زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم

0 1472

أبناء النبي صلى الله عليه وسلم سبعة كما قال النووي: "كان له صلى الله عليه وسلم ثلاثة بنين: القاسم وبه كان يكني، ولد قبل النبوة، وتوفي وهو ابن سنتين، وعبد الله وسمي الطيب والطاهر، لأنه ولد بعد النبوة، وإبراهيم ولد بالمدينة سنة ثمان، ومات بها سنة عشر وهو ابن سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر. وكان له أربع بنات: زينب تزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد، وفاطمة تزوجها على بن أبى طالب رضي الله عنه، ورقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان رضي الله عنه، تزوج رقية ثم أمكلثوم وتوفيتا عنده ولهذا سمي ذا النورين .. فالبنات أربع بلا خلاف، والبنون ثلاث على الصحيح". 

زواج زينب من أبي العاص بن الربيع :

تزوجت زينب رضي الله عنها من أبي العاص بن الربيع في حياة أمها خديجة رضي الله عنها، وأسلمت زينب قبل زوجها، وكانت تدعوه للإسلام فلم يستجب لها، ولم يؤثر عنه عداء أو إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم أو لزينب رغم كفره. وأرادت قريش من أبي العاص أن يطلق زينب رضي الله عنها ويزوجوه بمن شاء من بنات قريش إيذاء لأبيها صلى الله عليه وسلم، ولكن أبا العاص رفض ذلك لحبه الشديد لزينب، فقد ذكر ابن هشام في السيرة النبوية أن مشركي قريش ذهبوا إلى أبي العاص وقالوا له: "فارق صاحبتك (زوجتك زينب) ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت، قال: لا والله، إني لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش". وبقيت زينب مع زوجها أبي العاص على هذه الحالة، إذ لم يكن نزل حينئذ التفريق بين المسلمة وغير المسلم، والذي نزل بعد ذلك عند الحديبية، قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن}(الممتحنة:10): "هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين، وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة، ولهذا كان أبو العاص بن الربيع زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها، وقد كانت مسلمة وهو على دين قومه".

وفاء زينب رضي الله عنها لزوجها :

لما علمت زينب رضي الله عنها بانتصار المسلمين في بدر، وأن زوجها والذي لا زال مشركا أصبح أسيرا من الأسرى لدى المسلمين، راحت تبذل ما في وسعها لفكاك زوجها من الأسر، فكان مما أرسلته لتفديه وتفك أسره به: قلادة لها كانت أهدتها لها أمها خديجة رضي الله عنها عند زواجها منه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها! فقالوا: نعم) رواه الحاكم وأبو داود وحسنه الألباني. قال الطيبي: "قولها: (رق لها) أي تذكر غربتها ووحدتها، وتذكر صلى الله عليه وسلم عهد خديجة وصحبتها، فإن القلادة كانت لها، فلما زوجتها من أبي العاص أدخلت القلادة مع زينب عليه". وقال الهروي: "أي لغربتها (زينب) ووحدتها، وتذكر عهد خديجة وصحبتها فإن القلادة كانت لها وفي عنقها".
أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح أبي العاص من الأسر، وأخذ عليه عهدا حين يرجع إلى مكة أن يسمح لزينب رضى الله عنها بالهجرة إلى المدينة المنورة، فوفى أبو العاص بذلك، قال ابن كثير في البداية والنهاية: "قال ابن إسحاق: وقد كان رسول صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أن يخلي سبيل زينب، يعني أن تهاجر إلى المدينة، فوفى أبو العاص بذلك". فكان صلى الله عليه وسلم يثني عليه فيقول: (أنكحت (زوجت) أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني) رواه البخاري. وفي رواية أخرى: (ووعدني فأوفى لي)، قال ابن الأثير: "هذا المشار إليه بالوعد والوفاء: هو أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أسر في غزوة بدر، فأرسلت زينب فداءه من مكة، وهي قلادة أمها خديجة رضي الله عنها، فرق لها رسول صلى الله عليه وسلم رقة شديدة، واستطلق أسيرها من المسلمين، وشرط رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص أن ينفذ زينب إليه إذا وصل إلى مكة، ففعل".
 
إسلام أبي العاص :

بعد أن وفى أبو العاص بعهده، وأخلى سبيل زينب رضي الله عنها، ورجعت إلى المدينة المنورة، بقيت عند أبيها صلوات الله وسلامه عليه. ثم أسر أبو العاص مرة أخرى وهو ذاهب إلى الشام للتجارة، قال الذهبي: "خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بماله، وبمال كثير لقريش، فلما رجع لقيته سرية (أميرها زيد بن حارثة وذلك في جمادى الأول سنة ست من الهجرة) فأصابوا ما معه، وأعجزهم هاربا، فقدموا بما أصابوا، وأقبل أبو العاص في الليل حتى دخل على زينب، فاستجار بها فأجارته، وجاء في طلب ماله. فلما خرج صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وكبر وكبر الناس معه، صرخت زينب من صفة النساء (مكان مظلل في المسجد للنساء): أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى السرية الذين أصابوا ماله فقال: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فأنتم أحق به. قالوا: بل نرده، فردوه كله، ثم ذهب (أبو العاص) إلى مكة، فأدى إلى كل ذي مال ماله، ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم. ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم". ولما أسلم أبو العاص بن الربيع ذهب إلى المدينة المنورة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين زينب رضي الله عنها، وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة النبوية.

وفاة زينب وأبي العاص رضي الله عنهما:

لم تعش زينب رضي الله عنها طويلا بعد إسلام زوجها والتقائها به، إذ توفيت رضي الله عنها في العام الثامن من الهجرة النبوية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما وفاة أبي العاص فقد تأخرت عن وفاتها رضي الله عنها، قال الذهبي: "زينب كانت رضي الله عنها أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفيت سنة ثمان من الهجرة"، وقال: "ومات أبو العاص في شهر ذي الحجة، سنة اثنتي عشرة في خلافة الصديق"، وقال ابن حجر: "مات أبو العاص بن الربيع في خلافة أبي بكر في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة .
 
أولاد زينب رضي الله عنها :

قال ابن سعد: "ولدت زينب لأبي العاص عليا وأمامة، فتوفي علي وهو صغير، وبقيت أمامة"، وقال ابن حجر: "اتفق أهل العلم بالنسب أن زينب لم تلد لأبي العاص إلا عليا وأمامة فقط.. فأما علي فقد مات عندما ناهز الاحتلام.. ومات في حياته صلى الله عليه وسلم". وأما أمامة رضي الله عنها فكانت وفاتها في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. وأمامة هي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها أثناء الصلاة وهي طفلة صغيرة، عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن الربيع، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها) رواه البخاري. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أمامة ابنة ابنته زينب حبا شديدا، ويحنو عليها ويهتم بها ويكرمها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة من جزع (خرز) ملمعة بالذهب، ونساؤه مجتمعات في بيت كلهن، وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع جارية (صغيرة) تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف ترين هذه؟ فنظرن إليها فقلن: يا رسول الله ما رأينا أحسن من هذه ولا أعجب! فقال: ارددنها إلي، فلما أخذها قال: والله لأضعنها في رقبة أحب أهل البيت إلي، قالت عائشة: فأظلمت علي الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن، ولا أراهن إلا قد أصابهن مثل الذي أصابني، ووجمنا جميعا، فأقبل حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص، فسري عنـا) رواه الطبراني.

فارقت زينب رضي الله عنها الدنيا بعد أن ضربت مثلا عاليا في صدق الإيمان ووفاء الزوجة، وبكاها أبو العاص رضي الله عنها بكاء حارا، وحزن عليها النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا، وأعطى النساء اللاتي يغسلنها قبل دفنها إزاره الذي يشد على الخصر، وأمرهن أن يجعلوه يلاصق جسدها الطاهر مباشرة، فعن أم عطية رضي الله عنها قالت: (لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلنها وترا ـ ثلاثا أو خمسا ـ، واجعلن في الخامسة كافورا، أو شيئا من كافور، فإذا غسلتنها فأعلمننى، قالت: فأعلمناه، فأعطانا حقوه (إزاره) وقال: أشعرنها (ألففنها) إياه) رواه مسلم.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة