- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:آيات ومعجزات النبوة
دلائل النبوة تنقسم إلى معنوية وحسية، فالمعنوية كأخلاقه العظيمة، وسيرته الشريفة، وأقواله وأفعاله وشريعته، إلى غير ذلك، قال ابن تيمية: "وسيرة الرسول وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته". أما الدلائل الحسية فهي كثيرة أيضا، وأعظمها القرآن الكريم، ومنها: انشقاق القمر، ونبع الماء بين أصابعه، وتكثير الطعام، وخطابه الشجر والحجر والحيوان، وحنين الجذع وشوقه إليه، وإخباره عن الكثير من المغيبات، سواء ما حدث منها قبل بعثته أم بعدها، ووقعت كما أخبر بها صلى الله عليه وسلم.. وكذلك من دلائل نبوته صلوات الله وسلامه عليه: رميه ـ في مواقف متعددة من حياته وسيرته ـ بكف من الحصى والتراب في وجوه الكفار وقوله: "شاهت الوجوه"، وما ظهر فيه من حفظ الله عز وجل له.
ومن هذه المواقف والأحداث التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: "شاهت الوجوه":
1 ـ قبل الهجرة النبوية من مكة:
ختم المشركون أذاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمحاولة قتله في أواخر المرحلة المكية، إذ تعاهد جماعة من سادة ورؤساء قريش على قتله صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: ( (إن الملأ (جماعة من السادة والرؤساء) من قريش اجتمعوا في الحجر، فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف (أصنام كانت قريش تعبدها)، لو قد رأينا محمدا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة رضي الله عنها تبكي حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك، لقد قاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك، فقال: يا بنية، أريني وضوءا، فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا، وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا (لم يتحركوا خوفا) في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصرا، ولم يقم إليه منهم رجل، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم، فأخذ قبضة من التراب فقال: شاهت (قبحت أو قبحت) الوجوه، ثم حصبهم بها، فما أصاب رجلا منهم من ذلك الحصى حصاة، إلا قتل يوم بدر كافرا) رواه أحمد وصححه الألباني. فكان قتلهم كفارا يوم بدر معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم، ودليلا من دلائل نبوته.
2 ـ في غزوة بدر:
ذكر ابن هشام في السيرة النبوية، والبيهقي في "دلائل النبوة"، وابن كثير في "السيرة النبوية من البداية والنهاية"، وغيرهم في حديثهم عن غزوة بدر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كفا من الحصى بيده، ثم خرج فاستقبل القوم فقال: "شاهت الوجوه" ثم نفحهم (رماهم) بها، ثم قال لأصحابه: شدوا، فلم تكن إلا الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديدهم، وأسر من أسر منهم.. وقال زياد عن ابن إسحاق: "ثم إن رسول صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا ثم قال: "شاهت الوجوه" ثم نفحهم بها وأمر أصحابه فقال: "شدوا" فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر من أشرافهم".
قال ابن هشام وغيره: "ثم قال تعالى في رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالحصباء من يده، حين رماهم: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}(الأنفال:17)، أي: لم يكن ذلك برميتك، لولا الذي جعل الله فيها من نصرك".
وقال الماوردي في كتابه "أعلام النبوة": "ومن أعلامه صلى الله عليه وسلم: أنه أخذ يوم بدر كفا من حصى وتراب ورمى به في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه، فتفرق الحصى في المشركين، ولم يصل ذلك الحصى والتراب أحدا إلا قتل أو أسر، وفيه نزل قول الله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}(الأنفال:17)".
3 ـ في غزوة حنين:
روى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو، فأرميه بسهم، فتوارى عني، فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم، فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وأرجع منهزما وعلي بردتان (رداءان)، مؤتزر بإحديهما مرتد بالأخرى، فاستطلق (انحل وانفك لاستعجالي) إزاري، فجمعتهما جميعا، ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما، وهو على بغلته الشهباء (البيضاء) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأى ابن الأكوع فزعا، فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: شاهت الوجوه، فما خلق الله منهم إنسانا (فما بقي منهم أحد) إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله عز وجل، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين).
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية: ": "قال يعلى بن عطاء: فحدثنا أبناؤهم عن آبائهم قالوا: ما بقي أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست الحديد، فهزمهم الله عز وجل".
وقال القاضي عياض: "قول النبي صلى الله عليه وسلم: (شاهت الوجوه) أي: قبحت"، وقال القرطبي: "خبر معناه: الدعاء، أي: اللهم شوه وجوههم. أو هو: خبر عما يحل بهم من التشويه عند القتل، والأسر".
وقول سلمة رضي الله عنه: (ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما): قال العلماء: قوله: منهزما حال من ابن الأكوع، لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما صرح أولا بانهزامه في قوله: (فأرجع منهزما)، قال القاضي عياض وغيره: "ولم يرد (سلمة) أن النبي صلى الله عليه وسلم انهزم، ولا يصح هذا عنه، وقد قالوا كلهم: إنه ما انهزم، ولا يجوز أن يقال ذلك فيه فى خاصة نفسه. وقد ذكر بعضهم الإجماع على هذا، وأنه لا يجوز أن يعتقد فيه، ولا يجوز عليه. والحديث كله يدل على أنه لم ينهزم، بل ثبت وتقدم حتى كان العباس أو أبو سفيان يأخذان بلجام بغلته يكفيانها عن التقدم، شفقة عليه على ما قررناه، وعلى ما صرح به البراء فى حديثه".
وقال الهرري في "الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم":" (ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كوني (منهزما) حال من فاعل مررت وهو سلمة نفسه وليس حالا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ثبت بالأحاديث الصحيحة أنه لم ينهزم، أي مررت عليه (وهو) أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم راكب (على بغلته الشهباء) أي البيضاء".
وقال النووي: "هذا فيه معجزتان ظاهرتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما فعلية والأخرى خبرية فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر بهزيمتهم ورماهم بالحصيات فولوا مدبرين".
وقال الطيبي: "وفيه بيان معجزاته صلى الله عليه وسلم من وجهين: أحدهما: إيصال تراب تلك القبضة اليسيرة إلى أعينهم جميعا. وثانيهما: أنها بحيث ملأت عين كل واحد منهم من تلك القبضة اليسيرة، وهم أربعة آلاف فيمن ضامهم من أمداد سائر العرب".
وقال القسطلاني: "وقوله: (شاهت الوجوه) أي قبحت، وفيه علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وهو إيصال تراب القبضة اليسيرة إليهم وهم أربعة آلاف".
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر الرسل معجزة، وأبهرهم آية، فله من الدلائل والمعجزات ما لا يحد ولا يعد، وهي كثيرة جدا حتى قال البيهقي: "إنها بلغت ألفا"، وقال ابن تيمية: "وكان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، ومعجزاته تزيد على ألف معجزة ، مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات".
ومن هذه الدلائل والمعجزات النبوية الكثيرة: رميه صلى الله عليه وسلم بكف من الحصى والتراب في وجوه الكفار في مواقف متعددة وقوله: (شاهت الوجوه)، وما ظهر فيه من حفظ الله عز وجل له، ونصره إياه.