(الجَبَّار) مِن أسْماءِ اللهِ الحُسْنى

0 789

العلم بأسماء الله الحسنى، له فوائد وفضائل عظيمة، منها: معرفة الله، والدعاء بها، وتحقيق التوحيد، وتعميق حبه سبحانه والأدب معه، وإصلاح القلوب، وتزكية النفوس، ودخول الجنة، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون}(الأعراف:180)، قال الشوكاني في "فتح القدير": "هذه الآية مشتملة على الإخبار من الله سبحانه بما له من الأسماء على الجملة دون التفصيل، والحسنى تأنيث الأحسن، أي التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول، ثم أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة، فإنه إذا دعي بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة".
وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على معرفة أسماء الله عز وجل وإحصائها، ووعدنا جزاء ذلك الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري.
قال النووي: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك.. وأما قوله صلى الله عليه وسلم (من أحصاها دخل الجنة) فاختلفوا في المراد بإحصائها، فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها، وهذا هو الأظهر، لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى من حفظها، وقيل: (أحصاها): عدها".

و"الجبار" اسم من أسماء الله الحسنى، وقد جاء هذا الاسم في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، قال الله تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر}(الحشر:23). قال ابن كثير: "وقوله: {العزيز} أي: الذي قد عز كل شيء فقهره، وغلب الأشياء فلا ينال جنابه، لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه، ولهذا قال: {الجبار المتكبر} أي: الذي لا تليق الجبرية إلا له، ولا التكبر إلا لعظمته، كما تقدم في الصحيح: (العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما عذبته). وقال قتادة: الجبار: الذي جبر خلقه على ما يشاء. وقال ابن جرير: الجبار: المصلح أمور خلقه، المتصرف فيهم بما فيه صلاحهم".
وقال الشوكاني في "فتح القدير": " "الجبار" جبروت الله عظمته، والعرب تسمي الملك: الجبار".
وقال السعدي: (الجبار) هو بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرؤوف الجابر للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز، ولمن لاذ به ولجأ إليه".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة) رواه البخاري. قال ابن حجر: " (يتكفؤها الجبار) أي يقلبها ويميلها وقيل يضمها".

ومن معاني اسم الله عز وجل "الجبار": أنه العالي على خلقه، وهو المصلح للأمور، من جبر الكسير إذا أصلحه، وجبر الفقير إذا أغناه، وهو كذلك القاهر خلقه على ما أراد من أمر أو نهي، وقد نظم ابن القيم هذه المعاني من اسم الله عز وجل "الجبار" في قصيدته المشهورة "النونية" فقال:

          وكذلك الجبار من أوصافه        والجبر في أوصافه نوعان 
          جبر الضعيف وكل قلب           قد غدا ذا كسرة فالجبر منه دان 
          والثان جبر القهر بالعز الذي     لا ينبغي لسواه من إنسان 
          وله مسمى ثالث وهو العلو       فليس يدنو منه من إنسان
 
وآثار وثمرات معرفة اسم الله عز وجل "الجبار" كثيرة، منها:

ـ تعظيم الله:
النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر في ركوعه وسجوده من تعظيمه وثنائه على الله عز وجل ببعض المعاني من معاني اسم الله "الجبار"، فعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) رواه أبو داود .

ـ دعاء الله عز وجل:
من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بما دل عليه اسم (الجبار): (رب اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني) رواه أحمد. قال ابن الأثير: "واجبرني أي: أغنني، من جبر الله مصيبته: أي: رد عليه ما ذهب منه وعوضه، وأصله من جبر الكسر". وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: (اللهم اغفر لي ذنوبي و خطاياي كلها، اللهم أنعشني و اجبرني، و اهدني لصالح الأعمال و الأخلاق، فإنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت) رواه الطبراني .

          يا من ألوذ به فيما أؤمله             ومن أعوذ به فيما أحاذره
          لا يجبر الناس عظما أنت كاسره    ولا يهيضون ظما أنت جابره

ـ الحذر من الجبروت والظلم:
الجبروت بمعنى: الكبرياء والعز والعلو، صفة كمال استأثر الله تعالى بها نفسه، لكن التجبر صفة نقص عند البشر، وهو بمعني القهر والظلم والطغيان، ومن ثم فالتجبر أو الجبروت في حق الإنسان صفة ذميمة، وقد توعد الله عز وجل الجبابرة بالعذاب والنكال في الأخرة، قال الله تعالى: {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد * من ورآئه جهنم ويسقى من ماء صديد * يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورآئه عذاب غليظ}(إبراهيم:17:15)، قال ابن كثير: "{وخاب كل جبار عنيد} أي: متجبر في نفسه معاند للحق، كما قال تعالى: {ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد}(ق: 24 -26). وفي الحديث: "إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة، فتنادي الخلائق فتقول: إني وكلت بكل جبار عنيد".
وقال السعدي: "{وخاب كل جبار عنيد} أي: خسر في الدنيا والآخرة من تجبر على الله وعلى الحق وعلى عباد الله، واستكبر في الأرض، وعاند الرسل وشاقهم". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين) رواه البخاري. أي: اختصصت بأهل الكبر والتجبر. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده وقبض بيده فجعل يقبضها ويبسطها ثم يقول أنا الجبار أين الجبارون أين المتكبرون) رواه البخاري.

الله عز وجل هو الجبار، الذي يقهر الجبابرة، ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار وإن عظمت قوته فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروته، والله سبحانه هو الجبار الذي يجبر الكسير، ويغني الفقير، وييسر كل عسير، ويأخذ للضعيف حقه، وينصر المظلوم، ويجبر المصاب بتوفيقه للصبر والرضا، ويعوضه ويأجره على مصابه أعظم الأجر، ويجبر جبرا خاصا قلوب عباده الصالحين الذين امتلأت قلوبهم بعظمة الله عز وجل وجلاله.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة