أبْواب الجَنَّة

0 991

 الجنة دار الله ودار كرامته، ومحل خواصه وأوليائه وعباده الصالحين، وفي الجنة نعيم لا مثيل له، ليس له في الدنيا نظير ولا شبيه. وقد جاء وصف الجنة في الكثير من الآيات القرآنية، ومن ذلك قول الله تعالى: {وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}(آل عمران:133)، وقوله سبحانه: {مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا}(الرعد:35)، وقوله عز وجل: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم}(محمد:15).
والنبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يخبر عن الجنة بما يشوق النفوس إليها ويشحذ الهمم لطلبها والسعي لها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}(السجدة:17). وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم: {وظل ممدود}(الواقعة:30)، وموضع سوط (آلة الضرب التي تتخذ من الجلد) في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرؤوا إن شئتم: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}(آل عمران:185)) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينادي مناد (أي: على أهل الجنة): إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، فذلك قوله عز وجل: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}(الأعراف:43)) رواه مسلم.

وللجنة أبواب يدخل منها المؤمنون كما يدخل منها الملائكة، قال الله تعالى: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب}(ص:50)، وقال عز وجل: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب}(الرعد:23)،وقال تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}(الزمر:73). وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنة تفتح أبوابها في رمضان، وفي يوم الاثنين والخميس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس..) رواه مسلم.
والآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر أبواب الجنة لم يرد فيها التنصيص على عدد تلك الأبواب، وأما الأحاديث النبوية فقد بينت أن عدد أبواب الجنة ثمانية، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة، منها:

1 ـ عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ، ـ أو فيسبغ الوضوء ـ، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) رواه مسلم. قال ابن هبيرة في "الفصاح عن معاني الصحاح": "وفيه من الفقه أن أبواب الجنة ثمانية يدخل من أيها شاء، أي أن كل باب منها له أهل، فإن باب الصدقة يدخل منه المتصدقون، وباب الجهاد يدخل منه المجاهدون، والريان يدخل من الصائمون، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تلك الأعمال فرع على هذا الأصل من إقامة الشهادتين، فإذا أتى بهما كان مخيرا في الفروع من أي أبواب الجنة شاء أن يدخل، من باب الصدقة أو من باب الجهاد أو غير ذلك".
2 ـ وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في الجنة ثمانية أبواب: باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون) رواه البخاري. قال ابن حجر في "فتح الباري": "وقد وردت هذه العدة لأبواب الجنة في عدة أحاديث". وقال المناوي في "فيض القدير شرح الجامع الصغير": "قال الحكيم الترمذي: وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر باب الصلاة، باب الزكاة، باب الجهاد، باب الصدقة، باب الحج، باب العمرة، باب الكاظمين الغيظ، باب الراضين.. والظاهر أن الأبواب الأصول ثمانية وما زاد عليها كالخوخ (الأبواب الصغيرة) المعهودة". وقال القسطلاني في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري": "(في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون) مجازاة لهم لما كان يصيبهم من العطش في صيامهم".
3 ـ وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (صغار لم يبلغوا سن التكليف) إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني. قال ابن حجر: "وهذا (التخيير بين أبواب الجنة الثمانية) زائد على مطلق دخول الجنة".
4 ـ وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله، وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء) رواه مسلم. قال ابن حجر: "وقوله (أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة شاء) يقتضي دخوله الجنة وتخييره في الدخول من أبوابها". وقال السيوطي في "الديباج على صحيح مسلم": "(أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء). قال ابن العربي في شرح الترمذي: الذين يدعون من أبواب الجنة الثمانية أربعة، الأول هذا، والثاني: من مات يؤمن بالله واليوم الآخر، والثالث: من أنفق زوجين في سبيل الله وحديثه في الصحيح، والرابع: من قال بعد الوضوء أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وحديثه في مسلم. قلت (السيوطي): هم أكثر من ذلك وقد استوعبتهم في كتاب البعث".

للجنة ثمانية أبواب، وهذه الأبواب كل باب يخص بعمل، فالصدقة باب، والجهاد باب، فمن كان منفردا بعد أداء فرائضه بباب واحد منها دعي من ذلك الباب، ومن كان بعد أداء فرائضه قد عامل الله عز وجل بها كلها، وسلك في جميعها بأسرها، فإنه ينادى منها كلها، وممن ينادى منها كلها أبو بكر الصديق رضي الله عنه بشهادة رسو الله صلى الله عليه وسلم له. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل االله، دعي من أبواب، - يعني الجنة، - يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، وباب الريان، فقال أبو بكر: هل يدعى منها كلها أحد يا رسول االله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر) رواه البخاري.
قال الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن": "(زوجين من شيء من الأشياء) فسر بدرهمين، أو دينارين، أو مدين من طعام، وما يضاهي تلك الأشياء. ويحتمل أن يراد به تكرار الإنفاق مرة بعد أخرى، أي يتعود ذلك ويتخذه دأبا".
وقال القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم": "وذكر مسلم في هذا الحديث من أبواب الجنة أربعة، وزاد غيره بقية الثمانية، فذكر فيها: باب التوبة، وباب: الكاظمين الغيظ، وباب: الراضين، والباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه، حكاه القاضي أبو الفضل". وقال في "التذكرة": "قيل الدعاء من جميعها دعاء تنويه وإكرام، ثم يدخل من الباب الذي غلب عليه العمل".
وقال ابن حجر: "ويحتمل أن يكون المراد بالأبواب التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الأصلية، لأن الأعمال الصالحة أكثر عددا من ثمانية والله أعلم.. وفي الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها.. وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة، لا واجباتها، لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها، بخلاف التطوعات، فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات. ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب: على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد، ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه، والله أعلم".

الأحاديث النبوية صريحة في أن أبواب الجنة ثمانية، قال ابن عبد البر في "الاستذكار ": "وقد قيل إن للجنة ثمانية أبواب، وأبواب جهنم سبعة - أجارنا الله منها ـ، فأما أبواب جهنم ففي كتاب الله ما يكفي في ذلك المعنى قال الله عز وجل: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب}(الحجر:44:43). وأما أبواب الجنة فموجودة في السنة من نقل الآحاد العدول الأئمة، وقد ذكرنا في "التمهيد" أحاديث كثيرة تشهد بما قلنا إن أبواب الجنة ثمانية".
وأبواب الجنة الثمانية واسعة المداخل، وقد ورد في بيان سعتها أحاديث كثيرة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه عن خالد بن عمير العدوي قال: (خطبنا عتبة بن غزوان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة) رواه مسلم. وعن كرز بن علقمة الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما) رواه أحمد وصححه الألباني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى) رواه مسلم.
قال النووي: "المصراعان بكسر الميم جانبا الباب، وهجر بفتح الهاء والجيم وهي مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين.. وأما بصرى فبضم الباء وهي مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل وهي مدينة حوران وبينها وبين مكة شهر". وقال ابن هبيرة: "وتلك المواضع كلها متقاربة في البعد، فهذا مما يدل على عظم سعة ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ". وهذه الأماكن (هجر وبصرى) كان بعدها معلوما من الصحابة في ذلك الزمن، فبصرى كانت مقصدا لتجارتهم في جهة الشام، وهجر تجارتهم إلى البحرين في المشرق. وقال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير": "واعلم! أنه قد ورد: (أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر)، وعند أحمد: (ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاما) .. ولعله يقال: إن أبواب الجنة الثمانية هي التي لها السعة، وهي مختلفة، منها ما هو في غاية السعة كما في حديث أحمد، ومنها ما هو دونه كما في الحديث الأول". 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة