إدمان وسائل التواصل

0 512

الشبكة العنكبوتية، شبكة الإنترنت.. ثورة عظيمة وفتح مبين، استفاد منه الدعاة وطلبة العلم، والعاملون في كل مجالات النفع.. كما استفاد منه البطالون وأصحاب العقول القاصرة والهمم القعيدة، فوجد كل ضالته، ولكننا نقصد هنا ما استفاده العاملون في حقل الدعوة وتحصيل العلم النافع والعمل الصالح.

وكما كان وجود الشبكة نعمة، كان ظهور وسائل التواصل تتمة لهذه النعمة، لمن أحسن استغلالها واستخدامها في تحصيل مبتغاه وتوصيل علمه ودعوته للناس.
غير أن مما يؤلم أننا وجدنا أن بعض أهل الفضل وأهل التأثير الدعوي قد وقع في فخ هذه المواقع فأدمنها، وتعلق بها حتى صارت شغله الشاغل، لا يكاد ينفصل عنها ولا يتوقف عن متابعتها، ولا يستطيع فكاكا منها، وصار كمن زلق في الوحل كلما أراد خروجا زاد تعلقا بها..

مصيبة
لقد تحول بعض الطيبين إلى مدمنين لهذه المواقع، وهي ـ كما يقول الأستاذ محمد العوشن ـ مصيبه، ما أعظمها من مصيبة حين يتحول الإيجابيون والمؤثرون وطلبة العلم والدعاة والمستشارون من الإنتاج‏ المعرفي والعلمي، والتطبيق العملي وتحقيق الأهداف، وخدمة المجتمع إلى الاستهلاك فحسب!
. وحين يتحول هؤلاء الصفوة من البحث عن الدقائق الضائعة؛ طمعا في توظيفها والاستفادة منها إلى إهدار الساعات الطوال على توافه شبكة "الإنترنت"!
. وحين يكتفي القادرون على التأثير والتغيير بمجرد المتابعة و"الرتويت" والتفضيل وكتابة تعليق هنا أو هناك!

. إنها مصيبة حين يصبح هم الواحد من هؤلاء -الذين آتاهم الله شيئا من العلم أو الفهم أو الوعي- وهجيراه: متابعة "الواتساب" و"السناب" و"تويتر" و"إنستغرام" للإحاطة بـ ماجريات الشبكة العنكبوتية.
. وحين يكون وقت أحدهم الذي يمضيه على جواله أكثر من الوقت المعطى لكتبه أو درسه أو تلاميذه وصلاته وتلاوته وأهله وأهدافه.
وحين يقدم أولئك القدوات أنموذجا سيئا، وقدوة غير حسنة في التعامل مع مضيعات الأوقات وترتيب الأولويات والتعامل مع التقنيات.
. وحين يتساوى أفاضل القوم وأراذلهم، ويتساوى مثقفوهم وعامتهم في أسلوب التعاطي السلبي والتأثر التبعي بما يتم طرحه في شبكات التواصل.

. إنها مصيبة حين يظن أولئك أنهم فاعلون ومؤثرون لمجرد كونهم رجع صدى لما يطرحه الآخرون، وردة فعل لمبادرات الغير.
. وحين يظن الواحد منهم أن هذه الإضاعة -المجرمة شرعا- هي من باب فقه الواقع أو الاهتمام بأمور المسلمين، وهي لا تعدو أن تكون إدمانا بكل ما للكلمة من معنى، وتطبيقا فعليا لحديث المنهيات الثلاثة (قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).
وحين يتواطأ هؤلاء على التساكت عن هذا الإدمان الإلكتروني؛ لأنهم واقعون فيه، فيشرعنونه بدلا من أن يعالجوه في أنفسهم وفي غيرهم.

ثورة ضد الإدمان
ما أحوجنا لثورة ضد هذا الإدمان الإلكتروني الخطير، يقودها القدوات التائبون ضد هذا الانسياق السلبي الأعمى مع التقنية والشبكات وما يدور فيها!
وما أحوجنا إلى وضع الأطر والأسيجة والعلامات التحذيرية أمام هذا التعلق والهيام والعشق والذوبان في شبكات التواصل مهما تلبس بلبوس حسن، وبدعوى المكاثرة والمزاحمة!

وما أحوجنا إلى مواصلة الإنكار على هذا الإدمان، وتطوير أدوات الإنكار وتنويع أساليبه، وعدم القبول بالأمر تحت ذريعة ماعمت به البلوى!
تنويهات لا بد منها:
1- هذا الحديث السابق.. موجه مني إليك أنت -أيها القارئ- شخصيا! وليس لرجل ثالث تتوهم أنني أقصده وأعنيه.
 فإحدى مشكلاتنا: شعور الواحد منا بأن هذا الكلام ينطبق على (أولئك) وليس عليه (هو)، كما تقوله نظرية الرجل الثالث في التأثير الإعلامي، والتوهم بأنك أنت تقدم نموذجا للاعتدال والاتزان المزعوم في التعامل مع التقنية، مع أنك في الواقع لست كذلك.

2- حذار من أن تعتبر حديثي هذا موجها للأسماء الشهيرة التي ذاع صيتها، من المشايخ والدعاة المعروفين، بل حديثي لك أنت؛ فكم من أدوار ومهام وأعمال تنتظر هبتك، ووقتك، وهمتك، وكم من مساحات من التأثير تحتاج لمثلك كي يقوموا بها، ويؤثروا من خلالها؛ فلم تعد صغيرا على التأثير، ونظرتك لنفسك على أنك لست الشخص المناسب للتأثير، هي مشكلة أخرى تحتاج إلى أن تتعالج منها.

3- إنما يقاس حجم المشكلة بالتفكير في الفرص البديلة؛ فكم من الوقت تمضيه على جوالك؟ وما المهام التي كان بالإمكان إنجازها لو انقطعت شبكة "الإنترنت" لمدة أسبوع عن العالم كله؟

4- أستثني من بعض حديثي هذا من كانت مشاريعهم الدعوية والتعليمية قائمة على توظيف تلك التقنيات لإيصال رسالتهم بشكل جاد ومستمر وممنهج؛ فهؤلاء على ثغر عظيم يمكنهم من خلاله إنقاذ من يمكن إنقاذه، وتوظيف التقنية لخدمة أهدافهم، بدلا من أن توظفهم التقنية لخدمة أهدافها.

5- هذا التذكير لا يعني أن محدثكم سالم معافى، وإنما رجل أحس بالخطر فأراد أن يحذر منه، عسى أن ندخل في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: 110]، وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: [والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم].
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة