خوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من تعمد المخالفة

0 738

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما أخشى عليكم الفقر و لكني أخشى عليكم التكاثر وما أخشى عليكم الخطأ و لكني أخشى عليكم التعمد) رواه أحمد والترمذي.
هذا الحديث مقتبس من القرآن الكريم، في غير ما آية، من ذلك قوله تعالى:( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) (الأحزاب:5 )، يخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه لا يخشى على هذه الأمة الخطأ في أقوالها و أفعالها، لأن ذلك معفو عنه، ولا إثم على صاحبه، لأن الله تعالى تجاوز لأمته عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، كما في الحديث: ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجه ، لكنه يخشى على من يتعمد المخالفة ويقصدها، وهو عالم بعدم مشروعيتها، فهذا الذي يلحقه الإثم، وهو ما يسمى بالعصيان أو المعصية .

وينقسم العصاة في جانب اقتراف المعصية وتعمد فعلها إلى قسمين :
 ـ الأول: من يرتكب المعاصي ويمتنع عن الطاعات، وهذه أخبث أحوال المكلفين.
 ـ الثاني: من يرتكب المعاصي ويفعل الطاعات، وهذا يستحق عذاب المجترئ، لأنه تورط بغلبة الشهوة على الإقدام على المعصية، وإن سلم من التقصير في فعل الطاعة، ويختلف الحكم باختلاف المعصية .

والمجاهرة بالمعصية ظلم وجريمة، وقد أخبر سبحانه بأنه لا يحب الجهر بالسوء: ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) (النساء:148)، قال البغوي رحمه الله في تفسير: هذه الآية :  يعني لا يحب الله الجهر بالقبح من القول  إلا من ظلم.
وفي السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه البخاري.

وللمعاصي أضرار كبيرة في الدنيا والآخرة، بينها ابن القيم رحمه الله بقوله : مما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا بد أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا بسبب الذنوب والمعاصي؟ فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعمة والبهجة والسرور، إلى دار الآلام والأحزان والمصائب، وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه، فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال، وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة، حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم، وما الذي رفع اللوطية، حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعا .....) إلى آخر ما قال.
وأبسط مثال يبين مدى شؤم وقبح المعصية وعقوبتها ما رواه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: ( إن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع. قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر قال: فما رفعها إلى فيه) رواه مسلم

وبهذا يتبين أن الخطأ لا يكاد ينجو منه إنسان، فلذلك الله تعالى لا يؤاخذ عباده عليه مهما كان هذا الخطأ، وعلى العكس من ذلك، يؤاخذ المرء إذا تعمد الإثم ولو كان صغيرا، فمجال المؤاخذة إنما هو على التعمد، ولا مؤاخذة إذا وقع من الإنسان الخطأ بغير قصد منه.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة