إذا سألت فاسأل الله

0 725

في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه ابن عباس قال: [إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف](رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح).

يقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس ولكل مهموم أو مغموم، ولكل مكروب أو مظلوم، ولكل صاحب حاجة، "إذا سألت فاسأل الله":
حين تشتد بك الخطوب، وتحيط بك الكروب، وتظلم أمام عينيك الدنيا . فقل يا ألله.
حين يضيق بك الأمر، وتستحكم عليك حلقاته، ولا تجد لك مخرجا.. فقل يا ألله.
حين يتبدل الحال، ويقل المال، وتكثر النفقات، وتتراكم على رأسك الطلبات، ولا تجد معك ما تؤدي به الحقوق والواجبات.. فقل يا ألله.
حين تتبدل الحقائق، وتنتكس الفطر، ويهزأ بالقيم، وتحارب الفضائل، وتمتدح الرذائل.. فقل يا ألله.
حين يتطاول على القرآن، ويستهزأ بالنبي العدنان، ولا تجد من يقف ليرد أو ينتصر لله ولدينه ولرسوله.. فقل يا ألله.
حين يتكالب الناس على أهل العلم ويستهزءون ويستخفون بأهل الدين، فيلجؤونهم إلى ركن ضيق في مكان مظلم، أو سجن مغلق.. فقل يا ألله.
حين يعلو الباطل وينتشر وينتفش، وينخفض الحق ويستخزي وينكمش. حين يحدث ذلك فيضيق له صدرك، وتلتاع له نفسك.. فقل يا ألله. واجأر إليه بالدعاء فإنه لا مخرج ولا ملجأ إلا في الدعاء.
إذا الصدر ضاق بآهـاته .. .. وطــال أسى قلـبك المـكترب
فــناج الذي في مناجاته .. .. خلاصك، واسجد له واقترب

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ابن عباس ويعلمنا ويعلم كافة المسلمين أن الدعاء نعمة كبرى، ومنحة عظمى، تفضل الله بها على عباده، وجاد بها عليهم، فأمرهم به وحثهم عليه، ووعدهم الإجابة وعلقها به، وسيرها في ركابه؛ فمتى وجد الدعاء فالإجابة معه، قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}، وقال سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}، ولذلك كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يقول: إني لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء.

فالموفق من وفقه الله للدعاء، وفتح عليه أبوابه، ويسر له سبله وأسبابه، ووجه قلبه إليه، وحرك لسانه به، فالخلق كلهم محتاجون إلى الدعاء أشد من حاجتهم للهواء، مفتقرون إليه افتقار السمك للماء، لا غنى لأحدهم عنه طرفة عين {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}.

الله وحده دون من سواه
يعلم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس وكل صاحب حاجة إذا أراد أن يسأل ألا يسأل إلا الله، وألا يعلق قلبه بسواه:
. ذلك أن الدعاء عبادة والعبادة لا ينبغي أن تصرف إلا لله:
فعن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: [إن الدعاء هو العبادة] ثم قرأ: {ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}(غافر:60). قال الشوكاني "الدعاء هو أعلى أنواع العبادة وأرفعها وأشرفها اهـ.
وقال الشيخ ابن سعدي: وقال تعالى: {فادعوا الله مخلصين له الدين}(غافر:14).. فوضع كلمة الدين موضع كلمة الدعاء - يدل على أن الدعاء هو لب الدين وروح العبادة..

ففي الدعاء يظهر الذل والفاقة والافتقار والحاجة والعجز من السائل للمسئول.. وهي اعتراف من السائل بالعز والعلم والغنى والقدرة والسلطان للمسئول، وهو عين العبودية وقمة الافتقار؛ ولهذا كان الإمام أحمد يدعو ويقول: (اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك، ولا يقدر على كشف الضر وجلب النفع سواك).

إذا سألت فاسأل الله
. لأن مصائر الأمور كلها إليه، وقلوب العباد كلهم بيديه، والكون كله خاضع لقدرته، مستجيب لإرادته، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، وكل ما في الكون إنما هي أدوات لتحقيق قضائه وقدره.. فلا يمكن أن يصل إليك خير قط إلا إذا كان الله قد كتبه لك، ولا يمكن أن يوصل أحد إليك شرا قط إلا إذا كان الله قد قدره عليك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك].

فالله سبحانه وحده هو القادر وكل ما سواه عاجز: {ذلكم الله ر‌بكم له الملك ۚ والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير‌ . إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ۖ ويوم القيامة يكفر‌ون بشر‌ككم ۚ ولا ينبئك مثل خبير‌ . يا أيها الناس أنتم الفقر‌اء إلى الله ۖ والله هو الغني الحميد}[فاطر من الآيات:13-15].
وقال تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين}(يونس:106).
وقال تعالى: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}(الرعد:14)، وقال تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}(الجـن:18).

فإذا سألت فاسأل الله ولا تسألن أحدا سواه:
قال طاووس لعطاء بن أبي رباح رحمهما الله: "إياك أن تطلب حوائجك ممن أغلق دونك بابه وجعل دونها حجابه، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ووعدك أن يجيبك سبحانه وتعالى".
وروى أبو داود والترمذي والحاكم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل](رواه أبو داود والترمذي والحاكم).
لا تســـألن بني آدم حـاجـــة .. .. وسـل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله .. .. وبني آدم حين يسأل يغضب

إذا سألت فاسأل الله 
فإن الله تعالى هو وحده القادر على أن يحرك الدنيا كلها من أجل إجابة دعوة، أو نصرة لمظلوم، كما فعل مع نوح، وإبراهيم، ولوط، وهود، وصالح، وشعيب، وموسى، ويونس عليهم جميعا أفضل الصلوات وأزكى التسليمات، كيف حرك لهم الكون، فأغرق الدنيا لنوح، وأوقف الأسباب لإبراهيم، وشق البحر لموسى، ونجى يونس من بطن الحوت، كل ذلك ليعلم الناس بحق: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض}

روى البيهقي في شعب الإيمان (2/ 357):
عن إسحاق بن عباد البصري، قال: رأيت في منامي ذات ليلة قائلا يقول: أغث الملهوف.
قال: فانتبهت. فقلت: انظروا هل في جيراننا محتاج؟ فقالوا: ما ندري.
قال: فنمت ثانيا، فعاد إلي. فقال: تنام ولم تغث الملهوف، فقمت.
فقلت للغلام: أسرج البغل، وأخذت معي ثلاث مائة درهم، ثم ركبت البغل، فأطلقت عنانه، حتى بلغ مسجدا.
قال: فنظرت فإذا رجل يصلي، فلما أحس بي انصرف. قال: فدنوت منه. فقلت: يا عبد الله، في هذا الوقت، في هذا الموضع، ما أخرجك؟!.
قال: أنا رجل خواص كان رأس مالي مائة درهم، فذهبت من يدي ولزمني دين مائتي درهم.
قال: فأخرجت الدراهم. وقلت: هذه ثلاث مائة درهم خذها.
قل: فأخذها، قلت: تعرفني؟ قال: لا.
قلت: أنا إسحاق بن عباد، فإن نابتك نائبة فأتني، فإن منزلي في موضع كذا وكذا.
فقال: رحمك الله، إن نابتنا نائبة، فزعنا إلى من أخرجك في هذا الوقت، حتى جاء بك إلينا.

لا تخضـعن لمخلوق على طمع .. ..  فإن ذلك نقـص منك في الدين
لن يقدر العبد أن يعطيك خردلة .. ..  إلا بإذن الذي سواك من طين
فلا تصـاحب غنيـا تستـعــز بـه .. .. وكن عفيفا وعظم حرمة الدين
واسترزق الله مـمــا في خزائنـه .. .. فإن رزقـك بين الكاف والنون

فاللهم اجعل فزعنا وسؤالنا لك وحدك لا شريك لك..
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة