مخالفة الهوى طريقك إلى الجنة

0 650

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره واهتدى بهداه، وبعد:
فإن الله تعالى قد بين لعباده أن طريق النجاة من النار والفوز بالجنة إنما يكون بمجاهدة النفس ومخالفة هواها وعدم الانجرار وراء الرغبات والشهوات، فقال تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فإن الجنة هي المأوى}(النازعات:40-41). قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (أي: خاف القيام بين يدي الله؛ فلهذا نهى نفسه عن هواها المحرم، أي: نهاها عن المعاصي التي تهواها النفس، وهذا هو الذي له الجنة والكرامة، فإن النفس قد تميل إلى الزنا والخمر والربا، وإلى أشياء أخرى مما حرم الله، وتهوى ذلك لأسباب، فإذا وفق الله المؤمن أو المؤمنة لمحاربة هذا الهوى ومخالفته وعدم الانصياع إليه صار هذا من أسباب دخول الجنة).
فينبغي على العاقل اللبيب أن يكون لهواه مسوفا، ولعقله مسعفا، وأن ينظر إلى ما تسوء عاقبته فيوطن نفسك على مجانبته، فإن ترك النفس وما تهوى داؤها، وترك ما تهوى دواؤها، فيصبر على الدواء كما يخاف من الداء.
ومما يعين العبد على مخالفة الهوى معرفته بربه وخوفه منه وحذره من عقابه وتفكره فيما هو مقبل عليه من من أهوال عظام من نزول الموت بساحته ولبثه في قبره وبعثه ونشوره ووقوفه بين يدي ربه للحساب وانصرافه إما إلى جنة وإما إلى نار. إن العبد الذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية ربه، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة، فظل في دائرة الطاعة.
والخوف من الله عز وجل هو الحاجز الصلب أمام عواصف الهوى العنيفة، وهو الذي يكبح جماح النفس إلى المعصية، فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان، وكل معصية، وهو أساس البلوى، وينبوع الشر، وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قبل الهوى.

وحقيقة الأمر أنهما طريقان لا ثالث لهما، إما طريق الاستقامة والاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإما السير في طريق الهوى والغفلة، قال الله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}(الجاثية: 18).
وقال: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}(الكهف:28).
وقال سبحانه: {ياداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} (ص: 26).
قال ابن القيم رحمه الله: (مخالفة الهوى تقيم العبد في مقام من لو أقسم على الله لأبره؛ فيقضي له من الحوائج أضعاف أضعاف ما فاته من هواه، فهو كمن رغب عن بعرة فأعطي عوضها درة، ومتبع الهوى يفوته من مصالحه العاجلة والآجلة والعيش الهنيء ما لا نسبة لما ظفر به من هواه ألبتة).
إن الحياة الحقيقية والسعادة الأبدية في مخالفة الهوى والاستجابة لله ولرسوله: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}(الأنفال:24).
وإذا لم يجاهد العبد نفسه ويخالف هواه، وإذا استجاب لداعي الهوى كلما دعاه فقد اتخذ إلهه هواه: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا}.(الفرقان:43).

قال قتادة- رحمه الله تعالى-: (إن الرجل إذا كان كلما هوي شيئا ركبه، وكلما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، فقد اتخذ إلهه هواه).
وقال الحسن البصري- رحمه الله تعالى-: الهوى شر داء خالط قلبا.

إذا ما رأيت المرء يقتاده الهوى                 فقد ثكلته عند ذاك ثواكله
وقد أشمت الأعداء جهلا بنفسه               وقد وجدت فيه مقالا عواذله
وما يردع النفس اللجوج عن الهوى      من الناس إلا حازم الرأي كامله

وأمثال هؤلاء المتبعين لأهوائهم ضرب الله لهم أبشع الأمثلة فشبههم بالحيوانات: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}(الفرقان:44).
وشبه من كان هذا حاله بالكلب: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث}(الأعراف: 175، 176).
كما شبههم بالحمر في قوله سبحانه: {فما لهم عن التذكرة معرضين . كأنهم حمر مستنفرة . فرت من قسورة } (المدثر: 49 – 51).
ولقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباع الهوى من المهلكات، فقال: " وأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه".
وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم و فروجكم ، و مضلات الهوى".
وما ذكر الهوى في كتاب الله إلا مذموما كما قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: (ما ذكر الله- عز وجل- الهوى في موضع من كتابه إلا ذمه).

ومجامع الهوى خمسة أمور جمعها الله في قوله سبحانه: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد: 20].
ومن اتبع هواه وسد على نفسه أبواب الهداية، ولج في دروب الغواية، فإن الله لا يهديه، وما ظلمه الله، ولكن هو ظلم نفسه باتباع هواه فمن يهديه من بعد الله؟.
{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} (الجاثية: 23).

خالف هواك:
قال ابن الجوزي رحمه الله : (اعلم أن مطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة، من غير فكر في عاقبة، ويحث على نيل الشهوات عاجلا، وإن كانت سببا للألم والأذى في العاجل، ومنع لذات في الآجل؛ فأما العاقل فإنه ينهى نفسه عن لذة تعقب ألما وشهوة تورث ندما، وينبغي للعاقل أن يتمرن على دفع الهوى المأمون العواقب؛ ليستمر بذلك على ترك ما تؤذي غايته .
فإن قال قائل : فكيف يتخلص من هذا من قد وقع فيه ؟ قيل له : بالعزم القوي في هجران ما يؤذي، والتدرج في ترك ما لا يؤمن أذاه؛ وهذا يفتقر إلى صبر ومجاهدة يهونهما سبعة أشياء:

أحدها : التفكر في أن الإنسان لم يخلق للهوى؛ وإنما هيئ للنظر في العواقب والعمل للآجل .
والثاني : أن يفكر في عواقب الهوى .
والثالث : أن يتصور العاقل انقضاء غرضه من هواه ثم يتصور الأذى الحاصل عقيب اللذة .
والرابع : أن يتصور ذلك في حق غيره، ثم يتلمح عاقبته بفكره؛ فإنه سيرى ما يعلم به عيبه إذا وقف في ذلك المقام .
والخامس : أن يتفكر فيما يطلبه من اللذات؛ فإنه سيخبره العقل أنه ليس بشيء؛ وإنما عين الهوى عمياء .
والسادس : أن يتدبر عز الغلبة وذل القهر؛ فإنه ما من أحد غلب هواه إلا أحس بقوة عز .
والسابع : أن يتفكر في فائدة المخالفة للهوى من اكتساب الذكر الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة).
فحري بالعبد أن يلح في سؤال ربه الهدى ، ويحذر من هوى نفسه: {قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير}(البقرة: 120).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه تبارك وتعالى بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك الهدى و التقى، والعفاف والغنى".

فاللهم اهدنا وسددنا وجنبنا مضلات الأهواء والفتن ما ظهر منها وما بطن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة