ضعف الإعلام الإسلامي

0 815

كما هو الحال في كل ما حولنا، التطور يشمل كل شيء، ويغطي كل جنبات الحياة، غير أن التطور في وسائل الإعلام والتواصل يكاد أن يكون أكثرها جنونا وانفجارا، وأكثرها شمولا وتأثيرا.

ولما كان هذا التطور الهائل له من وضوح الأثر في حياة الناس، وأساليب معيشة المجتمعات، وله الدور الأعظم في تغيير الأفكار والثوابت والقواعد والأصول، وكذلك دوره الواضح في تغيير الثقافات، ونقلها من مكان إلى آخر، وتغيير القناعات. في عصر السماوات المفتوحة والحرب الثقافية الشرسة، التي تفوق في أبعاد تأثيرها حرب الترسانة العسكرية؛ وذلك لأن الأولى تقضي على العقول والثقافات، وأما الثانية فتقضي على الأجساد والأرواح.

إن للعملية الإعلامية أبعادا متعددة وخطيرة، فهي "تبدأ بالتسلل إلى داخل الأمة فتخترقها، ثم تعمل على التحكم فيها واحتوائها، وبذلك تلقي القبض على عقلها وعواطفها واهتماماتها، فتعيد تشكيلها وفقا للخطط المرسومة، وأخطر ما في هذا الاختراق والتحكم الإعلامي توهم الأمم المخترقة أنها تمتلك إرادتها، وتصنع رأيها، وتتخذ قرارها بنفسها، وذلك دون أن تشعر بأنها تدور في فلك نفسها، وتحرك بالريموت عن بعد"(د.عمر عبيد).

كل هذا يجعلنا ننظر بكل جدية إلى دور الإعلام الإسلامي، أو مدى استجابة الدول الإسلامية وأفرادها لهذا التحدي الخطير، وكيفية مقاومة هذا الطوفان الجارف، لنقيم أولا لنعرف مواطن الخلل ثم نبحث بعد ذلك عن الحلول.

ضعف من جهتين:
إن نظرة مبدئية إلى الإعلام الإسلامي عموما، تدلنا على أن الإعلام في ظل التحديات المعاصرة ومعطيات الواقع يعاني الضعف الشديد من جهتين:
الأولى تتمثل في ضعف العرض: نتيجة انعدام القدرة على تصنيع الأدوات التقنية، فضلا عن المعرفة بثقافة صناعة التأثير والتوجيه من خلال وسائل الإعلام، هذا فضلا عن التمكن في عرض الحقيقة والمضمون.

فإن الحصار الإعلامي اليوم يطبق علينا من كل جانب، والاستهلاك الإعلامي في العالم الإسلامي للمواد المصنعة في الخارج يزيد عن80% من المطروح يوميا، ويأتي في معظمه محاكاة لأفكار وإنتاج وإخراج الدول المتحكمة إعلاميا، وشأننا في ذلك هو شأن الإنسان الاستهلاكي لأشياء الحضارة، العاجز عن إنتاجها الذي سوف ينتهي - شاء أم أبى - به إلى لون من الارتهان الإعلامي والثقافي والحضاري؛ وذلك لأن الإعلام لم يعد يقتصر على إيصال المعلومة، وإنما يسهم في تشكيل الإنسان، وإعداده لقبول المعلومة التي يريد دون أن يدع له الفرصة لفحصها واختبارها لقبولها أو ردها". "مراجعات في الفكر والدعوة والحركة".

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فلا تخرج العملية الإعلامية في عمومها عن غيرها من عمليات التحكم المتعددة، والتي تمارس من عالم الأقوياء على عالم الضعفاء؛ وذلك للحيلولة دون ردم فجوة التخلف، وإلغاء التبعية الفكرية والإعلامية والثقافية والسياسية والاقتصادية، فالقدرات والقابليات الإعلامية المبدعة، التي قد تشكل الأمل للخروج من دائرة التحكم - لا تجد لها مكانا ولا مناخا في العالم الإسلامي؛ لذلك ترى استمرار استنزاف الطاقات وامتصاص تلك القدرات المبدعة، الأمر الذي يجعل العالم الإسلامي على وجه الخصوص، والعالم الثالث بشكل عام - صدى لأفكار الغرب ومنتجاته الإعلامية، والتي تمهد لتسويق أفكاره وأشيائه معا؛ ليستمر الفقر الإعلامي والفقر الفكري، إلى جانب مظاهر الفقر الأخرى، ونتيجة لضعف العملية الإعلامية لدى المسلمين، فقد نتج ضعف في الخطاب والحوار الإسلامي؛ وذلك لعدم وجود انطلاقة لدى المسلمين ينطلقون منها لبث روح التجديد والتطوير في كل مجالات الحياة. "المصدر السابق".

ضعف الرد:
هذا من جهة ضعف العرض، وأما جهة الضعف الثانية في الإعلام الإسلامي فتتمثل في ضعف الرد: فضلا عن المواجهة والمقاومة لحملات التشويه الفكري والثقافي ضد الإسلام والتي تجري في منابر الإعلام الغربي والتي شملت كل أنواع التطاول، وكل أشكال النقد، وجميع وسائل الهجوم، لتظل الأدوات الإعلامية في ظل هذين الضعفين عاجزة عن العرض والرد كليهما.

فالإعلام الإسلامي يعاني من عدم القدرة على القيام بما يخدم القضايا الحساسة للأمة الإسلامية؛ فلا تكاد تجد أي فضائية عربية أو إسلامية تسخر إمكانياتها لخدمة الفكر الإسلامي، وطرح قضاياه المصيرية والأساسية كوحدة الفكر، والعقيدة المشتركة، والسياسة التربوية الموحدة، واستمرار التراث، والحفاظ على إرث التاريخ، ووحدة القضايا المصيرية، بل تجد ما يطرح في غالب الأحيان قضايا أبعد ما تكون عن الواقع الإسلامي والثقافة الإسلامية ولا تمس التطوير للكيان، والعمل على نقل مبادئه عبر الوسائل المعلوماتية المختلفة، وهذه القضايا كليات وضرورات أساسية للحفاظ على شخصية المجتمع واستمراره.

مسئولية الإعلام الإسلامي:
إن الترسانة الإعلامية الغربية تجند كثيرا من طاقاتها لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وبث دعايات كاذبة حول عقائده وتصوراته وعباداته، وإعطاء صورة خاطئة ومقززة عن الإسلام في قلوب وعقول غير المسلمين في مختلف أنحاء العالم. ويعمل في ذات الوقت على الغزو الثقافي لعقول المسلين وأبنائهم، وزعزعة العقائد، وخلخلة البناء الاجتماعي، ويعمل على الهدم القيمي والأخلاقي في بلاد المسلمين من خلال البث الفضائي والقصف الدائم الذي لا يتوقف.

والإعلام الإسلامي يتحمل مسؤولية ضخمة في هذا المجال؛ وعلى عاتقه واجبات ومهام جسام لمواجهة المشكلات والتحديات والتي من أهمها ضرورة مواجهة الفراغ الفكري لدى شباب الأمة بالأفكار الإيجابية الإسلامية حيث عليه أن يوقظ الهمم، ويسد الفراغ، ولا يكتفي بالضرب على أوتار القلوب وإلهاب المشاعر؛ بل ينبغي أن يخاطب العقول، وأن يسهم بفاعلية في مكافحة السلبيات، والتركيز على الأولويات، والارتفاع بوعي شباب الأمة، وعدم الدخول في جدل عقيم حول الهامشيات، كما وأنه لا بد من وضع خطة مزدوجة للمواجهة الفكرية تسير في اتجاهين متوازيين، أحدهما: توضيح المفاهيم الإسلامية، والكشف عن الأخطاء الشائعة، وثانيها: مناقشة الأفكار الهدامة، وإبراز الرد العلمي عليها، ولا يمكن الإيفاء بهذا الواجب العظيم إلا بإعلام إسلامي غيور مخلص يجعل كل جهوده لنشر الإسلام وتوحيد الأمة.

يقول الدكتور عمر عبيد حسنة: "إن المعركة الحقيقية والفاصلة اليوم هي معركة الإعلام، وذلك بعد أن سكتت أصوات المدافع، وتوارى أصحابها، وبقي الإعلام هو أخطر الأسلحة ذات الدمار الشامل، بعد أن أصبح ثمرة تشارك في إنضاجها كل المعارف والعلوم، وتوظف لها أرقى الخبرات، بل أصبحت في كثير من الدول تدعم بميزانية تفوق الميزانية المخصصة للدعم الغذائي الذي به قوام الحياة، ولئن كان الإعلام في الماضي يوظف للترفيه والتسلية، ويعيش على هوامش المجتمع، فهو اليوم من صميم المجتمع، وأصبح يوظف لأداء رسالة، وإيصال فكرة، وتشكيل عقل، وصناعة ذوق عام.

إن مشكلة التخلف الإعلامي، التي تعانيها الأمة المسلمة هي مظهر للمشكلة الأساسية التي تعانيها على مختلف الأصعدة، بل لعل الإعلام هو أحد إفرازاتها، وتبقى المشكلة الأساسية هي مشكلة التخلف؛ حيث لا يتصور نمو في جانب، وتخلف في الجوانب الأخرى.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة