إيقاظ الأفئدة بذكر النار الموقدة

0 0

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن من أنفع الأدوية لعلاج غفلة القلب تذكير هذه القلوب بالنار وتخويفها من عذاب الجبار.
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "إنما نزل أول ما نزل منه (أي: من القرآن) سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} ".
وقال الحسن البصري رحمه الله: "والله ما صدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صدق بها حتى يتجهم في دركها، والله ما أنذر العباد بشيء أدهى منها".
وقال موسى بن سعد: "كنا إذا جلسنا إلى سفيان كأن النار قد أحاطت بنا لما نرى من خوفه وجزعه".

من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل: {قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين . فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم . إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} [الطور:26-28] .

يقول مالك بن دينار رحمه الله: "لو وليت من أمر الناس شيئا لأقمت رجالا على منارات الدنيا يصيحون في الناس: النار النار".

أما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال لـ كعب الأحبار: "إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها بذكر النار، قال: يا أمير المؤمنين، يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، فإذا زفرت زفرة فما من دمعة في العيون إلا وبدت، وإذا زفرت الأخرى فما من نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا وجثا على ركبتيه، وقال: نفسي نفسي، حتى لو كان لك يا أمير المؤمنين عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت أنك لا تنجو".

خوف السلف من النار
رأى مالك بن دينار رحمه الله جويرية متعبدة تطوف بالكعبة وتقول: يا رب! أما كان لك عذاب تعذب به من عصاك إلا النار؟! وظل هذا دأبها وقولها من الصباح، فوضع مالك يده على رأسه وقال: يا ثكلاه! ثكلت أم مالك مالكا، ثكلت أم مالك مالكا، إذا كان هذا قول الجويرية فما ظنك بـمالك؟.

إنها النار التي بكى من ذكرها الصالحون: يبكي يزيد الرقاشي، ثم يعاتب في كثرة البكاء ويقال له: لو لم تخلق النار إلا لك لما كان في بكائك مزيد، فيقول: وهل خلقت النار إلا لي ولإخواني من الجن والإنس، أما تسمع قول الله عز وجل: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} [الرحمن:31]، ثم ظل يقرأ من سورة الرحمن حتى وصل إلى قول الله عز وجل: {هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن}  [الرحمن:43-44]، فظل يجول في الدار ويصيح ويبكي.

ومرض عند ذكر عذابها بعض الصالحين: ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع قارئا يقرأ من سورة الطور: {إن عذاب ربك لواقع (7) ما له من دافع} فصاح صيحة خر مغشيا عليه، فحمل إلى أهله فلم يزل مريضا شهرا.

وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه: "قدمت المدينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر، فانتهيت إليه وهو يصلي بأصحابه صلاة المغرب، فسمعته يقول: {إن عذاب ربك لواقع (7) ما له من دافع} فكأنما صدع قلبي...".

بل ومات من ذكرها بعض الصالحين: هذا علي بن الفضيل بن عياض يقوم في تهجده فيقرأ قول الله عز وجل: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}  [الأنعام:27] فظل يرددها حتى خرجت روحه، فيأتيه والده الفضيل فيقول: أي ابناه! واقتيل النار! واقتيل القرآن! واقتيل جهنماه! والله ما قتل ابني إلا الخوف من عذاب الله.

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "يخرج عنق من النار له لسان فصيح، وعينان تبصران، وأذنان تسمعان، يقول: إني وكلت بكل جبار عنيد، فيلتقطهم من الموقف لقط الطير حب السمسم، ثم يخرج مرة ثانية فيقول: إني وكلت بكل من دعا مع الله إلها آخر، فيلتقطهم من الموقف لقط الطير حب السمسم، ثم يخرج مرة ثالثة، فيقول: إني وكلت بالمصورين، فإذا حبس هؤلاء في النار أتي بالصحف وجيء بالموازين، واستعد الناس للحساب" [صححه الألباني].

ولا تعجب فإن الله عز وجل يقول: {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام}[الرحمن:41]، قال الحسن وقتادة: يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون. وقوله: {فيؤخذ بالنواصي والأقدام} أي: تجمع الزبانية ناصيته مع قدميه، ويلقونه في النار كذلك. وقال الضحاك: يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره.

وقال الله تبارك وتعالى: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا }[الإسراء:97].
وقال الله تبارك وتعالى: {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر} [القمر:48].

يخلق الله عز وجل للنار إدراكا وإحساسا، فهي نار تتكلم، {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} [ق:30].
ويقول الله تبارك وتعالى عن النار: {إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا} [الفرقان:12].
ويكفي في بشاعتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو كان في هذا المسجد مئة ألف أو يزيدون، وفيهم رجل من أهل النار فتنفس، فأصابهم نفسه؛ لاحترق المسجد ومن فيه)[مسند البزار].

طعام أهل النار
طعام أهل النار أربعة أصناف:
الطعام الأول من الشجرة المعلونة الزقوم: قال الله تبارك وتعالى: {أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم * إنا جعلناها فتنة للظالمين * إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنه رءوس الشياطين * فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون} [الصافات:62-66].
هذه الشجرة الملعونة جعلها الله فتنة للظالمين، وعهد أبناء الدنيا أن النار تأكل الشجر، فما بالك بهذه الشجرة التي لا تترعرع إلا في النار، ويكون مستقرها في قعر الجحيم، ومع هذا لا يزيدها ذلك إلا ترعرعا في قعرها {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم}[الصافات:64].
وقال الله تبارك وتعالى: {إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم}  [الدخان:43-46].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم" فكيف بمن يكون الزقوم طعامه وشرابه؟!!.

وأما الصنف الثاني فهو الضريع: والضريع نبات تعرفه العرب، فإذا كان أخضر تعافه الماشية، فإذا كان يابسا صار سما خالصا، سبحان الله! فمعنى هذا أن طعام أهل النار الثاني وهو الضريع طعام تعافه الماشية في دار الدنيا.

أما الطعام الثالث طعام ذو غصة: فلقد قال الله تبارك وتعالى: {إن لدينا أنكالا وجحيما * وطعاما ذا غصة وعذابا أليما} [المزمل:12-13]. قال ابن عباس: "شوك يلتقمه أهل النار فيأخذ بعروق الحلوق، لا يدخل ولا يخرج".
فتصور لو أن إنسانا أكل لقمة فوقفت في حلقه لا تدخل ولا تخرج، كيف يكون حاله؟ بين الحياة والموت، هذا بلقمة، فما ظنك بشوك يأخذ بعروق الحلوق لا يدخل ولا يخرج.
ومن طعامهم الغسلين، قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله: لو دلي من غسلين دلو في مشرق الشمس لغلت منه جماجم قوم في مغربها. والغسلين هذا يسيل من قروح وقيح وصديد أهل النار.

شراب أهل النار
أما عن شراب أهل النار: 
فهناك المهل: قال الله تبارك وتعالى: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا} [الكهف:29]، فهو ماء أسود كعكر الزيت المغلي، فهي نار سوداء، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة ، كالليل المظلم".
وأهلها سود مقبوحون {كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما}[يونس:27].

وهناك الصديد: قال الله تبارك وتعالى: {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد * من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد * يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ} [إبراهيم:15-17].

وهناك الزمهرير: وهو الشراب البارد الذي يحرق من شدة البرد، وهناك الحميم، وهو الذي بلغ أقصى درجات الغليان، {هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن} [الرحمن:43-44]، وشراب أهل النار طينة الخبال. فهذا طعامهم وهذا شرابهم.

ثياب أهل النار
أما عن ثيابهم فقد قطعت لهم ثياب من نار، كما قال الله عز وجل: {سرابيلهم من قطران}[إبراهيم:50]، قال سعيد بن جبير : قطران الإبل، وقال ابن عباس : إنه الرصاص المذاب.
وقال الله تبارك وتعالى: {لهم من جهنم مهاد }[الأعراف:41] أي: الأسرة من نار، {ومن فوقهم غواش}  [الأعراف:41] واللحف أيضا من نار.

بكاء أهل النار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بكاء أهل النار: "إن أهل النار يبكون الدمع، ثم يبكون الدم حتى لو سيرت فيه السفن لجرت".
وكان من دعاء داود: يا رب! إني لا أستطيع حر شمسك فكيف أستطيع حر نارك؟! يا رب! إني لا أستطيع سماع صوت رحمتك -وهو الرعد- فكيف أستطيع سماع صوت غضبك؟!.

وكيف لا يطول بكاؤهم ونحيبهم وهم في غم وهم وعذاب شديد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، قالوا: إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها ونارها" [وأصله في الصحيحين].

قبح وبشاعة أهل النار
أما عن قبح وبشاعة أهل النار -أجارنا الله منها- فإن الفضيل بن عياض في موعظته للرشيد كان يقول: يا مليح الوجه حذار من نار الله عز وجل، حذار من نار الله عز وجل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضرس الكافر في النار مثل جبل أحد، وبعد ما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام).
معلوم أن الجلد هو مركز الإحساس الأول في الجسم، وتنتهي فيه كل أطراف الأعصاب، فإذا زادت درجة الحرارة على أطراف الأعصاب تتلف هذه الأعصاب، فلا يحس الإنسان لا بحرارة ولا ببرودة، ولذا يقول الله عز وجل: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب}  [النساء:56]، وكلما سمك الجلد أحس الإنسان بألم العذاب أكثر، {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}  [النبأ:30].
قال أبو هريرة: شفاههم على صدورهم، مقبوحون مرذولون، تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ككلوح الرأس النضيج.

سلاسل أهل النار
أما عن السلاسل التي أعدت لهم فكما قال الله عز وجل: {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد} [الفجر:25-26]. هذه الأغلال والقيود ما سمع بها البشر. قال الله تبارك وتعالى: {إن لدينا أنكالا وجحيما} [المزمل:12]، والأنكال هي القيود والسلاسل التي توضع بالرجل.

إن أسير الدنيا يوما من الأيام تفك قيوده، فيفرج عنه أو ينتهي به الأمر إلى الموت، أما أسير الآخرة فلا تفك قيوده أبدا، ولا تفصم غلوله أبدا، فهو الأسير حقا، والله ما سلسلهم الله عز وجل خوفا من انفلاتهم، ولا خوفا من هربهم، وإنما سلسلهم زيادة في ذلهم، قال الله عز وجل: {فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون} [غافر:70-71]. فتجمع اليد إلى العنق بالأغلال كما قال الله عز وجل: {خذوه فغلوه} (الحاقة:30). أي: ضعوا الأغلال في عنقه {ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} [الحاقة:32].

كفر التابعين بالمتبوعين في النار
هؤلاء الذين كان يملي بعضهم لبعض في الضلال يكفر بعضهم ببعض يوم القيامة، ويلعن بعضهم بعضا، {كلما دخلت أمة لعنت أختها}[الأعراف:38]، فهم يقولون: {ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين}[فصلت:29].
شعارهم: {لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار}[ص:59].
قال الله عز وجل: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون}[يس:59] أي: تفرقوا اليوم أيها المجرمون، فكل منهم في تابوت من نار لا يرى ولا يرى.

لا مواساة: قال الله عز وجل: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}[الزخرف:39] فالمتعارف عليه في الدنيا أن أهل المصائب حين تجمع بينهم المصيبة الواحدة هذا يهون البلاء عليهم كما قالت الخنساء :
ولولا كثرة الباكين حولي .. .. على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن .. . أعزي النفس عنه بالتأسي
والمعنى: أنهم يبكون فيواسيني بكاؤهم، وإن كانوا لا يبكون مثل أخي، والذي مات ليس كأخي، لكن نحن في مصيبة واحدة.
وأما أهل النار فقد انقطع التواصل بينهم، {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}.

صياح أهل النار ونداؤهم
قال الله تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب * قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}[غافر:49-50].
وقال الله تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون}[الزخرف:77]، يطول صمت مالك مئات السنين، فإذا أجابهم قال: إنكم ماكثون، بعد هذه المدة يكون هذا الجواب، ما أطول المدة وما أمر الجواب!.

خطيب جهنم ونداءات أهل النار
إذا كان خطيب أهل الجنة هو سيدنا داود، والذي إذا تلى القرآن في الجنة أنسى أهل الجنة نعيم الجنان، فإن خطيب أهل النار هو الشيطان {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل}  [إبراهيم:22]، فتبرأ منهم بعد أن أوردهم المهالك؟!.
فإذا سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، فينادون: {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون} [غافر:10]،
فينادون ربهم: {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} [إبراهيم:44] فيجيبهم الله عز وجل: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال * وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال} [إبراهيم:44-45].
يقولون: {ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل} [فاطر:37]، فيجيبهم الله عز وجل: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}  [فاطر:37].
يقولون: {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون}  [المؤمنون:106-107]، فيجيبهم الله عز وجل: {اخسئوا فيها ولا تكلمون}  [المؤمنون:108].

أيها الإخوة:
إن هذه النار التي أعدت للكافرين متوعد بها أيضا مدمن الخمر، وقاطع الرحم، والمصدق بالسحر، والمنان والنمام، والذين يكنزون الذهب والفضة ولا يخرجون حقها من الزكاة، والذين يعذبون الناس في الدنيا، والذي يقارف الفاحشة ويأكل أموال الناس بالباطل. وأصناف من القضاة في النار، ومن غش رعيته فهو في النار، ومن اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار، والذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم، والذين يأكلون أموال اليتامى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} [النساء:10]. وأكلة الربا، والذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة...

يا عباد الله فاتقوا الله، واتقوا النار، اتقوا النار بالبكاء من خشية الله، فلن يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع. وعينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله (رواه البخاري ومسلم). ومن صام يوما في سبيل الله زحزح الله عن النار سبعين خريفا (رواه البخاري ومسلم).

تعوذوا بالله من النار فهذا دأب الصالحين الذاكرين. فلله ملائكة سياحون يمرون بمجالس الذكر ثم يسألهم ربهم عن أحوال الذاكرين، فيقول لهم وهو أعلم بهم: مم يتعوذون؟ فيقولون: من النار. فيقول: وهل رأوها؟ قالوا: لا. والله ما رأوها. فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد منها مخافة؟ قال فيقول: إني أشهدكم أني قد غفرت لهم (رواه البخاري ومسلم). وفي مسند أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة: ما سأل رجل مسلم الجنة ثلاثا، إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ولا استجار رجل مسلم من النار ثلاثا، إلا قالت النار: اللهم أجره مني.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: "سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذا بالله من النار".

وفي الحديث: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال".
اللهم أجرنا من النار، اللهم باعد بيننا وبين النار كما باعدت بين المشرق والمغرب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة