربك، واتق الله في بنات الناس، ولا تظنن أنك ستفلت بكل تلك الجراح التي تسببها لنساء ضعيفات القلب والدين، فهناك من يراقبك، ويعد عليك أنفاسك، ويملأ صحيفتك بما لا يسـرك، وغدا ستكون لك وقفة بين جبار السموات والأرض، يناديك باسمك، ويذكرك بما كنت تفعله، على رؤوس الأشهاد، فهل ستسرك تلك الفضيحة في ذلك اليوم؟! وثق تمام الثقة أنه كما تهدم بناء انحنى ظهر أب مسكين في تشييده، فحتما سيأتي غدا من يهدم بناءك، ويسقيك من الكأس نفسها.

ويا من تستهين بنفسها، وتضيع كرامتها على عتبات هؤلاء المتسكعين، وتهين أباها وتسيء إلى إخوتها وأهلها: اتق الله في نفسك، ولا تنخدعي وراء هؤلاء الباعة الجائلين، فهم لا يبيعون حبا، بل يبيعون وهما ودجلا، ثم يتركونك تكابدين جراحك وآلامك، غير عابئين بك ولا بقلبك الكسير. وربما أضر بك أحدهم، فيصبح لك مصدر قلق وألم كنت في غنى عنهما.

من يستحقك حقا هو من يحترمك ويخطب ود أبيك، ويأتي البيوت من أبوابها، فانتظريه، فهو رزقك الذي سيساق إليك، فلن تموتي حتى تستوفي هذا الرزق، ولا تستبطئي رزق ربك بمعصيته.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة