معالم الرحمة النبوية

0 483

لقد من الله عز وجل على البشرية وأكرمها بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكان الرحمة المهداة للعالمين، يحدو بالناس ـ بالرحمة والرفق ـ إلى طريق السعادة والفلاح، فمن أخلاقه وسماته التي اتصف وتحلى بها خلق الرحمة، التي شملت الصغير والكبير، والمؤمن والكافر، والطائع والعاصي، تلكم الرحمة التي كانت له سجية، لا تنفك عنه أبدا، لا في سلم ولا في حرب، ولا في حضر ولا في سفر، وقد سماه ربه رءوفا رحيما فقال سبحانه: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة: 128)، وقال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء: 107). قال ابن كثير: "يخبر تعالى أن الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة". وقال الشنقيطي: "ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أرسل هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم، لأنه جاءهم بما يسعدهم، وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى".وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن لي أسماء، أنا محمد وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي أحد)، وقد سماه الله رءوفا رحيما) رواه البخاري.

والمواقف والأحاديث النبوية التي يتجلى من خلالها معالم رحمته صلوات الله وسلامه عليه كثيرة، ومنها:

الرحمة العامة:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه الترمذي وصححه الألباني. وعن أنس رضي الله عنه فال: (والله ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم.

الرحمة في الحرب ومع الأسرى:
عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا) رواه البخاري. وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالأسرى خيرا فقال: (استوصوا بالأسارى خيرا) رواه الطبراني.

الرحمة مع الكافر:
من رحمته صلى الله عليه وسلم بمن تعرض له بالإيذاء أنه دعا له أنه كان يدعو لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) رواه البخاري، وفي رواية :(اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) . ولما قيل له: يا رسول الله ادع على المشركين! قال: (إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة) رواه مسلم.

الرحمة مع العاصي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر، فقال: اضربوه، فمنا الضارب بيده ، والضارب بثوبه، والضارب بنعله، ثم قال: بكتوه، فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله ؟! ما خشيت الله ؟! وما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فقال بعض القوم: أخزاك الله ! قال: لا تقولوا هكذا ! لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه) رواه أبو داود.

الرحمة مع الزوجة والخادم:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي. ومن رحمته صلى الله عليه وسلم مع زوجته أنه كان يكرم ولا يهين، يوجه وينصح، ولا يعنف ويجرح، عن أنس رضي الله عنه قال: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن، فقال: (إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يرحم لا يرحم) رواه مسلم.

الرحمة مع اليتيم:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا ) رواه البخاري. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك) رواه الطبراني.

الرحمة مع الحيوان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى (التراب) من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له .. قالوا : يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر) رواه البخاري.. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة (طائر صغير) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش (ترفرف بجناحيها)، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها) رواه أبو داود وصححه الألباني.
وعن قرة بن إياس المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والشاة إن رحمتها رحمك الله) رواه الطبراني وصححه الألباني.

من معالم الرحمة النبوية التي حفلت بها سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم رحمته بالصغير والكبير، والقريب والبعيد، والمرأة والضعيف، واليتيم والفقير، والصديق والعدو، والمؤمن والكافر، والطير والحيوان.. وفي ضوء المواقف والأحاديث النبوية التي تحث على الرحمة يقوم المجتمع الاسلامي على التراحم الذي يشمل المسلمين وغير المسلمين بل ويشمل الطير والحيوان، وما ذكرناه ما هو إلا بعض نسمات من رحاب ومعالم الرحمة النبوية، فعلينا الاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان رحمة يمشي بين الناس، القائل عن نفسه: (إنما أنا رحمة مهداة)، والذي بين لنا أن الذي خلا قلبه من الرحمة والشفقة هو إنسان شقي بعيد عن الله تعالى فقال صلوات الله وسلامه عليه: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
قال الطيبي: "وقوله: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) لأن الرحمة في الخلق رقة القلب، والرقة في القلب علامة الإيمان، فمن لا رقة له لا إيمان له، ومن لا إيمان له شقى، فمن لا يرزق الرقة شقى". وقال الصنعاني: "(لا تنزع الرحمة إلا من شقي) فإن المؤمنين رحماء بينهم، لأن الرحماء يرحمهم الرحمن، فمن لا يرحم العباد لا يرحمه الله، وهو الشقي".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة