الإمام نافع.. إمام أهل المدينة

0 905

أهل القرآن هم صفوة الخلق، اصطفاهم الله فجعلهم حملة كتابه، وحفظه كلامه، ونقلة القرآن إلى خلقه، يحفظ بهم القرآن الذي هو أصل الإسلام، قال سبحانه: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا}( فاطر:23)..

وحفظة القرآن وحملته والعاملون به هم أهل الله وخاصته؛ ففي سنن ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن لله أهلين من الناس قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته](صحيح ابن ماجة).

وقد انتسب أناس إلى هذا الكتاب الكريم فعرفوا به واشتهروا بالاشتغال بتعلمه وتعليمه، حتى أصبحت أسماؤهم مرتبطة بكتاب الله العزيز، فكانوا بدورا في سماء القرآن تشع نورا وتنير للناس طريق تعلمه وتهديهم إليه أقوم سبيل.. وقد أشار الإمام الشاطبي إلي بعضهم في منظومته الفذة "حرز الأماني ووجه التهاني" فقال:
جــزى الله بالخــيرات عـنا أئمة ... لنا نقلوا القــرآن عـذبا وسـلســلا
فمنهم (بدور سبعة) قد توسطت ... سماء العلى والعدل زهرا وكملا
لها شهب عنها استنارت فنورت ... سواد الدجى حتى تفرق وانجـلا
 

فمن هو الإمام نافع:
ترجم للإمام نافع كل الكتب التي تهتم بالقرآن وعلم القراءات، ككتاب السبعة لابن مجاهد، وجمال القراء، ومعرفة القراء الكبار، وغاية النهاية .. وغيرها. كما ترجم له أصحاب كتب التراجم كتهذيب الكمال للمزي، وسير أعلام النبلاء، والأعلام للزركلي.. وغيرها كثير.

وقد جمع الدكتور طه فارس ترجمة طيبة من بين هذه المؤلفات فقال:

أولا: اسمه ونسبته وكنيته:
هو نافع بن عبدالرحمن بن أبي نعيم، الليثي بالولاء، أبو رويم أو أبو عبدالله، المقرئ المدني، أصله من أصبهان، إلا أنه اشتهر في المينة المنورة. 

ثانيا: صفاته:
كان أسود حالكا، صبيح الوجه، طيب الأخلاق، فيه دعابة، تشم منه رائحة المسك إذا تكلم، فقيل له: يا أبا عبدالله أو يا أبا رويم: أتتطيب كلما قعدت تقريء؟ قال: ما أمس طيبا، ولكني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم(أي مناما) وهو يقرأ في فـي، فمن ذلك الوقت أشم من فـي هذه الرائحة. [معرفة القراء الكبار1/ 108، وغاية النهاية 2/ 332).
وهذا ما أشار إليه الشاطبي في منظومته، فقال:
فأما الكريم السر في الطيب نافع .. .. فذاك الذي اختار المدينة منزلا 

وقيل لنافع: ما أصبح وجهك، وأحسن خلقك؟! قال: فكيف لا أكون كذلك وقد صافحني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه قرأت القرآن، يعني: في النوم" [غاية النهاية 2/ 332].

قال قالون: كان نافع من أطهر الناس خلقا، ومن أحسن الناس قراءة، وكان زاهدا جوادا، صلى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة"[السابق].

وأما في الإقراء فكان يبدأ من سبق ولا ينظر إلى حاله، وكان يقرئ الناس بالقراءات كلها [جمال القراء 2/447]، وقد قال له أبو دحية: يا أبا رويم، أتقرئ الناس بجميع القراءات؟ فقال: سبحان الله العظيم، أأحرم من نفسي ثواب القرآن، أنا أقرئ الناس بجميع القراءات حتى إذا جاء من يطلب حرفي أقرأته به[غاية النهاية 2/ 304].

وقد جاءه رجل فقال له: خذ علي الحدر، فقال نافع: وما الحدر؟ ما أعرفها، أسمعنا، قال: فقرأ الرجل، فقال نافع: حدرنا ألا نسقط الإعراب، ولا نشدد مخففا، ولا نخفف مشددا، ولا نقصر ممدودا، ولا نمد مقصورا، قراءتنا قراءة أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سهل جزل، لا نمضغ ولا نلوك، نسهل ولا نشدد، نقرأ على أفصح اللغات وأمضاها، ولا نلتفت إلى أقاويل الشعراء وأصحاب اللغات، أصاغر عن أكابر...، قراءتنا قراءة المشايخ، نسمع في القرآن ولا نستعمل فيه الرأي"[ جمال القراء 2/ 447].

ثالثا: مكانته وعلمه:
أحد الأعلام، وأحد القراء السبعة المشهورين، اشتهر في المدينة، وانتهت إليه رياسة القراءة فيها، وأقرأ الناس نيفا وسبعين سنة.

قال مالك بن أنس: نافع إمام الناس في القراءة، وقال مرة: قراءة أهل المدينة سنة، قيل له: قراءة نافع؟ قال: نعم"[ معرفة القراء الكبار1/ 108].

وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي: أي القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن فقراءة عاصم"[ معرفة القراء الكبار1/ 108].

وقال الأصمعي: كنت أجالس نافع بن أبي نعيم وكان من القراء الفقهاء العباد.

ولما قدم الليث بن سعد المدينة المنورة سنة عشر بعد المئة من الهجرة وجد نافعا إمام الناس في القراءة لا ينازع.

 قال ابن مجاهد: كان الإمام الذي قام بالقراءة بعد التابعين بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم نافع، وكان عالما بوجوه القراءات، متبعا لآثار الأئمة الماضين ببلده.

رابعا: شيوخه في القراءة:
قرأ نافع على طائفة من تابعي أهل المدينة، وروي أنه قرأ على سبعين تابعيا. فقرأ على عبدالرحمن بن هرمز الأعرج، وأبي جعفر يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، ويزيد بن رومان، ومسلم بن جندب، ونافع مولى ابن عمر، وعامر بن عبدالله بن الزبير، وأبي الزناد، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، ومحمد بن شهاب الزهري، وصالح بن خوات، وغيرهم.
قال ابن الجزري: وقد تواتر عندنا أنه قرأ على الخمسة الأول [غاية النهاية 2/ 330].

قال عبيد بن ميمون التبان: قال لي هارون بن المسيب: قراءة من تقرىء؟ قلت: قراءة نافع، قال: فعلى من قرأ نافع؟ قال: على الأعرج، وقال الأعرج: قرأت على أبي هريرة رضي الله عنه، وقال أبو هريرة: قرأت على أبي بن كعب، وقال أبي: عرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وقال: أمرني جبريل أن أعرض عليك القرآن [السبعة ص 55].

خامسا: رواة القراءة عنه:
أقرأ نافع الناس دهرا طويلا، فقرأ عليه من القدماء: مالك بن أنس، وإسماعيل بن جعفر، وعيسى بن وردان الحذاء، وسليمان بن مسلم بن جماز، وهؤلاء من أقرانه، كما قرأ عليه إسحاق المسيبي، والواقدي، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وقالون، وورش، وإسماعيل بن أبي أويس، وهو آخر من قرأ عليه موتا، والأصمعي، وأبو عمرو بن العلاء، وغيرهم كثير [غاية النهاية].

سادسا: منزلته في الرواية والحديث:
لم يقتصر نشاط نافع بن أبي نعيم على إقراء القرآن فحسب، بل تعداه إلى علم رواية الحديث، إلا أنه كان قليل الرواية. فروى عن: ربيعة بن أبي عبدالرحمن، وزيد بن أسلم، وصفوان بن سليم، وعامر بن عبدالله بن الزبير، وأبي الزناد عبدالله بن ذكوان، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ومحمد بن عمران الطلحي، ومحمد بن يحيى بن حبان، ونافع مولى ابن عمر، ويزيد بن رومان، وأبي جعفر يزيد بن القعقاع، والليث بن سعد، وآخرين.

وروى عنه: إسحاق بن محمد المسيبي، وإسماعيل بن جعفر، وخالد بن مخلد القطواني، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الملك بن قريب الأصمعي، وعبيد بن ميمون المدني، وأبو عمرو عثمان بن سعيد المقرئ المعروف بورش، وعيسى بن مينا المقرئ قالون، ومحمد بن عمر الواقدي، وغيرهم.

ولم يكن شأنه في علم الرواية كما هو في الإقراء والقراءة، ضبطا وإتقانا، فلذلك اختلف فيه الناس، فمنهم من وثقه ومنهم من وهنه، إلا أنه يبقى مقبول الرواية مع هذا الاختلاف، ولم يخرج له أصحاب الكتب الستة شيئا، كما قال الذهبي.

وقد وثقه يحيى بن معين، ولينه أحمد بن حنبل. وروي عن أحمد بن حنبل أنه قال: كان يؤخذ عنه القرآن وليس في الحديث بشيء. وقال النسائي: ليس به بأس. أما أبو حاتم فقال: صدوق صالح الحديث. وذكره ابن حبان والعجلي في الثقات. وقال ابن عدي: لم أر له شيئا منكرا، وأرجو أنه لا بأس به [تراجع كتب الجرح والتعديل].

سابعا: وفاته:
توفي نافع بن أبي نعيم في المدينة المنورة سنة (169هـ) أو (170هـ)، ولما حضرته الوفاة قال له أبناؤه: أوصنا، قال: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} [الأنفال:1].

فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجزاه عن القرآن الكريم خير الجزاء.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة