زواج أم نفاق اجتماعي؟

0 475

ما أن تأتي الإجازة الصيفية إلا وتكثر الدعوات لحضور حفلات الزواج لأكثر من عائلة في أكثر من مكان، وتتزايد بعدها حفلات الخطوبة، وكل ذلك في ظاهره مبشر ويبعث للسعادة، ومؤشر لتكاثر الأمة الإسلامية المطلوب، وهو مقصد عظيم من مقاصد الشرع، وسنة من سنن التكاثر، لكن السؤال يدور حول حقيقة تلك الزيجات، إلى ما آلت إليه؟ وهل كانت زيجات حقيقة وناجحة؟
إن الزواج فرحة وسعادة لكلا الزوجين والعائلتين، فالزواج سكن للأرواح قبل سكن المنازل، ومودة ورحمة فيما بينهما، من خلاله تتعارف وتتصاهر وتتناسب عائلات لا يربطها نسب ولا صلة، فهو من أشد وأوثق أواصر العلاقات في المجتمع، وأكثرها قداسة، فقد أسماه الله (الميثاق الغليظ) في قوله –عز وجل-: (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) [النساء: 21]، فهو رباط بين أسرتين وقد تصل إلى رباط بين قبيلتين، فهو رباط لا يستهان به، وعلاقة لها تبعاتها على الفرد والمجتمع والأمة، لذا أولاها الشرع مزيد اهتمام.

ما أن تتزايد مناسبات الأفراح إلا وتهيم أنفس الشباب رغبة في تجربة ما جربه قريبهم أو صديقهم، ولتكون له احتفالية زواج تحاكي أو تفوق ما رآه في كل الزيجات التي حضرها.
جميل أن يتزوج الشباب وتكثر الأفراح في كل بيت، ويزداد التناسب والتصاهر، ويكثر نسل الأمة الإسلامية، ويعف الشباب عن الحرام، لكن السؤال هو ما ثمرة ونتائج كل تلك الزيجات؟ وهل كانت ناجحة ومستقرة؟ وهل مقصود الزواج هو الإعفاف فقط؟
يكبر الشاب أو الشابة ويكملان دراستهما المدرسية ثم الجامعية ثم يعملان، ويظلان هكذا ينتظرون فرصة للزواج دونما تأهيل مسبق أو إعداد لحياتهم الزوجية التي سيقبلون عليها -عاجلا أم آجلا-، وما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات ومسؤوليات ينبغي فهمها وتعلمها، وتعرفا على طريقة التعامل مع الجنس الآخر الذي سيشاركه حياته ويتقاسم معه المسؤوليات والحقوق والواجبات تفاديا لسوء التفاهم بينهم.


نصيحة أم لابنتها المقبلة على الزواج
قديما كان الوالدان هما المرشدان والموجهان والناصحان الأمينان لأبنائهم عند بلوغهم سن الزواج وعند إقبالهم عليه، فنجد أن الأم كانت تنصح ابنتها التي تتهيأ للزواج بوصايا عشر، هي: (أي بنيــة، إنك قد فارقت بيتك الذي منه خرجت، ووكرك الذي فيه نشأت إلى وكر لم تألفيه، وقرين لم تعرفيه، فكوني له أمة يكن لك عبدا، واحفظي له عشر خصال يكن لك ذخرا، أما الأولى والثانية فالصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، أما الثالثة والرابعة فالتعهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشمن منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن الموصوف، والماء والصابون أطيب الطيب المعروف، وأما الخامسة والسادسة فالتفقد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مكربة، وأما السابعة والثامنة فالعناية ببيته وماله، والرعاية لنفسه وعياله، أما التاسعة والعاشرة فلا تعصين له أمرا، ولا تفشين له سرا، فإنك أن عصيت أمره، أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، ثم بعد ذلك إياك والفرح حين اكتئابه، والاكتئاب حين فرحه، فإن الأولى من التقصير والثانية من التكدير، وأشد ما تكونين له إعظاما أشد ما يكون لك إكراما، ولن تصلي إلى ذلك حتى تؤثري رضاه على رضاكي، وهواه على هواكي فيما أحببت أو كرهت، والله يصنع لك الخير، واستودعتك الله).

نصيحة أب لابنه المقبل على الزواج
ونجد الأب ينصح ابنه المقبل على الزواج بنصائح عشرة كذلك، وهي: (أي بني: إنك لن تنال السعادة في بيتك إلا بعشر خصال تمنحها لزوجك فاحفظها عني واحرص عليها، أما الأولى والثانية: إن النساء يحببن الدلال ويحببن التصريح بالحب، فلا تبخل على زوجتك بذلك، فإن بخلت جعل بينك وبينها حجابا من الجفوة ونقصا في المودة، وأما الثالثة: إن النساء يكرهن الرجل الشديد الحازم، ويستخدمن الرجل الضعيف اللين، فاجعل لكل صفة مكانها فإنه أدعى للحب وأجلب للطمأنينة، وأما الرابعة: إن النساء يحببن من الزوج ما يحب الزوج منهن من طيب الكلام، وحسن المنظر، ونظافة الثياب، وطيب الرائحة، فكن في كل أحوالك كذلك، أما الخامسة: إن البيت مملكة الأنثى وفيه تشعر أنها متربعة على عرشها وأنها سيدة فيه، فإياك أن تهدم هذه المملكة التي تعيشها، وإياك أن تحاول أن تزيحها عن عرشها هذا، فإنك إن فعلت نازعتها ملكها، وليس لملك أشد عداوة ممن ينازعه ملكه، أما السادسة: إن المرأة تحب أن تكسب زوجها ولا تخسر أهلها، فإياك أن تجعل نفسك مع أهلها في ميزان واحد، فإما أنت وإما أهلها، فهي وإن اختارتك على أهلها فإنها ستبقى في كمد تنقل عدواه حياتك اليومية، والسابعة: إن المرأة خلقت من ضلع أعوج وهذا سر الجمال فيها، وسر الجذب إليها وليس هذا عيبا فيها “فالحاجب زينه العوج”، فلا تحمل عليها إن هي أخطأت حملة لا هوادة فيها، تحاول تقييم المعوج فتكسرها وكسرها طلاقها، ولا تتركها إن هي أخطأت حتى يزداد اعوجاجها وتتقوقع على نفسها فلا تلين لك بعد ذلك ولا تسمع إليك، ولكن كن دائما معها بين بين، أما الثامنة: إن النساء جبلن على كفر العشير وجحدان المعروف، فإن أحسنت لإحداهن دهرا ثم أسأت إليها مرة قالت: ما وجدت منك خيرا قط، فلا يحملنك هذا الخلق على أن تكرهها وتنفر منها، فإنك إن كرهت منها هذا الخلق رضيت منها غيره، أما التاسعة: إن المرأة تمر بحالات من الضعف الجسدي والتعب النفسي، حتى إن الله سبحانه وتعالى أسقط عنها مجموعة من الفرائض التي افترضها في هذه الحالات، فقد أسقط عنها الصلاة نهائيا في هذه الحالات، وأنسأ لها الصيام خلالهما حتى تعود صحتها ويعتدل مزاجها، فكن معها في هذه الأحوال ربانيا كما خفف الله سبحانه وتعالى عنها فرائضه أن تخفف عنها طلباتك وأوامرك، وأما العاشرة: اعلم أن المرأة أسيرة عندك، فارحم أسرها، وتجاوز عن ضعفها تكن لك خير متاع وخير شريك).

مما سبق يتضح لنا مدى استفادة الأبناء قديما من توجيهات وخبرات آبائهم قبل الدخول في حياتهم الزوجية، إلا أنه ومن خلال استقراء الواقع، نجد أن أغلب الشباب يقبلون على الزواج تقليدا لمن حولهم، أو ما يطلق عليه (نفاقا اجتماعيا) حتى لا يعير أو تعير بأنه لم يتزوج أو بأنها قد أصبحت عانسا، وكل ذلك دونما تأهيل أو استعداد لتحمل أعباء ومسؤولية الحياة الزوجية بما فيها من حقوق وواجبات، ودون اطلاع، مع تقصير من جانب الآباء في التوجيه والإرشاد لما طرأ في زماننا من تحديات وتغيرات شبه جذرية عما كان عليه أجدادنا، وغياب هذا التوجيه كان أحد أسباب كثرة الطلاق، وضياع الأبناء، خاصة عند حديثي الزواج، الأمر الذي تطلب وجود مراكز أسرية استشارية إرشادية تقوم مقام الآباء قديما، وتوجه الشباب وتأهلهم التأهيل المطلوب تفاديا لأي طارئ قد يدب بين الأزواج الجدد لقلة خبرتهم، ولعدم تفهمهم لطباع بعضهم البعض، مع ما يدخل ويزداد في حياتهم الأسرية من مسؤوليات جديدة من تربية أبناء، ومصاريف حياتية، ورعاية صحية ويومية.

الزواج لا يقتصر مقصده على الإعفاف - وإن كان مقصدا عظيما-، إنما هو أكثر من ذلك بكثير، فالزواج جعل للتعارف مصداقا لقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ۚ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ۚ إن الله عليم خبير) [الحجرات: 13]، وللتناسب والتصاهر، قال تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ۗ وكان ربك قديرا) [الفرقان:54]، كما أنه استقرار وسكن نفسي وجسدي، قال تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) [الأعراف: 189]، ومن مقاصده كذلك التكاثر تحقيقا للخلافة وإعمارا للأرض، قال تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) [هود: 61].
كل ما سبق يدل على أن الزواج والأسرة والاهتمام والعناية بها أمر عظيم تسعى له المجتمعات الراقية التي تريد التقدم والنجاح، فالأسرة ما هي إلا اللبنة الأولى للمجتمع، فإن هي استقرت ونجحت ورست سفينتها بر الأمان، عاد ذلك بدوره على المجتمع، وارتقى ونجح واستقر.

اقتراحات
وإن كان من مقترحات تقدم للحفاظ على رباط الزوجية والأسرة، فمنها ما يلي:
- عدم إتمام عقد القران للزوجين إلا بعد إتمامهم لدورة تأهيلية تأهلهم للحياة الزوجية والأسرية التي سيقبلان عليها، ومعرفة ما لكل واحد منهما من حقوق وما عليه من واجبات.
- المتابعة والصيانة الدورية لحياتهم الأسرية، توجيها وإرشادا وحلا لكل ما قد يطرأ عليهما من تحديات.
- تأهيلهم في الجانب التربوي لأبنائهم وفنون التربية الحديثة، وكيفية التعامل معهم باختلاف مراحلهم العمرية.
- تأهيلهم في كيفية إدارة ميزانية الأسرة توفيرا وجمعا واستثمارا دون إسراف أو تقتير.
- تأهيلهم في كيفية تحليل وحل المشكلات التي قد تعتري حياتهم.
مثل هذه المقترحات قد تساعد في الحفاظ على رباط الأسرة وصيانة لسوره من أي صدع قد يصيبه، وهي موجهة لكل جهة معنية بشؤون الأسرة
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة