الخشوع

0 738

إن الخشوع قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل والجمعية عليه، ورقة القلب وسكونه وانكساره وحرقته.
والخشوع : خمود نيران الشهوة ، وسكون دخان الصدور، وإشراق نور التعظيم في القلب، واستحضار عظمة الله وهيبته وجلاله.
والخشوع قاسم مشترك بين الأخلاق والعقيدة والعمل، يغذوها بخشية الله، فتؤدي مقصودها في النفس والقلب معـا.

الخشوع معنى شرعي وسلوك سني، فيه كل الانقياد لله رب العالمين . قال الجنيد : الخشوع تذلل القلوب لعلام الغيوب. والقلب أمير البدن، فإذا خشع القلب، خشع السمع والبصر والوجه وسائر الأعضاء، وما نشأ عنها، حتى الكلام.

ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن الخشوع يتضمن معنيين: أولهما: التواضع، والتذلل.

والثاني: السكون، والطمأنينة، يقول: "وذلك مستلزم للين القلب، ومناف للقسوة، فخشوع القلب يتضمن عبوديته لله، وطمأنينته أيضا، ولهذا كان الخشوع في الصلاة يتضمن هذا، وهذا: التواضع، والسكون".(مجموع الفتاوى (7/ 28).

والخشوع علم نافع يباشر القلب ، فيوجب له السكينة والخشية، والإخبات والتواضع والانكسار لله، وكل أولئك رشح من فيض الخشوع.
عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، وقلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا تستجاب".(رواه مسلم).

وقد مدح الله في كتابه الخاشعين المنكسرين لعظمته ؛ فقال تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}(الأنبياء/90)، وقال تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}(الأحزاب/35).

فأولى المنازل التي يحط فيها الخاشعون رحالهم : مغفرة من الله تمحق السيئات وتزيد الحسنات والأجر العظيم. قال تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب}(آل عمران/199).
وللخاشعين البشرى من ربهم كما قال الله تعالى: {فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين}(الحج/34) . 

ووصف الله المؤمنين بالخشوع في أشرف عباداتهم وهي الصلاة ، وبين أن الخشوع طريق الفلاح في الدنيا والآخرة ؛ يحسه المؤمن بقلبه ، ويجد مصداقه في واقع حياته ، وعد من الله بالفلاح الذي لا يخطر على قلب بشر. قال تعالى: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون}(المؤمنون/1 ، 2). 

قال ابن رجب رحمه الله: "الخشوع في الصلاة: أصله خشوع القلب، وهو انكساره لله، وخضوعه، وسكونه عن التفاته إلى غير من هو بين يديه، فإذا خشع القلب خشعت الجوارح كلها تبعا لخشوعه".(فتح الباري لابن رجب (6/ 367).

ويقول ابن تيمية رحمه الله: يدل على وجوب الخشوع في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد تاركيه، كالذي يرفع بصره في السماء، فإن حركته، ورفعه ضد حال الخاشع، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم" فاشتد قوله في ذلك، حتى قال: "لينتهن عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم". (رواه البخاري).
ووصف الله عز وجل الذين أوتوا العلم بالخشوع حين يسمعون كلامه؛ فقال جل شأنه: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}(الإسراء/107 - 109) .

والخشوع طريق إلى أعالي الفردوس: قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}(هود/23)، وقال تعالى: {أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}المؤمنون/10 ، 11).

والخشوع ثبات على منهج الله، قال تعالى: {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم}(الحج/54).
والقلب الخاشع بعيد عن الشيطان : قال سهل : " من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان " . 

ولولا عظم منزلة الخشوع وعلوها ، لما عاتب الله الصحابة أفضل القرون، الذين لم يصلوا إلى تلك المرتبة السامية التي يريدها الله لهم بعد بضع سنين واستبطأهم. قال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون} (الحديد/16 ، 17). 
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن الله استبطأ قلوب المؤمنين ، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن".

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فدعاهم إلى خشوع القلب في ذكره، وما نزل من كتابه، ونهاهم أن يكونوا كالذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وهؤلاء هم الذين {إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا}(الأنفال:2).
والخشوع أول علم يرفع من بين هذه الأمة : عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أول ما يرفع من الناس: الخشوع" .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعـا"..
وقال حذيفة - رضي الله عنه -: "أول ما تفقدون من دينكم: الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم : الصلاة".

نسأل الله تعالى ان يرزقنا الخشوع  وأن يمن علينا بثمراته، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة