(العَفْوُّ) مِنْ أسماءِ الله تعالى الحُسْنَى

0 383

 

العلم بأسماء الله الحسنى له فوائد وفضائل كثيرة وعظيمة، منها: معرفة الله عز وجل، وسؤاله ودعاؤه بها، وتعميق حبه سبحانه في القلوب، والأدب معه، وتزكية النفوس، ودخول الجنة. قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(الأعراف:180). قال الشوكاني في "فتح القدير": "هذه الآية مشتملة على الإخبار من الله سبحانه بما له من الأسماء على الجملة دون التفصيل، والحسنى تأنيث الأحسن أي التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول، ثم أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة فإنه إذا دعي بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة". وقال السعدي: "{فادعوه بها} وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلا: اللهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب علي يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف، ونحو ذلك".

وأسماء الله تعالى ـ كما هو مقرر عند أهل السنة ـ توقيفية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، فلا يزاد فيها ولا ينقص. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري. قال النووي: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)".
وقال الشيخ ابن عثيمين: "أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص، لقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا}(الإسراء:36).. ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص".

و"العفو" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، ومعناه: الذي يمحو السيئات ويتجاوز عنها، جاء في تحفة الأحوذي: "العفو: فعول من العفو، وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي.. والعفو ينبئ عن المحو، وأصل العفو المحو والطمس". وقال الزجاج: "والله تعالى عفو عن الذنوب، تارك العقوبة عليها". وقال الخطابي: "العفو: الصفح عن الذنوب، وترك مجازاة المسيء". وقال الحليمي: "العفو، معناه: الواضع عن عباده تبعات خطاياهم وآثارهم، فلا يستوفيها منهم، وذلك إذا تابوا واستغفروا، أو تركوا لوجهه أعظم مما فعلوا، فيكفر عنهم ما فعلوا بما تركوا".
وقال السعدي في "الحق الواضح المبين": "والله تعالى حليم عفو، فله الحلم الكامل، وله العفو الشامل، ومتعلق هذين الوصفين العظيمين معصية العاصين، وظلم المجرمين، فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة، وحلمه تعالى يقتضي إمهال العاصين، وعدم معاجلتهم ليتوبوا، وعفوه يقتضي مغفرة ما صدر منهم من الذنوب خصوصا إذا أتوا بأسباب المغفرة من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة. وحلمه وسع السماوات، والأرض، فلولا عفوه ما ترك على ظهرها من دابة، وهو تعالى عفو يحب العفو عن عباده، ويحب منهم أن يسعوا بالأسباب التي ينالون بها عفوه من السعي في مرضاته، والإحسان إلى خلقه. ومن كمال عفوه أن المسرفين على أنفسهم إذا تابوا إليه غفر لهم كل جرم صغير وكبير، وأنه جعل الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها".

وقد ورد اسم الله عز وجل "العفو" في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ومن ذلك:

ـ قال الله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا}(النساء:43). قال الطبري: "أي: إن الله لم يزل عفوا عن ذنوب عباده، وتركه العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به".
ـ وقال سبحانه: {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا}(النساء:99).
ـ وقال عز وجل: {إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا}(النساء:149). قال ابن كثير: "فإن من صفاته تعالى أن يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم. ولهذا قال: {فإن الله كان عفوا قديرا}". وقال السعدي: "أي: يعفو عن زلات عباده وذنوبهم العظيمة فيسدل عليهم ستره، ثم يعاملهم بعفوه التام الصادر عن قدرته. وفي هذه الآية إرشاد إلى التفقه في معاني أسماء الله وصفاته".
ـ وقال تعالى: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور}(الحج:60).
وقال عز وجل: {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور}(المجادلة:2).

ـ وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قلت: يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال: تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) رواه أحمد.
ـ وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع (يترك) هؤلاء الدعوات حين يمسي، وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) رواه أبو داود وصححه الألباني.

وقال ابن القيم في قصيدته "النونية":
وهو العفو فعفوه وسع الورى    لولاه غار الأرض بالسكان
قال الشيخ الهراس: "ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع، غفر له جميع جرمه.. ولولا كمال عفوه وسعة حلمه سبحانه، لغارت الأرض بأهلها لكثرة ما يرتكب من المعاصي على ظهرها، فنسأله سبحانه أن يعفو عنا بمنه وكرمه". وقال السعدي: "والعفو هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب، ولا سيما إذا أتوا لما يسبب العفو عنهم من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وهو عفو يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه: من السعي في مرضاته، والإحسان إلى خلقه، ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع، غفر له جميع جرمه: صغيره، وكبيره، وأنه جعل الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها".

وحظ العبد من اسم الله العفو: كثرة الدعاء باسم الله العفو، وسؤال الله العفو والعافية. وقد حث الله تعالى عباده على العفو والصفح وقبول الأعذار، والتيسير علي المعسرين طلبا لعفو الله عند لقائه. قال الله تعالى: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور}(الحج:60). قال السعدي: "أي: يعفو عن المذنبين، فلا يعاجلهم بالعقوبة، ويغفر ذنوبهم فيزيلها، ويزيل آثارها عنهم، فالله هذا وصفه المستقر اللازم الذاتي، ومعاملته لعباده في جميع الأوقات بالعفو والمغفرة، فينبغي لكم أيها المظلومون المجني عليهم، أن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ليعاملكم الله كما تعاملون عباده {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}(الشورى:40)". وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا، قالوا: تذكر، قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر، قال: قال الله عز وجل: تجوزوا عنه) رواه مسلم.
قال ابن القيم: "وحقيقة الأمر أن العبد فقير إلى الله من كل وجه وبكل اعتبار.. فقير إليه من جهة معافاته له من أنواع البلاء، فإنه إن لم يعافيه منها هلك ببعضها، وفقير إليه من جهة عفوه عنه ومغفرته له، فإن لم يعف عن العبد ويغفر له، فلا سبيل إلى النجاة، فما نجا أحد إلا بعفو الله". وقال السعدي: "العفو، الغفور، الغفار الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها، قال تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}(طه:82)".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة