الضَيْف والهدِّية في هدي خيْر البَرِيَّة

0 681

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تشريع كل ما من شأنه أن يؤلف بين القلوب، ولذلك كان من هديه وسنته وجميل شمائله وصفاته إكرام الضيف والهدية. والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف والأحاديث الدالة على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالهدية وإكرام الضيف، وذلك لأنهما من الأسباب والوسائل التي تجلب المحبة، وتذهب الشحناء، وتقوي الأخوة والصلة بين أفراد المجتمع، وتدخل السرور على المسلم. 

الهدية :
الهدية مظهر حب وود، تقرب البعيد، وتؤلف بين النفوس، وتفتح مغاليق القلوب، وتعمق أواصر المحبة، وهي من هدي وسنن نبينا صلى الله عليه وسلم التي أمرنا بها وحثنا عليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تهادوا تحابوا) رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني. قال القرطبي: "ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، وفيه الأسوة الحسنة، ومن فضل الهدية - مع اتباع السنة - أنها تزيل حزازات النفوس"، وقال ابن عبد البر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية وندب أمته إليها، وفيه الأسوة الحسنة به صلى الله عليه وسلم. ومن فضل الهدية مع اتباع السنة أنها تورث المودة وتذهب العداوة".
 
وفي الهدية ترغيب غير المسلمين في الإسلام، وترغيب العاصي في التوبة والطاعة والخير، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية رضي الله عنه قبل أن يسلم، حينما أعطاه واديين من الإبل والغنم، فأسلم وحسن إسلامه، يقول صفوان رضي الله عنه: (والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي) رواه مسلم.

الهدية ولو بالقليل :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة (عظم قليل اللحم)) رواه البخاري. قال الكرماني: "قال المهلب: في حديث أبي هريرة الحض على التهادي والمتاحفة ولو باليسير، لما فيه من استجلاب المودة وإزالة العداوة واصطفاء المعاشرة، ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة، وأيضا فإن الهدية إذا كانت يسيرة فهي أدل على المودة وأسقط للمؤنة، وأسهل على المهدي، وإنما أشار بالفرسن إلى المبالغة في القليل من الهدية لا إلى إعطاء الفرسن، لأن أحدا لا يفعل ذلك". وفي تحفة الأحوذي: "وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير لما فيه من استجلاب المودة، وإذهاب الشحناء، والتعاون على أمر المعيشة، والهدية وإن كانت يسيرة، فهي أدل على المودة، وأسقط للمؤنة، وأسهل على المهدي لإطراح التكلف والكثير قد لا يتيسر كل وقت، والمواصلة تكون كالكثير".

قبول الهدية والمكافأة عليها :
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي لغيره، كان يقبل الهدية من غيره ويكافئه عليها، والإهداء والشكر من كرم النفوس وصفاء الصدور للمهدي والمهدى إليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدى إلى ذراع أو كراع لقبلت) رواه البخاري، والكراع: مستدق الساق من الغنم والبقر العاري من اللحم. قال ابن بطال: "حض منه لأمته على المهاداة والصلة، والتأليف والتحاب، وإنما أخبر أنه لا يحقر شيئا مما يهدى إليه أو يدعى إليه، لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المهدى، وإنما أشار بالكراع إلى المبالغة في قبول القليل من الهدية". وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها) رواه البخاري. قال ابن حجر: "أي يكافئ المهدي فيعطيه بدلها".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ولا يأكل الصدقة) رواه أبو داود. قال ابن عبد البر: "رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الصدقة وكان يأكل الهدية، لما في الهدية من تآلف القلوب، والدعاء إلى المحبة والألفة، وجائز عليها الثواب، فترتفع المنة، ولا يجوز ذلك في الصدقة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها خيرا منها، فترتفع المنة". وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن أهدى لكم فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له) رواه أحمد. وفي رواية لأبي داود: (فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه). أي: أحسنوا إليه مثل ما أحسن إليكم، فإن لم تجدوا ما تكافئوه به ـ أي بالمال والهدية ـ فادعوا له وكرروا الدعاء حتى تروا أنكم قد كافأتموه.

عدم الرجوع في الهدية :
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وحث على الهدية لما فيها من نشر وتعميق الأخوة والمحبة، فقد نهى عن الرجوع فيها، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسل قال: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) رواه البخاري، قال ابن قدامة: "ولا يحل لواهب أن يرجع في هبته, ولا لمهد أن يرجع في هديته".

إكرام الضيف :
إكرام الضيف ـ في غير تكلف ولا مراءاة ـ من جميل الخصال ومكارم الأخلاق التي تنشر المحبة بين الناس وتؤلف بينهم، وقد حثنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) رواه البخاري، وفي تحفة الأحوذي: "أي من آمن بالله الذي خلقه وآمن بأنه سيجازيه بعمله: فليكرم ضيفه)". وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن لزورك (زوارك وضيوفك) عليك حقا) رواه مسلم، وفي رواية للنسائي: (وإن لضيفك عليك حقا)، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك فقال: (ما من الناس مثل رجل آخذ بعنان فرسه، فيجاهد في سبيل الله، ويجتنب شرور الناس، ومثل رجل في غنمه يقري ضيفه ويؤدي حقه) رواه أحمد. قال النووي: "أجمع المسلمون على الضيافة، وأنها من متأكدات الإسلام". وقال القاضي عياض: "أى من كان يؤمن بالله فليكن من خلقه إكرام الضيف، وأجمع العلماء على أنها من مكارم الأخلاق وسنن الشريعة". وقال المباركفوري: "إكرام الضيف: بطلاقة الوجه, وطيب الكلام, والإطعام ثلاثة أيام".

عدم التكلف مع الضيف :
كما أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بإكرام الضيف، فقد نهانا عن أن نتكلف له بما لا نطيق، لأن ذلك يؤدي إلى استثقال الضيافة وتركها، فعن سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتكلفن أحد لضيفه ما لا يقدر عليه)، قال ابن بطال: "فليقدم لضيفه ما تيسر عنده، ولا يتكلف له ما لا يقدر عليه".و قال النووي: "وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف، وهو محمول على ما يشق على صاحب البيت مشقة ظاهرة، لأن ذلك يمنعه من الإخلاص وكمال السرور بالضيف، وربما ظهر عليه شيء من ذلك فيتأذى به الضيف، وقد يحضر شيئا يعرف الضيف من حاله أنه يشق عليه، وأنه يتكلفه له فيتأذى لشفقته عليه، وكل هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، لأن أكمل إكرامه إراحة خاطره، وإظهار السرور به".

لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى المحبة والألفة والأخوة، ومن الوسائل التي تتحقق وتتعمق بها هذه المعاني: الهدية وإكرام الضيف، والسيرة النبوية مليئة بالمواقف والأحاديث الدالة على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالهدية والضيف، لما فيهما من الذهاب بالشحناء، وجلب المحبة، وإدخال السرور على المسلم، وتقوية الصلات والأخوة بين أفراد المجتمع .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة