الأبراج ومخالفتها لعقيدة التوحيد

0 464

الغيب لا يعلمه إلا الله، والقرآن الكريم زاخر بالآيات التي تنص نصا واضحا قطعيا على تفرد الله عز وجل وحده بعلم الغيب، وأنه لا يوجد في السماوات والأرض من يعلم الغيب إلا الله، ومن ذلك قول الله تعالى: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}(النمل:65)، قال السعدي: "يخبر تعالى أنه المنفرد بعلم غيب السماوات والأرض كقوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}(الأنعام:59)، وكقوله: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}(لقمان:34). فهذه الغيوب ونحوها اختص الله بعلمها فلم يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وإذا كان هو المنفرد بعلم ذلك المحيط علمه بالسرائر والبواطن والخفايا، فهو الذي لا تنبغي العبادة إلا له".

والأبراج التي تنتشر في بعض الصحف والمجلات وغيرهما، ويخبر أصحابها ومدعوها من خلالها عن بعض صفات وأحوال الناس الحالية والمستقبلية، تدخل في باب الكهانة والعرافة. وهذه الأبراج تكتب بعدة طرق، فمنها ما يكتب بطريقة الأبراج: برج الثور، برج الجوزاء، برج السرطان.. ومنها ما يكتب بطريقة مواليد السنوات أو الشهور، وغير ذلك.. ومن المعلوم أنه يولد في كل يوم الآلاف من البشر، وغير متصور أنهم جميعا يحملون صفات واحدة، فكيف يستقيم كلام المنجمين وأهل الأبراج باتفاق خصائص مواليد الشهر الواحد أو البرج الواحد؟!.. ثم إن الذين يدعون علم الأبراج يأتون في كلامهم وتوقعاتهم بأشياء عامة، تقع لبعض الأشخاص ولا تقع لآخرين، مثل قولهم: "بعض الصعوبات تعترض سبيلك"، "طريقك سهل وميسر"، "خبر سار يصلك"، "خبر محزن يأتيك"، وما شابه ذلك.. ومن ثم يصدق كلام الأبراج مع أناس دون أناس، ويكون هذا الأمر فتنة لهم..
وهذه الأبراج وما شابهها من المنكرات التي أبطلها وحرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهى عنها، لأنها توقع المسلم في حبائل وأبواب الشرك بالله عز وجل، فهي من باب الذهاب إلى العرافين والكهان. قال ابن تيمية: "العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم، ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق"، وقال البغوي: "العراف هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها، وقيل: هو الكاهن الذي يخبر عن بعض المضمرات فيصيب بعضها ويخطئ أكثرها". والمنجم: هو من يستدل على معرفة أمور غائبة بالنجوم. والرمال: هو من يستدل على معرفة المغيبات بالخط في الرمل.. ويدخل الذي يدعي علم الأبراج مع الكاهن والعراف والمنجم والرمال ومن يقرأ الكف والفنجان وما شابههم، فكلهم يشتركون في أصل واحد، وهو ادعاء معرفة الغيب وإن اختلفت أسماؤهم ومسمياتهم باختلاف الزمان والمكان.

والقراءة في الأبراج تدخل في باب إتيان وسؤال الكهنة والعرافين، والأحاديث النبوية الصحيحة التي تنهى وتحذر من الذهاب إلى العرافين والكهنة وما شابههم، كثيرة، ومنها:
ـ روى مسلم في صحيحه عن بعض أمهات المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة). وفي رواية: (من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه بما قال لم تقبل له صلاة أربعين يوما). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال ابن حجر: "والوعيد جاء تارة بعدم قبول الصلاة، وتارة بالتكفير، فيحمل على حالين من الآتي، أشار إلى ذلك القرطبي". وقال ابن تيمية: "والمراد بالكفر هنا هو التشبه بالكافرين في الجاهلية، لا أنه كافر حقيقة".
ولا يشترط لتحقيق قوله صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)، أن يذهب الإنسان ـ حقيقة ببدنه ـ إلى العراف في مكانه الذي هو فيه، إذ المقصود النهي عن الذهاب إليه بأي وسيلة، سواء كان بالهاتف، أو عن طريق موقع تواصل، أو قراءة الأبراج في الصحف والمجلات، فالمنهي عنه هو سؤال العراف ـ وما شابهه ـ وتصديقه بأي وسيلة كانت، فكل وسيلة تؤدي إلى المحرم فهي محرمة. قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها.. فإذا حرم الرب تعالى شيئا، وله طرق ووسائل تفضي إليه: فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقا لتحريمه، وتثبيتا له، ومنعا أن يقرب حماه".

ـ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتبس (من تعلم وأخذ) شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد) رواه أبو داود وصححه الألباني. لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من السحر، ومن كل ما ارتبط به من علوم، وفي هذا الحديث يبين صلوات الله وسلامه عليه أن (من اقتبس)، أي: من تعلم وأخذ، (علما من النجوم)، أي: من علوم النجوم المرتبطة بادعاء علم الغيب، وما سيقع في المستقبل، ونحو ذلك كالأبراج وما شابهها، (اقتبس شعبة) أي: تعلم قطعة أو جزءا، (من السحر)، أي: ما تعلمه هو من علوم النجوم فهو من السحر، أو هو كالسحر سواء بسواء في الوزر، وهذا بخلاف الاهتداء بالنجوم في معرفة القبلة ونحوها من أمور العبادات، فليست داخلة هنا. وقوله: (زاد ما زاد)، أي: كلما زاد في تعلم مسائل النجوم فهو يزيد من تعلم شعب السحر ويحمل وزره.
قال ابن حجر: "والمنهي عنه من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمن، كمجيء المطر، وهبوب الريح، وتغير الأسعار ونحو ذلك، ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب، واقترانها وافتراقها، وظهورها في بعض الأزمان، وهذا علم استأثر الله به، لا يعلمه أحد غيره، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم، والذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى من الليل والنهار وكم بقي، فإنه غير داخل في النهى". وقال الطيبي: "وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق، ثم أمسكوا". وقال ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى": "ولما أراد علي بن أبي طالب أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسافر، فإن القمر في العقرب، فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك، أو كما قال، فقال علي: بل نسافر ثقة بالله، وتوكلا على الله، وتكذيبا لك، فسافر فبورك له في ذلك السفر حتى قتل عامة الخوارج، وكان ذلك من أعظم ما سر به، حيث كان قتاله لهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال الشيخ ابن باز: "ما يسمى بعلم النجوم والأبراج والحظ والطالع من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها، وبيان أنها من الشرك لما فيها من التعلق بغير الله تعالى، واعتقاد الضر والنفع في غيره، وتصديق العرافين والكهنة الذين يدعون علم الغيب زورا وبهتانا.. والدليل على ذلك ما رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد).. ومن ادعى معرفة علم شيء من المغيبات فهو إما داخل في اسم الكاهن وإما مشارك له في المعنى".

من الآثار السلبية والخطيرة التي تصيب المشتغلين والمهتمين بالأبراج وقراءتها، أنها تضعف عندهم التوكل على الله، والإيمان بالقدر، ويكثر فيهم التشاؤم والطيرة.. فعلى المسلم أن يبتعد عنها، ويحذر منها، طاعة لله ولرسوله، وحفاظا على دينه وعقيدته، وذلك لأن هذه الأمور ـ قراءة الأبراج وما شابهها ـ تصطدم وتتناقض مع عقيدة التوحيد، وذلك لأنه من الأمور المقررة في عقيدة الإسلام أن علم الغيب مما يختص به الله عز وجل وحده، قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون}(النمل:65): "يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلما لجميع الخلق: أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب. وقوله: {إلا الله} أي: لا يعلم أحد ذلك إلا الله، عز وجل، فإنه المنفرد بذلك وحده، لا شريك له، كما قال: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}(الأنعام:59).. والآيات في هذا كثيرة.. عن عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أنه يعلم ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ ما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية، لأن الله تعالى يقول: {لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}. وقال قتادة: إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجوما للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به. وإن ناسا جهلة بأمر الله، قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة: من أعرس بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا. ومن سافر بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا. ومن ولد بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا. ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود، والقصير والطويل، والحسن والدميم، وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب! وقضى الله: أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله، وما يشعرون أيان يبعثون".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة