- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مقدمات في السيرة النبوية
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) رواه البخاري. ولذلك أكد النبي صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليها، وأمر بالقيام بها في السفر والحضر، والأمن والخوف، والصحة والمرض، والسلم والحرب، وكانت من آخر الوصايا التي وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته قبل موته. عن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها قالت: (كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه) رواه أحمد. قال السندي: "(الصلاة): أي الزموها واهتموا بشأنها ولا تغفلوا عنها".
ولما كان الإنسان أثناء الحروب والقتال مشغولا بالعدو، شرعت صلاة الخوف، تخفيفا على المسلمين، وحماية لهم من عدوهم حتى لا يهجم عليهم العدو وهم في صلاتهم. فصلاة الخوف: هيئة خاصة للصلاة، ورد بها الشرع، تؤدى حال ملاقاة العدو، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده، ودليل على أهمية الصلاة في الإسلام، ويسر الشريعة وكمالها، وصلاحها لكل زمان ومكان، وقد أداها وفعلها النبي صلى الله عليه وسلم في مرات متعددة، وأشار الله تعالى إليها بقوله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا * وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا}(النساء: 101- 102). قال السعدي: "هاتان الآيتان أصل في رخصة القصر، وصلاة الخوف".
والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بالمسلمين، ومن ذلك:
1ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفنا صفين، صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود، وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم فقام مقام أولئك، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا معه، وركع فركعنا جميعا، ثم رفع رأسه ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى، وقام الصف (المؤخر في نحور العدو)، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا) رواه مسلم. وفي رواية أخرى قال جابر: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة، فقاتلونا قتالا شديدا، فلما صلينا الظهر قال المشركون: لو ملنا عليهم لاقتطعناهم (لأخذناهم منفردين)، فأخبر بذلك جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقالوا: إنهم ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد، فلما حضرت العصر قال: صففنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة، قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم..).
2 ـ عن أبي عياش الزرقي رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، فصلى بنا رسول الله صلاة الظهر، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، فقال المشركون: لقد أصبنا منهم غرة، ولقد أصبنا منهم غفلة ، فنزلت ـ يعني صلاة الخوف ـ بين الظهر والعصر، فصلى بنا رسول الله صلاة العصر، ففرقنا فرقتين..) رواه أبو داود والنسائي.
3 ـ عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلى صلاة الخوف: (أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم) قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف) رواه مسلم.
4 ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف في غزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع. قال ابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الخوف بذي قرد (غزوة ذي قرد). وقال بكر بن سوادة: حدثني زياد بن نافع، عن أبي موسى: أن جابرا حدثهم: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم يوم محارب وثعلبة. وقال ابن إسحاق: سمعت وهب بن كيسان: سمعت جابرا: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل، فلقي جمعا من غطفان، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضا، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي خوف) رواه البخاري.
5 ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فوازينا (قابلنا) العدو، فصاففنا لهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا، فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين، ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين) رواه البخاري.
كيفية وصفة صلاة الخوف تختلف باختلاف شدة الخوف وظروف وأحوال المعركة والقتال، وعلى الإمام أن يختار من الصفات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وصحت عنه ما هو أنسب للحال، ومحققا للمصلحة، وهي الاحتياط للصلاة، مع كمال التحفظ والاحتراس من العدو، حتى لا يهجموا على المسلمين بغتة وهم يصلون. قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: "وقد روى أبو داود وغيره وجوها أخر في صلاة الخوف بحيث يبلغ مجموعها ستة عشر وجها. وذكر ابن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في عشرة مواطن. والمختار أن هذه الأوجه كلها جائزة بحسب مواطنها. وفيها تفصيل وتفريع مشهور في كتب الفقه. قال الخطابي: "صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة، وأشكال متباينة، يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى". وقال ابن حجر: ".. والمعنى أن الخوف إذا اشتد والعدو إذا كثر فخيف من الانقسام لذلك جازت الصلاة حينئذ بحسب الإمكان، وجاز ترك مراعاة ما لا يقدر عليه من الأركان، فينتقل عن القيام إلى الركوع، وعن الركوع والسجود إلى الإيماء إلى غير ذلك، وبهذا قال الجمهور". وقال ابن قدامة: "أما إذا اشتد الخوف، والتحم القتال، فلهم أن يصلوا كيفما أمكنهم، رجالا وركبانا، إلى القبلة إن أمكنهم، وإلى غيرها إن لم يمكنهم.. ويتقدمون ويتأخرون، ويضربون ويطعنون، ويكرون ويفرون، ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها، وهذا قول أكثر أهل العلم".
وقال الشيخ ابن عثيمين: "ولكن إذا قال قائل: لو فرض أن الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تطبيقها في الوقت الحاضر، لأن الوسائل الحربية والأسلحة اختلفت؟ فنقول: إذا دعت الضرورة إلى الصلاة في وقت يخاف فيه من العدو، فإنهم يصلون صلاة أقرب ما تكون إلى الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تتأتى، لقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}(التغابن:16)".
فائدة:
صلاة الخوف بكيفياتها المتعددة الثابتة في السيرة والأحاديث النبوية، تبين أهمية الصلاة في الإسلام، وتتيح وتيسر للمسلم إقامتها والمحافظة عليها دون حرج ولا مشقة، مهما اختلفت طرق القتال وتنوعت وسائل الحرب في كل زمان ومكان، وذلك تيسيرا على المسلمين، ورفقا بهم، وتمكينا لهم من أداء فريضة الصلاة التي يستمدون فيها من الله تعالى العون والنصرة، وهم إزاء العدو وفي ميادين الحرب والقتال، وبذلك تقوى هممهم وعزائمهم، وتزداد ثقتهم ويقينهم بنصر الله، وتثبت قلوبهم وأقدامهم، حتى يكتب الله عز وجل لهم النصر والتمكين على عدوهم، وإلى هذه المعاني أشار الله تعالى بقوله:{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}(الأنفال:45). قال السعدي: "{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة} أي: طائفة من الكفار تقاتلكم. {فاثبتوا} لقتالها، واستعملوا الصبر وحبس النفس على هذه الطاعة الكبيرة، التي عاقبتها العز والنصر. واستعينوا على ذلك بالإكثار من ذكر الله {لعلكم تفلحون} أي: تدركون ما تطلبون من الانتصار على أعدائكم، فالصبر والثبات والإكثار من ذكر الله من أكبر الأسباب للنصر". وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}(البقرة:153)، قال ابن كثير: "وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة.. وفي الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر (أصابه هم أو نزل به غم) صلى)".
السيرة النبوية تعطينا صورة للمثل الأعلى والقدوة الحسنة في كل شأن من شؤون الحياة، وهي ترجمة عملية وصورة واقعية للإسلام وأحكامه، سواء ما كان منها متعلقا بالعقيدة والعبادة، أو التشريع والأحكام، أو الأخلاق والمعاملات، قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}(الأحزاب: 21). والكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لا يمكن فهمها فهما صحيحا بمنأى عن السيرة النبوية، ومن فوائد دراسة السيرة النبوية: معرفة العبادات وكيفيتها، وبداية تشريعها والتكليف بها..