فسادُ القوْل بِسَاعةِ نَحْسٍ يوْم الجُمُعة

0 278

النحس: الشؤم والشقاء، وهو ضد التفاؤل والسعد. ونحس الرجل أي: أصابه الضر والشر. واعتقاد بعض الناس أن في يوم الجمعة ساعة نحس أو شؤم، تقع فيها بعض المصائب والشحناء، اعتقاد فاسد وغير صحيح، وهو اعتقاد مخالف ومناقض لما يعتقده ويؤمن به المسلم، بأن يوم الجمعة من أفضل أيام الله عز وجل، وهو سيد الأيام، لأن الله تعالى جمع فيه الكثير من خصال الخير التي لم توجد إلا فيه، وأنه يوم هدانا الله إليه، وجعله عيدا لنا، وأضل عنه من قبلنا من الأمم، وفيه ساعة يستجيب الله عز وجل فيها دعاء كل من يسأله ويدعوه، ولم يرد أي دليل يعتد به على أن يوم الجمعة فيه ساعة نحس، بل العكس هو الصحيح، والأحاديث النبوية الدالة على عظم وفضل يوم الجمعة بجميع ساعاته كثيرة، ومنها:

1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) رواه مسلم. قال ابن حجر:"وفي الحديث من الفوائد فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة". وقال الطيبي: "فإن قيل: ما أفضل الأيام؟ قيل: فيه وجهان: أصحهما يوم عرفة، والثاني يوم الجمعة لهذا الحديث، وهذا إذا أطلق، وأما إذا أريد أيام السنة فتعين يوم عرفة، وإذا أريد أيام الأسبوع تعين الجمعة". وقال السيوطي: "قال القاضي: الظاهر أن هذه القضايا المعدودة ليست لذكر فضيلته، لأن إخراج آدم من الجنة، وقيام الساعة، لا يعد فضيلة، وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام، وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة، لنيل رحمة الله تعالى، ورفع نقمته. وقال ابن العربي في الأحوذي: الجميع من الفضائل، وخروج آدم من الجنة هو سبب الذرية وهذا النسل العظيم، ووجود الرسل والأنبياء والأولياء، ولم يخرج منها طردا، بل لقضاء أوطار ثم يعود إليها، أما قيام الساعة فسبب لتعجيل جزاء النبيين والصديقين والأولياء وغيرهم، وإظهار كرامتهم وشرفهم، وفي الحديث دليل لمن قال إن يوم الجمعة أفضل من يوم عرفة، وعبارة بعضهم أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة، وأفضل أيام السنة يوم عرفة". وقال ابن عثيمين:" قال: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة) والمراد بذلك خير يوم من أيام الأسبوع، وإنما قلنا هذا لئلا يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة)، فإن يوم عرفة أفضل باعتبار العام، وهذا أفضل باعتبار الأسبوع".
2 ـ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا يوم عيد، جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان طيب فليمس منه، وعليكم بالسواك) رواه ابن ماجه وصححه الألباني. قال المباركفوري: "أي للمسلمين خاصة".
3 ـ عن أوس بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي، قال: قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت - يقولون بليت ـ فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء) رواه أبو داود وصححه الألباني.
4 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر) رواه مسلم.
5 ـ عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة، والسبت، والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق) رواه مسلم. قال ابن هبيرة: "في هذا الحديث أن الله تعالى يكرم من يشاء بأن يدخر له ما يشاء، فقد من الله تعالى على هذه الأمة بأن جعل لها الجمعة، وجعل بعدها لليهود السبت، وبعد السبت الأحد للنصارى، فلولا أن الله تعالى ادخر الجمعة لنا لكان لنا يوم الاثنين، ولكن الله عز وجل أبى إلا أن يجعلنا الأولين في مقام عبادته، وإن تأخر زماننا بعدهم".
6 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الأيام يوم الجمعة) رواه ابن خزيمة والحاكم وحسنه الألباني. السيد: هو من جمع أسباب الشرف والفضل، ويوم الجمعة هو سيد الأيام، لأن الله تعالى جمع فيه الكثير من خصال الخير التي لم توجد إلا فيه.
7 - عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام: إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري. وفي رواية لمسلم قال صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام).
8 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة (كغسل الجنابة) ثم راح فكأنما قرب بدنة (ناقة)، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) رواه البخاري.
9 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه) رواه مسلم. وهذه الساعة ليست ساعة زمنية (ستون دقيقة)، بل هي فترة من الزمن لا يعلم قدرها إلا الله، وقد كثرت الأقوال في تعيينها بناء على النصوص الواردة فيها، حتى أوصلها ابن القيم إلى أحد عشر قولا. قال القاضي عياض: " اختلف الناس في وقتها وفى معنى (يصلي)، فذهب بعضهم إلى أنها من بعد العصر إلى الغروب، ومعنى (يصلى) عند هؤلاء: يدعو، ومعنى (قائم): ملازم ومواظب.. وذهب آخرون إلى أنها من وقت خروج الإمام إلى تمام الصلاة، وذهب آخرون إلى أنها في وقت الصلاة نفسها من حين تقام إلى حين تتم، والصلاة على وجهها. وقيل: هي من حين يجلس الإمام على المنبر ويحرم البيع إلى انقضاء الصلاة، وقيل: آخر ساعة من يوم الجمعة. وقد رويت في هذا كله آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم مفسرة لكل قول من هذه الأقاويل.. وقيل: هي مخفية في اليوم كله كليلة القدر". ولعل الحكمة في عدم تعيينها بالضبط أن نجعل يوم الجمعة كله طاعة لله ودعاء، وهذا يتنافى مع الاعتقاد والقول الفاسد أن في يوم الجمعة ساعة نحس وشؤم.

يوم الجمعة فيه من الفضائل الكثير، وهو من خصائص وفضائل أمتنا، ومن ثم فلا يجوز لمسلم القول والاعتقاد بأن يوم الجمعة فيه ساعة نحس وشؤم، ففي هذا الاعتقاد والقول الفاسد تكذيب لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله: (إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه). ثم إن تعظيم يوم الجمعة ـ بجميع ساعاته ـ من تعظيم شعائر الله عز وجل، فشعائر الله: هي كل ما أمر الله به من أمور الدين، وكل ما وجبت علينا طاعة الله فيه، ومن تعظيم شعائر الله: إجلالها، وإحلالها المكانة الرفيعة في المشاعر والقلوب، وأداؤها برغبة ومحبة، وشعائر الله متنوعة ومتعددة، ومنها ولا شك يوم الجمعة وما فيه من صلاة الجمعة، ومن إكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}(الحج:32)، قال السعدي: "والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها.. فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة