من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار

0 2030

الكذب من رذائل الصفات وقبائح الأخلاق، وقد حرمه الله عز وجل في كتابه الكريم، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو من أقصر الطرق إلى النار، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) رواه البخاري. قال المناوي: "(وإياكم والكذب) اجتنبوه واحذروا الوقوع فيه، فإنه مع الفجور. أي: الخروج عن الطاعة، وهما في النار يدخلان نار جهنم". والكذب هو إخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، قال النووي في كتابه "الأذكار": "واعلم أن مذهب أهل السنة أن الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواء تعمدت ذلك أم جهلته، لكن لا يأثم في الجهل، وإنما يأثم في العمد". 
وإذا كان الكذب حرام على عموم الناس، فإن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد وأعظم، فإنه من أقبح المنكرات، ومن أكبر الكبائر، فمن خصائصه صلوات الله وسلامه عليه أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري. قال القاضي عياض: "وإذا كان الكذب ممنوعا فى الشرع جملة فهو على النبى عليه السلام أشد، لأن حقه أعظم، وحق الشريعة آكد، وإباحة الكذب عليه ذريعة إلى إبطال شرعه، وتحريف دينه".
وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يكذب عليه متعمدا بأشد العذاب، وقد تواترت الأحاديث في بيان عظم حرمة وجريمة الكذب عليه صلى الله عليه وسلم, وأن الكذب عليه ليس ككذب على أحد، وأن من كذب عليه متعمدا فقد تبوأ مقعده من النار. فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري، ورواه مسلم في مقدمة صحيحه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليلج النار) رواه البخاري. وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل) رواه البخاري. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
فائدة :
الوعيد الشديد الوراد في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم على المتعمد للكذب، قال الله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم}(الأحزاب:5)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا) رواه البخاري. وقال القرطبي في كتاب: "المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" في شرح حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكذبوا علي، فإنه من يكذب علي يلج النار)، قال: "صدر هذا الحديث نهي، وعجزه وعيد شديد، وهو عام في كل كاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومطلق في أنواع الكذب، ولما كان كذلك، هاب قوم من السلف الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كعمر، والزبير بن العوام، وأنس بن مالك، وابن هرمز رضي الله عنهم، فإن هؤلاء سمعوا كثيرا وحدثوا قليلا، كما قد صرح الزبير رضي الله عنه بذلك لما قال له ابنه عبد الله رضي الله عنه: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كما يحدث فلان وفلان؟ فقال: أما أني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول: من كذب علي، فليتبوأ مقعده من النار. وقال أنس: إنه يمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كذب علي... الحديث، ومنهم: من سمع وسكت، كعبد الملك بن إياس، وكأن هؤلاء تخوفوا من إكثار الحديث الوقوع في الكذب والغلط، فقللوا، أو سكتوا .. غير أن الجمهور: خصصوا عموم هذا الحديث، وقيدوا مطلقه بالأحاديث التي ذكر فيها: متعمدا، فإنه يفهم منها أن ذلك الوعيد الشديد، إنما يتوجه لمن تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الطريقة هي المرضية، فإنها تجمع بين مختلفات الأحاديث.. هذا مع أن القاعدة الشرعية القطعية تقتضي أن المخطيء والناسي غير آثمين، ولا مؤاخذين، لا سيما بعد التحرز والحذر".

وفي "فتح الباري" في شرح حديث عبد الله بن الزبير، قال: قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار، ـ قال ابن حجر ـ: "وفي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للأصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، سواء كان عمدا أم خطأ، والمخطيء وإن كان غير مأثوم بالإجماع، لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر، لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار، إذ الإكثار مظنة الخطأ، والثقة إذا حدث بالخطأ فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار، فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث، وأما من أكثر منهم فمحمول على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبت، أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان ـ رضي الله عنهم ـ".

نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل البشر في جميع أقواله وأحواله، فما تركه من قول وفعل فتركه أولى من فعله، وما فعله ففعله أكمل من تركه، ومن ثم فليحذر المسلم من أن ينسب ولو من قبيل الخطأ للنبي صلى الله عليه وسلم حديثا وكلاما لم يقله، أما الذي يكذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمدا فهو على خطر عظيم، لقوله صلوات الله وسلامه عليه: (إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري. ومن المعلوم أن من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على المسلم نصرته وتحقيق محبته واتباعه، ولا شك أن من صور ذلك: تحري الصواب والصدق في نقل أقواله وأخباره صلى الله عليه وسلم، والمحافظة على نقاء شريعته وسنته ..

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة