خصَائِصُ الأنبياء والرسل

0 538

اصطفى الله عز وجل أنبياءه ورسله من البشر، يدعون الناس إلى توحيده وعبادته، ويعرفوهم بدينه ومراده منهم، وقد جمع الله لأنبيائه ورسله الفضل كله، وميزهم على خلقه من قبل النبوة، ثم زادهم فضلا عليهم بالنبوة والرسالة، فلا يبلغ أحد منزلتهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، قال الله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير}(الحج:75). قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنه يختار من الملائكة رسلا فيما يشاء من شرعه وقدره، ومن الناس لإبلاغ رسالاته، {إن الله سميع بصير} أي: سميع لأقوال عباده، بصير بهم، عليم بمن يستحق ذلك منهم، كما قال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}(الأنعام:124)". والإيمان برسل الله وأنبيائه جميعا من مسلمات الدين، وهو أحد أركان الإيمان الستة التي جاءت في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره).
والمسلمون يؤمنون بجميع الأنبياء والرسل، لا يفرقون بين أحد منهم، ويعتقدون بكفر من أنكر نبوة من أثبت الله نبوته، لأن الكفر برسول أو نبي واحد كفر بجميع الرسل، قال الله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله}(البقرة:285). قال الطبري: "والمؤمنون كلهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا يفرق الكل منهم بين أحد من رسله، فيؤمن ببعض ويكفر ببعض، ولكنهم يصدقون بجميعهم.. ويخالفون في فعلهم ذلك اليهود الذين أقروا بموسى وكذبوا عيسى، والنصارى الذين أقروا بموسى وعيسى وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وجحدوا نبوته، ومن أشبههم من الأمم الذين كذبوا بعض رسل الله، وأقروا ببعضه"، وقال ابن تيمية: "والمسلمون آمنوا بالأنبياء كلهم، ولم يفرقوا بين أحد منهم، فإن الإيمان بجميع النبيين فرض واجب، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم كلهم".

وقد خص الله عز وجل أنبياءه ورسله بالكثير من الخصائص والفضائل التي لم يخص بها سائر الناس، ومن ذلك:
1 ـ الوحي:
الوحي شرعا هو: إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب، بواسطة (كأمين الوحي جبريل عليه السلام وهو من أشهر أنواع الوحي وأكثرها) أو بغير واسطة. وأكثر ما وردت كلمة (وحي) في القرآن الكريم بمعنى إخبار وإعلام الله من اصطفاه من عباده كل ما أراد إطلاعه عليه من أصناف الهداية والعلم. قال السمعاني: "الوحي في اللغة: إلقاء الشيء إلى النفس خفية، وهو في عرف أهل الإسلام عبارة عما ينزله الله تعالى على الأنبياء". وقال الشيخ ابن عثيمين: "الوحي في اللغة: الإعلام بسرعة وخفاء.. وفي الشرع: إعلام الله بالشرع". والوحي أعظم خصائص الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا}(النساء:163). قال الطبري: "إنا أرسلنا إليك يا محمد بالنبوة كما أرسلنا إلى نوح، وإلى سائر الأنبياء الذين سميتهم لك من بعده، والذين لم أسمهم لك". وقال السعدي: "يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله من الشرع العظيم والأخبار الصادقة ما أوحى إلى هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام". وقال الله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم}(الشورى:51). قال الطبري: "يقول تعالى: وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه ربه إلا وحيا يوحي الله إليه كيف شاء، إما إلهاما، وإما غيره، أو من وراء حجاب يقول: أو يكلمه بحيث يسمع كلامه ولا يراه، كما كلم موسى نبيه صلى الله عليه وسلم، أو يرسل رسولا يقول: أو يرسل الله من ملائكته رسولا، إما جبرائيل، وإما غيره فيوحي بإذنه ما يشاء، يقول: فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن ربه ما يشاء، يعني: ما يشاء ربه أن يوحيه إليه من أمر ونهي، وغير ذلك من الرسالة والوحي".
2 ـ عصمة الأنبياء:
اتفقت الأمة على ‏أن الرسل والأنبياء معصومون في تحمل الرسالة، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، فإنهم معصومون في التبليغ عن الله تبارك وتعالى، وهم معصومون من الكبائر، فلا تصدر منهم أبدا - قبل أو بعد نبوتهم وبعثتهم ـ، وأما الصغائر فقد تقع منهم أو من بعضهم. قال القاضي عياض في "الشفا بتعريف حقوق المصطفى": "أجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر". وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول، وأما صغائر الذنوب فذهب أكثر أهل العلم إلى أن الأنبياء ليسوا معصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يقرون عليها، بل ينبههم الله عليها، فيبادرون بالتوبة منها". وقال بعض أهل العلم أن الأنبياء والرسل معصومون من الصغائر المشتملة على الدنايا وسفاسف الأمور، وهذا قول حسن تعظيما لمقام النبوة، وتكريما لأصحاب الرسالات.. ومن اعتقد عصمة الأنبياء والرسل من الصغائر أيضا فلا حرج عليه، لأن المسألة محل خلاف معتبر، وقد قال بذلك بعض أهل العلم. قال ابن حجر في "فتح الباري": "الأنبياء معصومون من الكبائر بالإجماع، واختلف في جواز وقوع الصغائر". وهذه الصغائر من الأنبياء لا يجوز أن تتخذ سيبلا للطعن فيهم، أو الانتقاص منهم أو من أحدهم، فهي أمور صغيرة معدودة ـ على قول من قال بها ـ، غفرها الله عز وجل لهم، وتجاوز عنها، وطهرهم منها، فحق الأنبياء والرسل جميعا علينا المحبة والتكريم والتوقير..   
3 ـ الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم:
مما اختص الله تعالى به أنبياءه ورسله أن أعينهم تنام، وقلوبهم لا تنام. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (والنبي نائمة عيناه، ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم) رواه البخاري. وهذا وإن كان من قول أنس رضي الله عنه إلا أن مثل هذا الكلام لا يقال من قبل الرأي كما قال ابن حجر في "فتح الباري". وأخرج ابن سعد في "الطبقات" وصححه الألباني عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا). وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) رواه البخاري. قال النووي: "هذا من خصائص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم".
4 ـ تخيير الأنبياء عند الموت بين الإقامة في الدنيا والموت:
ما من نبي يمرض مرض موته إلا خير بين الدنيا والآخرة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة، وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة، فسمعته يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}(النساء:69) فعلمت أنه خير) رواه البخاري. قال ابن حجر: "من خصائص الأنبياء أنه لا يقبض نبي حتى يخير بين البقاء في الدنيا وبين الموت".
5 ـ الأنبياء يدفنون حيث ماتوا:
مما خص الله عز وجل به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام أنه لا يدفن نبي إلا في الموضع الذي قبض ومات فيه. عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم يقبر (يدفن) نبي إلا حيث يموت) رواه أحمد. ولهذا فإن الصحابة رضوان الله عليهم دفنوا الرسول صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة رضي الله عنها حيث قبض. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال: ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه، ادفنوه في موضع فراشه) رواه الترمذي.
6 ـ لا تأكل الأرض أجساد الأنبياء بعد موتهم:
الأصل أن أجسام كل الناس صالحهم وطالحهم تبلى وتأكلها الأرض، إلا أجساد الأنبياء والرسل، فإن من إكرام الله عز وجل لهم أن الأرض لا تأكل أجسادهم، فمهما طال الزمان وتقادم العهد تبقى أجسادهم محفوظة. عن أوس بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت - أي يقولون: قد بليت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) رواه أبو داود.
7 ـ الأنبياء أحياء يصلون في قبورهم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) رواه البزار وأبو يعلى والبيهقي. وروى مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره). وعن أبي هريرة رضي الله عنه ـ في قصة ومعجزة الإسراء والمعراج ـ قوله صلى الله عليه وسلم: (وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي، وإذا إبراهيم قائم يصلي) رواه مسلم. قال القرطبي: "فإن قيل: كيف يصلون بعد الموت وليس تلك الحال حال تكليف؟ فالجواب: أن ذلك ليس بحكم التكليف، وإنما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف، وذلك أنهم كانوا في الدنيا حببت لهم عبادة الله تعالى والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك، ثم توفوا وهم على ذلك، فشرفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون، وما عرفوا به". وقال ابن تيمية: "هذه الصلاة ونحوها مما يتمتع بها الميت ويتنعم بها كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح، فإنهم يلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا النفس، فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذبه ". وقال الشيخ الألباني: "ثم اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا، هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء، كما يفعل أهل البدع.. وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى".
8 ـ الأنبياء لا يورثون، وما تركوه بعد وفاتهم صدقة:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا معشر الأنبياء لا نورث). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي رضي الله عنه قال: (إن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) رواه أحمد وأبو داود. قال النووي: "جمهور العلماء على أن جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لا يورثون". وقال ابن الملقن: "والحكمة من كون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يورثون، أمور منها: لئلا يتمنى قريبهم موتهم فيهلك بذلك، ومنها لئلا ينفر الناس عنهم ويظنوا فيهم الرغبة في الدنيا وجمعها لوارثهم، ومنها لئلا يفتن بعض الذين أسلموا وتابعوهم بظنهم فيهم الرغبة والجمع لوارثهم"..

الأنبياء والرسل أطهر البشر قلوبا، وأصدقهم إيمانا، وأقواهم عبادة، وأذكاهم عقولا، وأحسنهم أخلاقا، وأكملهم دينا، وأقواهم صبرا، وأعظمهم رحمة، وأكملهم أجساما، وأحسنهم صورة، وأصدقهم حديثا.. وهم مع ذلك كغيرهم من البشر، يفعلون ما يفعل سائر البشر، كالزواج والأكل والشرب، ويصيبهم ما يصيب البشر من الأعراض كالأمراض المعتادة.. وليس من إشكال في القول بحياة الأنبياء وصلاتهم، وأن الأرض لا تأكل أجسادهم، إلى غير ذلك من خصائصهم التي اختصهم الله عز وجل بها، فكل ذلك قد ثبت بالسنة النبوية الصحيحة، ولا متمسك في ذلك لأهل الضلال والانحراف الذين يجيزون الاستغاثة بالأنبياء أو اللجوء إليهم ـ فضلا عن غيرهم ـ في الرخاء والشدة، فكم من حي ـ وإن علا قدره وظهر صلاحه ـ لم يؤذن لنا في دعائه والاستغاثة به، وليس في الكتاب والسنة دليل يجيز التعلق بالأنبياء أو الأولياء دعاء، أو استغاثة، أو نذرا، أو غير ذلك من صور العبادة، التي لا تصلح إلا لله سبحانه وتعالى.. فالأنبياء مع عصمتهم ومع الخصائص والفضائل التي اختصهم الله عز وجل بها، هم كغيرهم من البشر، لا يملكون شيئا من خصائص الربوبية والألوهية، ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم من الأمر شيء، ولا يملكون شيئا من خزائن الله عز وجل، ولا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عز وجل عليه وهم أحياء قبل موتهم، لكنهم قدوة البشر في الإيمان، والطاعة، والعبادة، والعمل الصالح، والخلق الحسن، قال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الأنبياء والرسل: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون}(الأعراف:188)، وقال تعالى: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب}(الأنعام:50)، وقال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}(الأحزاب:21). 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة