الحياة بين النظرة الترفيهية للغرب والائتمانية للإسلام

0 712

نظرة الإنسان الغربي إلى الحياة نظرة غايتها الرفاهية، المتمثلة في الاستمتاع بالأكل والشرب والجنس واللهو فقط، وتسخير العلم والطبيعية وكل الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الغرض، في غياب إدراك غايات الإنسان الحقيقية المتعلقة بمعرفة سبب وجوده ومبدئه ومنتهاه؛ مما يسبب في هلاك الحرث والنسل والبيئة، وخراب البلدان ونهب ثروات الشعوب وإبادتهم عن طريق الحروب أو المجاعات المترتبة عنها، وكل ذلك من أجل أن يحقق الإنسان الغربي هذه الرفاهية ويعيش حياة الترف.

وحتى قيم العدل والمساواة والنظام وتطبيق القانون الموجودة في بلاد الغرب؛ إنما هي تطبيقات منحصرة داخل جماعاتهم، وقد أملتها عليهم ضرورة العيش لتحقيق الرفاهية المتمثلة في الاستمتاع بالأكل والشرب والجنس واللهو فقط؛ ولو على حساب مقدرات الشعوب الأخرى وحقهم في الحياة، فتطبيق بعض الفضائل داخل مجتمع وجعلها ضمانة لاستمرار الرفاهية مع فعل الشرور في حق مجتمعات أخرى ونهب خيراتها؛ لا يعني أن ذلك المجتمع مجتمع فاضل، بل يعني أن تلك الفضائل فضائل نفعية قائمة على تحقيق المصلحة والمنفعة الآنية لأفراده، فهي هدنة وسياسة داخلية يقوم بها الأفراد في المجتمعات الغربية ليتحقق لهم الاستمتاع بالحياة على الوجه الأكمل، حتى إذا خرجوا من حدود بلدانهم أنكروا ما تعارفوا عليه داخل بلدانهم من عدل ومساواة ونظام وتطبيق القانون؛ فيستعبدون الشعوب الأخرى استعبادا وينهبون خيراتهم، فنظرتهم الفلسفية للحياة نظرة برغماتية قائمة على المنافع والمصالح الفردية وتحقيق الرفاهية والترف، وهي خاضعة إلى السياسة أكبر من خضوعها إلى المنطق والفلسفة.

ومثل هذه الرفاهية محدودة الزمن، فهي لا تعمر طويلا حتى يأتي عليها الهلاك فيأخذ بنيانها من قواعده ويخر علهم السقف فينسوا كل ما كانوا عليه من رفاهية وترف وقوة، كما قال الله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}.
وهذا بسبب فساد نظرتهم إلى الحياة، وتوجيه المكاسب إلى تحقيق غاياتهم المتمثلة في الاستمتاع بالأكل والشرب والجنس واللهو فقط، فينقلب عليهم كل ذلك دمارا بيئيا وطبيعيا بسبب تخريبهم الطبيعة وتسخيرها لأغراضهم الذميمة تلك، فتنعكس عليهم آثارها المترتبة على ذلك بالهلاك، وكذلك خراب مجتمعاتهم بسبب السياسة الفاسدة في تدبير المنزل والمدينة فتسيطر على نفوسهم أخلاق قبيحة تكون سبب دمار مجتمعاتهم ماديا ومعنويا، كما قال الله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}.

أما نظرة الإسلام إلى الحياة فهي نظرة ائتمانية تتجلى في حمل الأمانة، قال الله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ۖ إنه كان ظلوما جهولا}، وتسخير الطبيعة إلى ما يحقق منفعة الناس جميعا باعتبارهم جماعة بشرية مشتركين في كل مقدرات هذه الأرض من ماء وغذاء وثروات طبيعية لا فرق بينهم إلا بالتقوى، قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}، فتكون الأهمية للمبادئ على المصالح، والفضائل النفسانية على المتع الجسمانية، مما يسهم في إصلاح الحرث والنسل والبيئة وسلامة المجتمعات والشعوب من الحروب ونهب الثروات، وتفعيل دور العدل والقسط في الأرض، وما ينتجه آثار التعارف بين الشعوب والتعاون بينهم على البر والتقوى وكف العدوان من مكاسب تخدم الإنسانية جمعاء، كما قال الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ۚ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ۚ إن الله عليم خبير}.

والنظرة الغربية إلى الحياة لا تؤمن بالتعارف والتعاون، وإنما تؤمن بالمنافع والمصالح الشخصية، وخير مثال على ذلك السياسة الخارجية للبلدان الغربية والممارسات الاقتصادية والعسكرية على باقي الشعوب والدول، وإصدار قوانين أممية تخدم السياسة الغربية وتضر بمصالح الدول الأخرى؛ وخاصة الدول الضعيفة عسكريا، وكذلك إنشاء منظمات ظاهرها إنساني وباطنها أنها تقوم بتفعيل دور القوانين الغربية، وتعبيد الطريق للسيطرة على الدول ونهب ثروات الشعوب.
نظرة الإسلام إلى الحياة تدعو إلى الإصلاح في الأرض وفي المجتمعات، وتحقيق الأمن والسلام والتعاون بين الناس بمقتضى حمل الأمانة، بينما النظرة الفلسفية للإنسان الغربي تدعو إلى الإفساد في الأرض وفي المجتمعات، ولذلك هي قائمة على الظلم والجهالة، {إنه كان ظلوما جهولا}، ولذلك العلم والصناعة والقوة في غياب التوجيه الأخلاقي ومنطق العقل والحكمة دمار للبشرية وللعالم.
ومع الأسف المسلمون اليوم يتبعون المنهج الغربي في نظرتهم إلى الحياة مما يسهم في مزيد من الإفساد في الأرض وفي المجتمع، وهذا ظاهر سواء على مستوى السياسة أو على مستوى نمط التفكير للإنسان المسلم.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة