- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
في سورة الفلق أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نستعيذ من شر النفاثات في العقد.. فقال عز وجل: (قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد)[الفلق: 1-5].
فما هي النفاثات في العقد ولماذا أمرنا الله أن نستعيذ من شرهن؟
قال رؤوس المفسرين ـ مجاهد وعكرمة والحسن والضحاك: يعني السواحر.
وقال ابن جرير الطبري: أي من شر السواحر اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها.
وكأن المعنى العام للآية: استعيذوا بالله من شر السحر ومن شر من يفعلونه وهم السحرة والساحرات.
فما هو السحر؟ وهل هو موجود فعلا؟ وهل هو نوع واحد أو أنواع؟ وما حكم تعلمه؟ وحكم من يفعله؟ ثم كيف نبطله إذا وقع؟ وكيف نحمي أنفسنا منه قبل وقوعه؟ هذا ما سوف نجيب عنه بإذن الله في هذه الكلمات السريعة.
أولا معنى السحر:
السحر في اللغة: هو صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره. وفي المعجم الوسيط: السحر ما لطف مأخذه ودق. وقيل: كل أمر يرى أثره ويخفى سببه.
وأما في لسان الشرع فيقول ابن قدامة رحمه الله: "هو عقد ورقى وكلام يتكلم به الساحر أو يكتبه أو يعمله يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له. وله حقيقة: فمنه ما يقتل وما يمرض وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها، ويفرق بين المرء وزوجه، وما يبغض أحدهما إلى الآخر، أو يحبب بين اثنين".
وأما حقيقته: فهو علاقة بين ساحر وشيطان يقوم الساحر بفعل بعض الشركيات والكفريات، أو الإتيان ببعض عظائم المحرمات: كدهس المصحف، أو كتابته بالنجاسات ودم الحيض، أو إلقائه في الحمامات والحشوش، وكذا كبائر المعاصي والذنوب، كالذبح للجن والاستغاثة بهم، في مقابل مساعدة الشياطين له وطاعته. وكلما زاد في شركه وكفره ومعاصيه ازدادت طاعة الشياطين له وازداد سحره سفولا.
ثانيا: وجوده:
وجد السحر قديما، وكان معروفا لدى الأقدمين من أهل الحضارات السابقة، وأشهرهم الفراعنة قوم فرعون، فأرسل الله لهم موسى فأبطل إفكهم وسحرهم ونصره الله عليهم. ووجود السحر ثابت بالكتاب وبالسنة ووقائع الناس.
فأما القرآن:
فقد ذكره الله كثيرا في قصة موسى مع السحرة، في عدة سور من سور القرآن الكريم، خاصة في سورة الأعراف ويونس والشعراء، وغيرها.. يقول جل في علاه: (وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم لمن المقربين * قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين * قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) [الأعراف:113 – 116].
فأثبت سبحانه وجود السحر والسحرة، وأنهم سحروا أعين الناس، ووصف سحرهم بأنه سحر عظيم.
وفي سورة البقرة يقول سبحانه عن اليهود أهل الكتاب: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون)[البقرة:102].
فأثبت سبحانه وجود السحر، وأثبت له أثرا ، (يفرقون به بين المرء وزوجه)، وأن له أثرا ضارا على المسحور ، وأشار إلى حكم من تعلمه (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)، وهي من أجمع الآيات عن السحر في كتاب الله.
وأما السنة فمليئة؛ ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات. قيل: وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)). فانظر كيف جعل السحر من الموبقات التي توبق صاحبها في النار، وكيف جعله بعد الكفر وقبل قتل النفس، و ما ذاك إلا لعظم أثره وكبير ضرره.
وروى البزار عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له)).
وقال: ((من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد))[رواه المنذري وقال: إسناده جيد، وقال الألباني: حسن لغيره].
وقد دلت وقائع الناس أن هذا الأمر منتشر بينهم، خصوصا كلما ابتعد الناس عن الدين وعن العلم وقربوا من الجهل والدجل.
ثالثا: هل للسحر حقيقة أم هو مجرد خيالات؟
ذهب جمهور أهل السنة وعلمائهم إلى أن للسحر حقيقة وله أثر وضرر..
قال القرطبي: "ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وحقيقته موجودة"[تفسير القرطبي:2/44].
وقال أيضا: "وعندنا أنه حق وله حقيقة يخلق الله عندها ما يشاء" [تفسير القرطبي:2/46].
وقال النووي: "الصحيح أن السحر له حقيقة، وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة.[فتح الباري:10/222].
وسبق كلام ابن قدامة: "والسحر له حقيقة فمنه ما يقتل وما يمرض وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه عن وطئها... إلخ.
وذهب جماعة إلى أن السحر ما هو إلا تخييلات وأوهام ولا حقيقة له، واستدلوا بمثل قوله تعالى: (فلما ألقوا سحروا أعين الناس)، وقوله تعالى: (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى). والحق أن هذا مجرد نوع من أنواع السحر، فللسحر أنواع وأقسام.. منها:
رابعا: أقسامه:
سحر التفريق: يعمل للتفريق بين الرجل وأمه، أو بينه وأبيه، أو بين صديقين، وأكثر ما يكون للتفريق بين المرء وزوجه، أو تفعله بعض النساء لتفرق بين زوجها وزوجة أخرى، أو ليكره أمه وأهله ويخلو لها وحدها.
سحر المحبة: أو ما يسمى بالتولة، والتولة شرك، أو العطف، تفعله بعض الجاهلات لتربط زوجها بها، فلا يلتفت إلى غيرها وليكون كخاتم في أصابعها تصرفه كيف شاءت.
سحر الهواتف: فيرى الإنسان في منامه حيوانات متوحشة وأحلاما مرعبة، وفي اليقظة ربما يسمع من يناديه ويحدثه ولكن لا يرى شيئا، وربما يؤدي به إلى الجنون.
سحر التخييل: وفيه يرى الإنسان الأشياء على غير حقيقيتها، كما حدث مع سحرة فرعون فخيلوا للناس حبالهم وعصيهم أنها تسعى.
سحر الجنون: وهو يؤدي الإنسان العاقل إلى أن يتصرف كالمجنون تماما شرود وذهول، وترك العمل، عدم الاهتمام بالمظهر، تخبط في الكلام، وربما يهيم على وجهه لا يدري أين يذهب.
وهناك سحر المرض كعمى أو صمم أو بكم أو شلل عضو من الأعضاء، .. وسحر النزيف الذي يصيب بعض النساء فلا ينقطع، أو عندما يكون زوجها في إجازة أو قريبا منها، وسحر المنع من الزواج، وأشهر على الإطلاق ربط الرجل عن زوجته أو العكس.
خامسا: حكم الساحر وتعلم السحر:
هذه كانت بعض أعمال السحرة قاتلهم الله، وهي أذى لعباد الله وتعذيب لهم، وربما أدت إلى قتلهم؛ ولهذا أفتى أهل العلم بحرمة تعلم السحر وكفر متعلمه. وأفتوا بقتل السحرة والسواحر.
قال ابن حجر في الفتح (10/225): وقوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر): فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر.
وقال ابن قدامة: تعلم السحر وتعليمه حرام، لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم. قال أصحابنا: ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته.
وأما حكم الساحر عند جمهور أهل العلم فهو القتل.
قال مالك: الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره، أرى أن يقتل.
قال ابن قدامة: حد الساحر القتل. روي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبد الله ... وعمر بن عبد العزيز، وهو قول أبي حنيفة ومالك.
وفي البخاري عن بجالة بن عبدة قال: "كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر".
وذكر ابن كثير: أن حفصة أم المؤمنين سحرتها جارية لها فأمرت بها فقتلت.
سادسا: النشرة أو فك السحر
النشرة هي علاج المسحور وفك سحره، وخلاصة الكلام فيها ما قاله ابن القيم وغيره أنها نوعان:
أحدهما: حل السحر بسحر مثله، وهذه نشرة محرمة، وهي من عمل الشيطان. قال صلى الله عليه وسلم: ((النشرة من عمل الشيطان))، وقد نهى النبي عن الذهاب للكهنة والسحرة والعرافين، فقال: ((من أتى كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)).
والثانية: حل السحر بالقرآن والأدعية والأذكار المشروعة، وهذه جائزة وفيها غنية والحمد لله.
سابعا: كيف تحفظ نفسك؟
أولا: المحافظة على عموم الطاعات، وأهمها الصلوات في الجماعات وقراءة القرآن.
ثانيا: قال صلى الله عليه وسلم: ((من تصبح بسبع تمرات عجوة (يعني عجوة المدينة) لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر))[رواه البخاري].
ثالثا: المحافظة أذكار الصباح والمساء وأهمها "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" مائة مرة؛ فإن من قالها كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي.
رابعا: أذكار دخول الخلاء: "بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".
خامسا: عدم التعرض للخوف الشديد، أو الغضب الشديد، أو الغفلة عن الله والوقوع في الشهوات.
نسأل الله أن يحفظنا ويحفظ جميع المسلمين من كل شر وسوء.