الإيمان بالكتب السماوية

0 923

الإيمان بجميع الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه ورسله، ركن من الإيمان بالله، قال الله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}(البقرة:136). وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين فيه معنى الإيمان والإسلام والإحسان، قال صلى الله عليه وسلم في تعريفه للإيمان: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله) رواه مسلم. قال العيني:"الإيمان بالرسل مستلزم للإيمان بما أنزل عليهم".
والكتب التي أنزلها الله عز وجل على رسله: الصحف على إبراهيم، قال الله تعالى: {إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى}(الأعلى: 18-19)، وأنزل التوراة على موسى، قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور}(المائدة: 44)، وقد سماها الله تعالى: صحفا في قوله: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى}(النجم:36)، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الصحف غير التوراة. وأنزل الزبور على داود، قال تعالى: {وآتينا داود زبورا}(الإسراء: 55)، والزبور معناه الكتاب. وأنزل الإنجيل على عيسى، قال الله تعالى: {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل}(المائدة:46)، وأنزل القرآن الكريم ـ وهو آخر الكتب السماوية ـ على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم أنبيائه ورسله، قال الله تعالى: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين}(الشعراء:193ـ 195). وكان ترتيب نزول الكتب السماوية على حسب زمن الرسل، فقد أنزل الله تعالى على إبراهيم عليه السلام الصحف، وعلى داود عليه السلام الزبور، وعلى موسى عليه السلام التوراة والصحف، وعلى عيسى عليه السلام الإنجيل، وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم.

فوائد:

ـ الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى، وذكرت في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة وهي: (الصحف، والتوراة، والزبور، والإنجيل، والقرآن)، منها المسموع من الله سبحانه من وراء حجاب بدون واسطة، ومنها ما نزل على الرسل بواسطة جبريل عليه السلام، ومنها ما كتبه الله بيده، قال الله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم}(الشورى: 51)، وقال تعالى: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء}(الأعراف: 145)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتج (تحاج) آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت أبونا، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال آدم: أنت موسى، اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، تلومني على أمر قدره علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى) رواه أبو داود وصححه الألباني.

ـ الكتب السماوية أنزلت كلها في شهر رمضان، فعن واثلة بن الأسقع الليثي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل بثلاث عشرة مضت من رمضان، و أنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) رواه أحمد وحسنهالألباني.

ــ جميع الكتب التي أوحى الله تعالى بها إلى أنبيائه ورسله غايتها واحدة، فهي كلها تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى الإسلام، فالإسلام هو دين جميع الأنبياء والرسل، قال الله تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(النحل: 36)، قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: ولقد بعثنا أيها الناس في كل أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له".

ــ مع وحدة غاية الكتب السماوية في الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله عز وجل وحده لا شريك له، فإنها تختلف في الشرائع، فشريعة النصارى تخالف شريعة اليهود في بعض الأمور، وشريعة الإسلام تخالف شريعة اليهود والنصارى في كثير من الأمور، قال الله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}(المائدة: 48)، قال ابن كثير: "{شرعة ومنهاجا} أي: سنة وسبيلا، والأول أنسب، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا.. ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام، المتفقة في التوحيد".

ــ الإيمان بأن جميع الكتب التي أنزلها الله عز وجل على أنبيائه ورسله قبل القرآن الكريم قد حرفت، ومما يدل على تحريفها وتبديلها ما فيها الآن من تناقض، وما فيها من وصف لا يليق بالله سبحانه، ولا ببعض أنبيائه، وما حذف منها من دلالات وبشارات وصفات لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}(البقرة: 75)، قال السعدي: "هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب، أي: فلا تطمعوا في إيمانهم وحالتهم لا تقتضي الطمع فيهم، فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه، فيضعون له معاني ما أرادها الله، ليوهموا الناس أنها من عند الله، وما هي من عند الله، فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله، فكيف يرجى منهم إيمان لكم؟! فهذا من أبعد الأشياء". وقال تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير}(المائدة: 15). قال ابن كثير: "أي: يبين ما بدلوه وحرفوه وأولوه، وافتروا على الله فيه".

ــ الإيمان بأن القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية التي أنزلها الله عز وجل، فلا كتاب بعده، قال الله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}(الأحزاب:40)، قال ابن كثير: " فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده، فلا رسول بالطريق الأولى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي ولا ينعكس، وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) رواه البخاري.

ــ الإيمان بأن الله تعالى قد تعهد وتكفل بحفظ القرآن الكريم من التحريف والتغيير، قال الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)(الحجر:9)، قال ابن كثير: "قرر تعالى أنه هو الذي أنزل الذكر، وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل. ومنهم من أعاد الضمير في قوله تعالى: {له لحافظون} على النبي صلى الله عليه وسلم، كقوله: {والله يعصمك من الناس}(المائدة: 67)، والمعنى الأول أولى، وهو ظاهر السياق". وقال الله تعالى: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}(فصلت: 41ـ42). قال السعدي: "أي: لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه". وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخارى": "وسأل بعض علماء النصارى محمد بن وضاح فقال: ما بال كتابكم معشر المسلمين لا زيادة فيه ولا نقصان، وكتابنا بخلاف ذلك؟ فقال له: لأن الله وكل حفظ كتابكم إليكم فقال: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله}(المائدة:44)، فما وكله إلى المخلوقين دخله الخرم والنقصان، وقال في القرآن: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(الحجر: 9)، فتولى الله حفظه فلا سبيل إلى الزيادة فيه ولا إلى النقصان".

ــ القرآن الكريم أشمل الكتب التي أنزلها الله عز وجل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعطيت مكان التوراة السبع الطوال (من البقرة إلى التوبة)، وأعطيت مكان الزبور المئين (من سورة يونس إلى الحجرات، أو إلى (ق))، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني (فاتحة الكتاب، وقيل كل سورة دون المئين)، وفضلت بالمفصل (من سورة الحجرات إلى الناس)) رواه أحمد وصححه الألباني.

الإيمان بالكتب السماوية (صحف إبراهيم وموسى، والتوراة، والزبور، والإنجيل، والقرآن الكريم) من أركان الإيمان بالله عز وجل، مع العلم والاعتقاد الجازم بأن جميع الكتب السماوية التي أنزلت قبل القرآن الكريم ـ والتي هي الآن عند من يدينون بها ـ قد تم تحريفها وتبديلها، لكن أصل هذه الكتب المنزلة على رسل الله هي التي نؤمن بأنها حق من عند الله عز وجل.

مواد ذات صلة

المكتبة