تصنيف القيم: الواقع والمأمول "رؤية"

0 886

تعتمد أغلب منظمات العالم ومؤسساته على القيم بعد الرؤية والرسالة، بل إنها تضع مجموعة من القيم كشعار ومبدأ لتوهم المستفيد أن لا محيد عن هذه القيم...
إننا حين نتحدث عن القيم سنجد أن كل تخصص في العالم تناول القيم من زاوية اهتمامه، فالقيم عند أهل التخصص الشرعي هي الإخلاص ومحاسبة النفس والقناعة... وعند أهل الطب تظهر قيم التفاني والإنسانية.. وعند أهل الاجتماع تظهر قيم التعاون والمساواة.. وعند أهل الإدارة تتضح قيم الشفافية والنزاهة.. وعند أهل الصنائع تجد قيم الإتقان والقوة.. إلخ.
لكن الذي يهدف إليه هذا المقال الصغير بالنسبة إلى القيم بمجالها الكبير؛ هو البحث عن معيار تصنيف القيم، فنجد أن معيار البحث والتصنيف لا زال يخضع للذاتية والاختيار غير المبرر، وقد يكون اختيارا غير منطقي، وغير مترابط أحيانا.

لقد اطلعت على العديد من المشروعات التربوية والبحثية العالمية التي تناولت تصنيف القيم، ويهدف إليها صاحب الشأن الذي يسعى لربطها بتخصصه مثلا.. فوجدت أنها تندرج في مسارين ظاهرين:
الأول: مسار التصنيف الأفقي.
والثاني: مسار التصنيف الرأسي.
وهذه واضحة في أغلب الأبحاث والمؤتمرات التي عنيت بالقيم، تنمية كانت أو تنظيرا.. فمن المسار الأفقي أن القيمة تتكرر وتتمدد، ومن المسار الرأسي أن لكل مستوى من مستويات الناس العلمية والعمرية قيمة تتناسب معه.
ومع الأسف أن هذه الظاهرة جعلت غالبية الدراسات والأبحاث التي تناولت القيم تستجر ذات المحاولة السابقة، فتصنيف دراسة فلان عام ١٤٠٠هـ للقيم هو ذات التصنيف الذي بنيت عليه دراسة فلان عام ١٤٣٧هـ، وهنا الإشكال..
وفيما يلي سوف أعرض على الإخوة الباحثين، أو الذين يريدون البحث في هذا المجال، هذه الرؤية التي قد يكون فيها شيء من التجديد في موضوع تصنيف القيم وهندستها، سواء في المجال التربوي أو الاجتماعي أو الإداري.. وقد أشارت إليها بعض الأبحاث والمقالات في المغرب العربي على استحياء، ومنها بنيت هذه الرؤية.

حيث تنطلق هذه الرؤية من النقاط التالية:
أولا: بعيدا عن الفلسفة المرتبطة بالقيم من حيث الثبات والنسبية والتطور، فإن الثبات للقيم المستخلصة من الكتاب والسنة أمر ثابت لا مرية فيه.
ثانيا: التنظير المعرفي الخاص بالقيم بحر لا ساحل له، والإشكالية تكمن في التنظيم والتصنيف، ثم غرس القيمة في نفس الإنسان.
ثالثا: لم أجد في حدود ما قمت به من البحث حلقة تنقلنا من التنظير إلى البناء القيمي الصحيح، فمثلا أنا أعرف والمتلقي يعرف أن الصدق قيمة سامية مهمة إيجابية ووو...، لكن الأهم هو: كيف أجعلها حاكمة على السلوك؟ أو ما الاستراتيجية المتكاملة التي تقود في نهاية تطبيقها إلى بناء الشخص الصادق؟ ومجال البحث هنا لا زال فقيرا جدا..! وعلماء المسلمين أولى به..
رابعا: أعتقد أنه لا يحق لي أن أعيب على باحث صنف القيم في إدارته وجعل أولها الصدق والإخلاص ومراقبة الذات.. كما يحق لأي باحث أن يقول له: يكفيك الإخلاص عن مراقبة الذات! فالأمر لا زال في دائرة الاجتهاد الفردي...

بعد هذه النقاط تتلخص رؤيتي حول تصنيف القيم في:
تبني "المعيار المنظومي لبناء مصفوفة القيم، وهذا المعيار يركز على القيمة المحورية العامة والتي يلتف حولها مجموعة من القيم، وكلها تخدم القيمة المحورية في صورة نموذج تبادلي يمنع دخول أي قيمة لا تحتاج إليها المنظومة، كما يرفض تكرار أي قيمة في المنظومة، وأن تنمية أي قيمة يعتبر تنمية للمنظومة بكاملها".
وبهذا نكون قد بدأنا في التغلب على إشكالية الذاتية التي يمارسها الباحثون حين تصنيف قيمهم، ومن الأمثلة على هذه الرؤية:
بناء منظومة قيم اجتماعية ترتكز على قيمة محورية هي قيمة "تحمل المسؤولية" فتحيط بها مجموعة من القيم الاجتماعية، مثل التعاون والتناصح والتعايش.. ونمنع تكرار قيمة "التعاون" مع "العمل في فريق"، ونمنع تكرار قيمة "التقبل" مع قيمة "التعايش"، وهذا ما وجدته في عدد كبير من الدراسات والمؤسسات التي تتبنى قيما محددة.
ومن الأمثلة كذلك بناء منظومة قيم النزاهة بحيث تكون قيمة "الشفافية" قيمة محورية يلتف حولها عدد من القيم المكملة لبعضها البعض، منها قيمة الإخلاص والإتقان والمبادرة وتطوير الذات...

يبقى - بعد بناء المنظومة والتأكد من انطباق المعيار عليها - السعي لإيجاد إستراتيجية غرس المنظومة القيمية وامتثالها بما يسهم في تقليص الفجوة بين التنظير والتطبيق ، وذك هو الهدف الأسمى الذي نسعى إليه جميعا.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة