كتاب: علم أصول التفسير

0 3

يعد الكتاب الذي بين أيدينا محاولة جادة في سبيل النظر لأصول التفسير وبلورة صورتها ورسم ملامحها، فهذا الكتاب الذي عنون بـ (علم أصول التفسير؛ محاولة في البناء) لمؤلفه مولاي عمر بن حماد، انطلق من فرضية مفادها: أن أصول التفسير علم مستقل بكل ما تعنيه كلمة علم من معان وأبعاد، وأن هذا العلم إن لم نقل: إنه لم يقم بعد، فهو بدون أدنى تردد لا يزال في حاجة ماسة إلى جهود كثيرة لإبراز مباحثه والتعريف به وبلورته، وإخراجه في صورة علمية مرضية، تليق بشرف مادته التي هي القرآن؛ فالمحاولات التي كتبت في هذا الباب يوجد بينها تضارب في الاصطلاح والمضمون؛ ومن هنا تأتي فرادة هذا الكتاب، وأهمية تسليط الضوء عليه.

كما تظهر أهميته أيضا من جانب آخر، كونه عملا علميا بالأساس، أي أنه محكوم بضوابط وقواعد البحث العلمي، والمنهجي الصحيح.

محتوى الكتاب

اشتمل الكتاب على مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة:

فأما المقدمة فذكر فيها المؤلف أهمية الموضوع وإشكاليته وهدفه، كما تطرق فيه للمسار التاريخي لأصول التفسير إجمالا، ثم حدد الموضوعات التي تتكون منها أصول التفسير.

وأما الفصل الأول فجاء بعنوان: مفهوم التفسير وأصوله، واشتمل على ثلاثة مباحث، استعرض فيها عددا من المفاهيم المهمة، كالتفسير والتأويل وأصول التفسير، ثم ختم ببيان علاقة أصول التفسير بغيرها من العلوم.

والفصل الثاني جاء بعنوان: مصادر التفسير، وهي عند المؤلف سبعة مصادر: تفسير القرآن بالقرآن، تفسير القرآن بالسنة، التفسير بأقوال الصحابة، التفسير بأقوال التابعين، الإسرائيليات، التفسير بمقتضى اللغة العربية، التفسير بالرأي. وقد أفرد لكل مصدر منها مبحثا، ناقش فيه أبرز مسائله مناقشة مستفيضة.

وجاء الفصل الثالث تحت عنوان: قواعد التفسير، وقد بحث في هذا الفصل قواعد التفسير، فعرفها وبين أقسامها ونشأتها، وعدد نماذج منها.

وأما الفصل الرابع والأخير فجاء بعنوان: شروط المفسر، وقد جعله المؤلف في مبحثين، استعرض في الأول منهما الشروط العلمية الواجب توافرها في المفسر، وفي الثاني الشروط الذاتية له.

هدف الكتاب

لم ينص المؤلف على أهدافه بوضوح من وضع هذا الكتاب، ولكن يظهر من عمله أنه يهدف بشكل عام إلى تحرير البناء العام لأصول التفسير وهيكلتها عبر تحديد موضوعاتها، وتنقيح هذه الموضوعات وتأصيلها.

إشكالية الكتاب

تتمثل إشكالية هذا الكتاب -بحسب المؤلف- في حاجة علم أصول التفسير إلى التعريف به وبلورته وإبراز مباحثه، في ضوء ما يعانيه من حالة التشتت والاختلاف بين الكتبة فيه، وأن ذلك يعد من أهم المهمات؛ لما يترتب عليه من ضبط لعلم التفسير، ومن ثم صيانة كتاب الله تعالى من المغالطات والعبث في تفسيره.

أبرز مزايا الكتاب

تبرز مزايا الكتاب من خلال النقاط التالية:

أولا: أثار الكتاب إشكالية لها حضور ظاهر، حيث سلط الضوء على الاختلاف الواقع في أصول التفسير، وعن افتقاد هذا الفن لمحددات نظرية واضحة ينطلق منها الكتبة والمصنفون، بغض النظر عن طريقة مقاربته لها.

ثانيا: تعد مقدمة الكتاب أحد أبرز مزاياه، وذلك أن المؤلف قد تعرض فيها ببعض التفصيل لواقع أصول التفسير تاريخيا، وبين وجهة نظره في هذا الواقع وفيما تستأهله أصول التفسير من واقع جديد، وهذه المزية يفتقدها الناظر في حركة التأليف في أصول التفسير، والتي تتجه إلى تعديد الموضوعات دون التعرض لهذه المساحة المهمة.

ثالثا: تعرض المؤلف لبعض التعريفات السابقة لمصطلح أصول التفسير، وقدم بشأنها بعض الملحوظات، ثم اجتهد في صياغة تعريف خاص به، ومثل هذه المناقشات لتعريفات أصول التفسير إحدى حسنات الكتاب التي لا تقع عليها في مؤلفات أصول التفسير غالبا، والتي تنطلق في معالجاتها انطلاقة مستفتح، دون كبير تعرض ومناقشة للنتاج السابق رغم بدء تراكمه.

ملاحظات على الكتاب

على الرغم من الجهد المشكور الذي بذله المؤلف في تحرير موضوع كتابه إلا أنه يسجل عليه بضع ملاحظات، وهي بالتأكيد لا تقلل من قيمة الكتاب، ولا تبخس المؤلف جهده:

أولا: عدم معالجة إشكالية الكتاب: يعد أحد أبرز اللوازم الضرورية لمعالجة إشكالية كالتي صدر عنها المؤلف -هو رصد النتاج السابق عليه في أصول التفسير وتحليله بصورة دقيقة وموسعة، وبيان المسوغات التي قام عليها انتساب هذا التأليف ومادته لأصول التفسير، ثم مناقشة هذه المسوغات والحكم عليها سلبا أو إيجابا في ضوء طبيعة النظر لأصول التفسير ذاتها والمقاصد التي تتغياها، والتي يحتاج تحريرها في ذاتها لتأصيل كبير أيضا، وذلك حتى تتحرر الأنساق بصورة ظاهرة ومن ثم يمكن تكوين إطار نظري لأصول التفسير له حظه من النظر، ويمكن من خلاله تحديد ما يكون وما لا يكون من مكونات أصول التفسير على نحو علمي منهجي محكم. بيد أن المؤلف لم يتعرض لهذا النتاج بالصورة المرجوة، ولم يناقشه ويبين سبب اعتباره، أو عدم اعتباره لبعض مكوناته ضمن أصول التفسير، ويحدد المرتكزات المنهجية التي سيجري من خلالها الميز، وإنما وضع تصورا مجملا في مقدمة كتابه للموضوعات تبعا لقياسه أصول التفسير على أصول الفقه من حيث المهمة والغرض، ثم انطلق في سائر كتابه في البناء على ذاك التصور، وهو ما جعل الكتاب لا يعدو  كونه مجرد محاولة لمقاربة أصول التفسير، كشأن المحاولات السابقة عليه؛ إذ لا محددات تم بناؤها فيمكن التحاكم إليها، ولا سيما وأن فكرة قياس أصول التفسير على أصول الفقه مطروقة، وليست غائبة عن التأليف في أصول التفسير بصورة عامة؛ ولذا جاءت موضوعات الكتاب مقاربة لغالب هذا التأليف في الجملة. كما أن المؤلف لم يناقش فكرة القياس على أصول الفقه هذه ذاتها ويشبعها تأصيلا، ويبين خطأ الخروج عنها، سواء من واقع حركة التأليف في أصول التفسير، أو بشكل تجريدي؛ حتى يظهر لنا صحته وضرورة السير تبعا له، فيسلم له بناء المحدد ولو بوجه ما، وإنما ألقى تصوره هكذا كوجهة نظر، ومن ثم فقد الكتاب جدواه في معالجة الإشكالية التي انتهض لها بصورة بالغة الشدة؛ إذ ظل الإشكال الذي صدر عنه مفتوحا وغير معالج بهذه الصورة، وبقيت ساحة أصول التفسير ميدانا يمكن الإضافة إليه والحذف منه؛ إذ الكتاب لا يعدو كونه وجهة نظر في أصول التفسير ومكوناتها، ومجرد محاولة واجتهاد، فضلا عن أن هذه الموضوعات والمكونات التي انتهى إليها مكرورة بشكل عام، ولها حضور في الكثير من المؤلفات السابقة عليه.

ثانيا: الخلل في تسويغ الإشكالية؛ ذلك أن الإشكالية التي قام عليها الكتاب كانت تستلزم استعراض حالة الاختلاف الكائن في حركة التأليف السابق في أصول التفسير، وبيان افتقادها لأطر ومحددات ملزمة للمؤلفين، إلا أنه لم يفعل ذلك؛ حيث سلط الضوء بشكل أكثر تركيزا على النصوص الدالة على حالة الفراغ القائم في أصول التفسير ذاتها، وهي نصوص تعكر على إشكاليته التي صدر عنها، ومقاربته التي انتهجها بصورة شديدة الجلاء، وبذلك صار الناظر في الكتاب قد لا يسلم بالإشكالية في ذاتها؛ كونها بهذه الصورة غير مدلل عليها، ولا سيما وأن المؤلف لم يتعرض في ثنايا بحثه للأعمال السابقة ويناقشها في تصورها العام لأصول التفسير وموضوعاتها.

ثالثا: الانطلاق من إشكالية بالغة السعة؛ ذلك أن تحرير الإطار النظري لأصول التفسير -الذي تمحورت حوله إشكالية المؤلف- ميسم جدالي طويل الذيل، ولا سيما مع تراكم حركة التأليف فيه، ويحتاج للعديد من الخطوات العلمية؛ ومن ثم فوضع الإطار النظري وتحديد ما يكون وما لا يكون يعد عملا شديد الإرهاق، فضلا عن مقاربة المكونات ذاتها وتحرير الكلام فيها، فلا شك أنها غايات شديدة البعد، ولا يتصور حسمها في عمل واحد، ولو أنه اكتفى بتحرير الإطار النظري فقط لربما أتاح له ذلك وقتا للتأمل في إشكاليته ذاتها على نحو أكثر عمقا، وبالتالي معالجتها بشكل صحيح.

رابعا: بنى المؤلف تصوره لأصول التفسير تبعا لمشابهتها لأصول الفقه من حيث الغرض والمقصد، وبغض النظر عن تركه لنقاش هذه المسألة -رغم بناء الكتاب عليها- والذي يعد مغمزا منهجيا ظاهرا، ولا يصح في الممارسة البحثية بحال، إلا أن هذه الفكرة تحتف بها إشكالات عديدة؛ فالعلوم قد تتشابه في أنساق معينة، ولكنها تختلف في أنساق أخرى، ومن الغرابة الزعم بتقاربها بهذه الصورة، وتحديد مكونات فن تبعا لآخر بهذا الشكل.

خامسا: حدد المؤلف موضوعاته أولا في المقدمة، ثم جعل غايته بعد ذلك الكلام فيها، حيث قال بعد تحديدها: "هذا البحث يقصد إلى استخراج هذه المباحث من مظانها، وتنقيح ما استخرج منها مما علق بها وليس منها، ثم تركيبها في بناء نظري، مسهمين بذلك في إبراز علم نفيس يخدم كتاب الله تعالى". إلا أنه بدأ بعد ذلك في الفصل الأول بدراسة مفهوم أصول التفسير، حيث ناقش فيه بعض تعريفات أصول التفسير، ثم صاغ تعريفه لها، حيث عرفها بأنها "علم يحدد مصادر التفسير لكتاب الله تعالى، ويضع قواعده، ويحدد شروط المفسر لبيان الطريقة المثلى في التفسير وفق مقاصد المفسر" وهو الأمر الذي جعل البحث يبدو منطلقا من فرضيات سابقة عليه، ولو أنه أجل طرحه للموضوعات لما بعد نقاش المفهوم، فجعلها ثمرة ونتيجة لنقاش التعريفات لكان أولى علميا ومنهجيا، فضلا عن وجاهته في ترتيب العرض، بحيث ينطلق للكلام في الموضوعات التي حددها مباشرة بلا فصل ممل بهذه الصورة القائمة في الكتاب.

سادسا: أطلق المؤلف في مقدمة كتابه أحكاما شديدة الغرابة، وهو بصدد تقرير إشكاليته السابقة؛ فحكم على بعض كتابة الطوفي بأنها في أصول التفسير -وإن كانت قليلة- بينما كتابة ابن تيمية -فيما يرى- أثارت ملاحظات حول الموضوع، وكانت في التفسير وقضاياه. والسؤال ها هنا عن المحددات المنهجية التي يمكن التسليم بها لمثل هذه الأحكام، وما هي المعايير التي يتحاكم إليها في هذا الباب، وتمنع من رمي المؤلف ذاته بما رمى به غيره؟ وأن كتابته هو ليست بأولى أن تكون في أصول التفسير من غيرها؟!

سابعا: أورد المؤلف نصوصا تهدم إشكاليته ومنطلقه دون تنبه؛ ففي أثناء تقريره لإشكاليته أورد نصوصا قاطعة بأنه "إلى حدود القرن الثامن الهجري لم يحظ علم أصول التفسير بالعناية اللائقة به" ثم أكد تتابع هذا فقال: "وهكذا استمر الوضع على ما هو عليه فيما يبدو إلى القرن الرابع عشر الهجري" وخلص إلى أن استمرار هذا الفراغ هو سبب اهتمام المعاصرين بهذه المسألة، ودعوتهم إلى ضرورة حلها؛ ففي ضوء هذا الكلام فإنه لا وجود أصلا لأصول التفسير ولا مادة لها.

ثامنا: في ضوء النصوص التي نقلها المؤلف في تسويغ إشكاليته، يظهر وجود مسارين للنظر لأصول التفسير بينهما تباين واختلاف تضاد؛ فأحدهما ينطلق من عدم وجود مادة ناضجة لأصول التفسير ومحررة كما مر، والآخر منها يعتبرها موجودة وقائمة، ولكنها تعاني من التفرق، كمقولات لطفي الصباغ، ومحسن عبد الحميد وغيرهما، والتي تؤكد وجود موضوعات لكنها مفرقة ومتناثرة، وقد كان غريبا جدا أن يجمع المؤلف بين هذين المسارين المتناقضين دون تنبه أو نقاش، ولا سيما وأن أحدهما يهدم فكرته على التمام.

تاسعا: بالنظر إلى هذين المسارين السالفين في طريقة النظر لأصول التفسير، يلحظ أن الأول منهما هو الأولى بالصواب، وهو ما أكده المؤلف نفسه بعدم وجود حركة تأليف في هذا الباب في التاريخ الإسلامي حتى وقتنا الحاضر، ونقاشه ونقده لمظانها وما قد يتصور أنه يمثل إطارا نظريا للتفسير؛ ومن ثم فلا مجال للحديث عن مادة محررة أصلا لهذا الفن، وهو ما يعصف ليس بصنيع هذا الكتاب فحسب، بل بغالب ما كتب من تآليف ومصنفات في هذا الباب مما يقاربه في الانطلاق من فكرة حضور مادة أصول التفسير، ويؤشر على إشكال جوهري في منطلقاته.

صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عن مؤسسة البحوث والدراسات، العلمية (مبدع) - المغرب، دار السلام - مصر، سنة 1431هـ-2010م، وبلغ عدد صفحاته (235) صفحة.

* مادة المقال مستفادة من موقع (مركز تفسير للدراسات القرآنية) بتصرف.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة