من صفات الله جل وعلا

0 604

الله عز وجل ليس كمثله شيء، فإنه سبحانه الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، الذي دلت النصوص والعقول على أنه لا نظير له سبحانه وتعالى، فلا مثيل له في ربوبيته، ولا مثيل له في إلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11). قال القرطبي: "والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلي صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به {ليس كمثله شيء}". وقال السعدي: "{ليس كمثله شيء} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه.. وهذه الآية ونحوها، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، من إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات. وفيها رد على المشبهة في قوله: {ليس كمثله شيء} وعلى المعطلة في قوله: {وهو السميع البصير}".
وأسماء الله تعالى وصفاته توقيفية مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. وأهل السنة يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه ـ من أسماء وصفات ـ في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما ينفون ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الله عز وجل أعلم بنفسه من غيره، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بربه. قال ابن عبد البر: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها". قال أبي عبد الله بن بطة في "الإبانة الكبرى": "من علامات المؤمنين أن يصفوا الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، مما نقلته العلماء، ورواه الثقات من أهل النقل، الذين هم الحجة فيما رووه من الحلال والحرام والسنن والآثار، ولا يقال فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف؟ ولا لم؟ بل يتبعون ولا يبتدعون، ويسلمون، ولا يعارضون، ويتيقنون ولا يشكون ولا يرتابون". وقال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية": "ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات".

ومن صفات الله تعالى صفة "العجب"، وهي صفة تليق بجلال الله وعظمته، ولا تشبه صفة العجب عند المخلوق، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11). والقول في صفة "االعجب" كالقول في سائر صفات الله عز جل، وهو الإيمان بأن الله تعالى "يعجب" وعجبه سبحانه ليس كعجب المخلوقين، بل هي صفة تليق بعظمته سبحانه، مثل الغضب والرضى والغيرة.. ونحو ذلك من صفات الله عز وجل. قال أبو القاسم الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة": "وجميع آيات الصفات التي في القرآن، والأخبار الصحاح في الصفات التي نقلها أهل الحديث، واجب على جميع المسلمين أن يؤمنوا بها.. وغيرة الله تعالى، وفرحه بتوبة العبد، وغير ذلك مما صح عنه وثبت، فعلى العبد أن يؤمن بجميع ذلك، ولا يؤوله تأويل المخالفين، ولا يمثله تمثيل الممثلين، ولا يزيد فيه، ولا ينقص عنه.. هذا مذهب أهل السنة، وما وراء ذلك بدعة وفتنة، ثبتنا الله على الطريقة المستقيمة بمنه وفضله". وقال ابن تيمية: "القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، فمن آمن ببعض صفات الله كالسمع والبصر والقدرة، مثلا، وجب عليه الإيمان ببقية صفات الله الثابتة له، كالمحبة والرضا والغضب والغيرة، ونحو ذلك". وقال الشيخ ابن عثيمين: "(العجب) من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف.. وأجمع السلف على ثبوت العجب لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل، وهو عجب حقيقي يليق بالله".

و"العجب" من صفات الله عز وجل الثابتة بالأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، ومن ذلك:
1- قال الله تعالى: {بل عجبت ويسخرون}(الصافات:12). قال الطبري في تفسيره: "قوله: {بل عجبت ويسخرون} اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة: {بل عجبت ويسخرون} بضم التاء من {عجبت} بمعنى: بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون، وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة {عجبت} بفتح التاء، بمعنى: بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار (حجازا، وعراقا، ومصرا، وشاما)، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فإن قال قائل: وكيف يكون مصيبا القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟! قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما، فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد صلى الله عليه وسلم مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسخر المشركون مما قالوه".
وقال أبو زرعة عبد الرحمن بن زنجلة (توفي: 403 هـ) في كتابه (حجة القراءات): "قرأ حمزة والكسائي: {بل عجبت ويسخرون} بضم التاء، وقرأ الباقون بفتح التاء.. ثم قال: قال أبو عبيد: قوله: {بل عجبت ويسخرون} بالنصب: بل عجبت يا محمد من جهلهم وتكذيبهم وهم يسخرون منك، ومن قرأ: {عجبت} فهو إخبار عن الله عز وجل".
وقال الأصبهاني في "الحجة": "وقال قوم: لا يوصف الله بأنه يعجب، لأن العجب ممن يعلم ما لم يكن يعلم، واحتج مثبت هذه الصفة بالحديث، وبقراءة أهل الكوفة: {بل عجبت ويسخرون} على أنه إخبار من الله عز وجل عن نفسه".
2 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد عجب الله عز وجل (أو: ضحك) من فلان وفلانة. فأنزل الله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}(الحشر:9)) رواه البخاري. وفي صحيح مسلم بلفظ: (قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة).
3 - روى الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "الأسماء والصفات" عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: (قرأ عبد الله (يعني: ابن مسعود) رضي الله عنه: {بل عجبت ويسخرون}، قال شريح: إن الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم. قال الأعمش: فذكرت لإبراهيم، فقال: إن شريحا كان يعجبه رأيه، إن عبد الله كان أعلم من شريح، وكان عبد الله يقرأ: {بل عجبت}). وفي رواية عند البخاري عن شقيق بن سلمة أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: {هيت لك}(يوسف:23) وإنما نقرؤها كما علمناها. وعن ابن مسعود: {بل عجبت ويسخرون}(الصافات:12)).
قال أبو يعلى الفراء في "إبطال التأويلات" بعد أن ذكر ثلاثة أحاديث في إثبات صفة العجب: "اعلم أن الكلام في هذا الحديث (يعني: حديث شقيق بن سلمة) كالكلام في الذي قبله، وأنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه وحمله على ظاهره، إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه، لأنا لا نثبت عجبا هو تعظيم لأمر دهمه استعظمه لم يكن عالما به، لأنه مما لا يليق بصفاته، بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته".
4 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل) رواه البخاري. يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يعجب من قوم يدخلون الجنة في السلاسل، ومعناه: أن هؤلاء القوم أسروا وقيدوا، فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعا فيه، فكان ذلك سببا في دخولهم الجنة، وقيل: المعنى: يقادون إلى الإسلام مكرهين، فيكون ذلك سبب دخولهم الجنة.. وفي الحديث: إثبات صفة "العجب" لله سبحانه وتعالى، وهو عجب يليق به سبحانه، ونثبته له كما أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم، بلا تحريف أو تكييف، أو تشبيه أو تعطيل. قال ابن أبي عاصم في "السنة": "باب: في تعجب ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه". ثم سرد جملة من الأحاديث التي تثبت هذه الصفة لله عز وجل.

الله تعالى يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، فلا يليق بجلال الله وكماله أن نفهم أن صفة "العجب" تستلزم في حقه سبحانه، ما تستلزمه في حق البشر. فالعجب عند المخلوق معناه الدهشة من فعل شيء غير متوقع أو غير معلوم، وكلا المعنيين باطل في حق الله تعالى، وإنما هذا هو تعجب المخلوق، وأما عجب الله عز وجل فليس كذلك، بل هو عن سابق علم. والله تعالى ليس كمثله شيء، فليس سمعه كسمع المخلوق، وليس بصره كبصر المخلوق، وليست رحمته كرحمة المخلوق، وهكذا سائر صفاته وأفعاله وأسمائه، ومثله يقال في صفة "العجب"، فليست هي كصفة العجب عند المخلوق.. فالله جل جلاله لا يشبه أحدا من خلقه في صفاته، كما أنه لا يشبههم في ذاته، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11). قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى":" (فصل قول القائل: التعجب استعظام للمتعجب منه). وأما قوله: "التعجب استعظام للمتعجب منه"، فيقال: نعم، وقد يكون مقرونا بجهل بسبب التعجب، وقد يكون لما خرج عن نظائره. والله تعالى بكل شيء عليم، فلا يجوز عليه ألا يعلم سبب ما تعجب منه، بل يتعجب لخروجه عن نظائره تعظيما له.. ولهذا قال تعالى: {بل عجبت ويسخرون} على قراءة الضم، فهنا هو عجب من كفرهم مع وضوح الأدلة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي آثر هو وامرأته ضيفهما: (لقد عجب الله) وفي لفظ في الصحيح (البخاري): (لقد ضحك الله الليلة من صنعكما البارحة).. وقال: (يعجب ربك من راعي غنم، في رأس شظية الجبل (قطعة من رأس الجبل) يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة) ـ رواه النسائي ". وقال أبو القاسم الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة": "القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، فمن آمن ببعض صفات الله كالسمع والبصر والقدرة، مثلا، وجب عليه الإيمان ببقية صفات الله الثابتة له، كالمحبة والرضا والغضب والغيرة، ونحو ذلك".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة