علاج الإحباط

0 487

يمر الإنسان في حياته بالكثير من المواقف التي تؤثر في مشاعره إيجابا أو سلبا، فتارة تراه سعيدا هادئا مبتسما، وأخرى تراه حزينا أو مهموما، وهذا شأن الدنيا لا تدوم على حال ولا تصفو لأحد:
                   طبعت على كدر وأنت تريدها ***   صفوا من الأقذار والأكدار
                   ومكلف الأيام ضد طباعها    ***     متطلب في الماء جذوة نار
وربما زاد الهم والحزن حتى يصل صاحبه إلى حالة من الإحباط.
معنى الإحباط:
لقد شاع استعمال لفظ الإحباط في عصرنا بمعنى شعور الإنسان بالخيبة لفشله في عمله وعدم تحقيق أهدافه، ويعقب هذا النوع من الإحباط حالة من اليأس ربما تؤدي لترك العمل بالكلية.
وقال بعض الباحثين: الإحباط (بمفهومه العصري) يعني مجموعة من المشاعر المؤلمة تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروري لإشباع حاجة ملحة عنده.
من أسباب الإحباط:
أولا: الجهل: فحين عد ابن القيم -رحمه الله- شيئا من الكبائر ذكر منها القنوط واليأس من رحمة الله، ثم قال: "إنما تنشأ من الجهل بعبودية القلب، وترك القيام بها".

ثانيا: قلة الصبر واستعجال النتائج: فتضعف النفوس عن تحمل البلاء والصبر عليه، وتستعجل حصول الخير، فإذا لم يتحقق له ما يريد من زوال البلاء والشدة وقد قل صبره أصابه الإحباط.
لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على الصبر، فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! فقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".
قال الشاعر:
تريد إدراك المعالي رخيصة ** ولا بد دون الشهد من إبر النحل

ثالثا: شدة تعلق القلب بالدنيا: فحب الدنيا وشدة التعلق بها مدخل من مداخل الإحباط، ولذلك تجد الفرح بأخذها، والحزن والتأسف على فواتها، قال تعالى: {وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون)[الروم:36]، وقال تعالى: (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور * ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور}[هود:9-10].

من صور ومظاهر الإحباط:
هناك مظاهر قد تدل على إصابة الإنسان بالإحباط، ومنها:
الحزن الشديد والقلق: أول علامات الإحباط هي الشعور بالحزن الشديد، أو حين يحس الإنسان في غالب الأحيان أن لا شيء في حياته على ما يرام. هذا النوع من الحزن قد ينتج عنه شعور أنه لا ينفع معه عزاء، فتجد الإنسان المحبط منغلقا على نفسه دائما وغير قادر على استقبال أية أفكار إيجابية، وحين لا يحسن العبد التعامل مع الضيق والقلق يكون فريسة لداء الإحباط.
والقلق والحزن لا يكاد يسلم منه كثير من الناس، لكن أهل الإيمان يستشعرون قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته". وبهذا يتجاوزون مرحلة القلق والحزن وينتظرون من الله تعالى الفرج.

الشعور بالعجز والكسل: فشعور الإنسان بذلك يجعله يصاب بالإحباط؛ فيصبح خاملا لا ينجز شيئا لدينه ولا لدنياه.
وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتعوذ كثيرا من هذه الآفات، قال أنس -رضي الله عنه-: كنت أخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكنت أسمعه كثيرا يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل".
اليأس والقنوط: وهما يقضيان على الأمل، ويحولان دون العمل، ويذيقان من تلبس بهما مرارة الإحباط والفشل، فالمؤمن لا يقنط أبدا {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}[الحجر:56].

اعتزال الناس والانكفاء على النفس
؛ هربا من مواجهة الأعباء وتحمل المسؤولية التي تجب على الفرد؛ ويأسا من إصلاح المجتمع، ولقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إشاعة روح التشاؤم في المجتمع، والادعاء بأن الخير قد انتهى من الناس. قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكهم".

فالمحبطون كثيرا ما تسمع منهم: "لا فائدة مما نقوم به"، "لن تتعدل الأوضاع"، "ذهب الخير"... إن من يقول هذا فإنه يقتل الحياة ويغتال الأمل ويزرع اليأس، ويكون أول الهالكين بتشاؤمه وإحباطه.
إن ديننا يدعونا إلى التفاؤل والبشر، وترك اليأس والقنوط والتخاذل، حتى في أشد الظروف قتامة وصعوبة، فالقرآن يخبرنا {فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا}[الشرح:5-6]، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يبين لنا: "أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب".
وما أحسن قول الشافعي -رحمه الله-:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

علاج الإحباط ومقاومته:
يجب على المسلم مقاومة الإحباط، والسعي في معالجته، والحد من سيطرة هذه المشاعر السلبية عليه والعمل على منع تفشيها في أوساط المجتمع، ومن أسباب معالجة الاحباط:
أولا: تقوية الإيمان بالقضاء والقدر، والرضا بما قدره الله؛ حتى يقبل الشخص ما قسم الله له من الرزق والصحة والمنصب، وليعلم أن ما قدره الله له كله خير وإن كان في ظاهره الشر {فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}[النساء: 19].

ثانيا: أن يتعود الإنسان على الأخذ بالأسباب، والصبر على البلاء، فهذا يعقوب -عليه السلام- مع ما هو فيه من البلاء الشديد يوصي أبناءه: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}[يوسف:87].

ثالثا: التفاؤل والأمل من أعظم العلاجات لداء الإحباط، وأفضل الأمل ما كان مع الشدة والبلاء، وكلما زادت شدة المؤمن زاد أمله ورجاؤه في الله، فالتفاؤل دافع لحسن الظن بالله، ويوجه صاحبه ليصنع من الكرب والعسر طريقا للبحث عن الفرج والخلاص.

لما جاءت إبراهيم -عليه السلام- البشرى بالولد في سن كبير أبدى تعجبه فقال: {أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون}[الحجر:54]، فكان جوابهم: {بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين * قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}[الحجر:55-56].

ونبي الله موسى -عليه السلام- يفر بقومه من فرعون وجنوده، قيتبعهم فرعون حتى إذا وصل موسى ومن معه إلى شاطئ البحر وفرعون من خلفهم قال أصحاب موسى: {إنا لمدركون}[الشعراء:61]، فقال لهم نبي الله موسى -عليه السلام-: {كلا إن معي ربي سيهدين}[الشعراء:62].

رابعا: ومن أعظم العلاج الدعاء والانكسار بين يدي الله: ولا يخفى على العبد أثر الدعاء في نيل مراده، وتحقيق مطالبه ومآربه الدينية والدنيوية، والدعاء يحتاج إلى إلحاح وصبر وعدم استعجال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي" (رواه البخاري).

خامسا: زيارة الطبيب النفسي والتداوي ، فكثير من هذه الاضطرابات تزول بفضل الله تعالى مع تناول العلاجات المناسبة على أيدي المتخصصين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تداووا ، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم".
وأخيرا:
يقول الداعية عائض القرني في كتابه لا تحزن:
(يا إنسان بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ري، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضال، ويفك العاني، وينقشع الظلام {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} .
بشر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال، ومسارب الأودية، بشر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء، ولمح البصر، بشر المنكوب بلطف خفي، وكف حانية وادعة.
إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد، فاعلم أن وراءها رياضا خضراء وارفة الظلال.
إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد، فاعلم أنه سوف ينقطع.
مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة.
النار لا تحرق إبراهيم الخليل، لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة {بردا وسلاما على إبراهيم}
البحر لا يغرق كليم الرحمن، لأن الصوت القوي الصادق نطق بـ {كلا إن معي ربي سيهدين} .
المعصوم في الغار بشر صاحبه بأنه وحده جل في علاه معنا؛ فنزل الأمن والفتح والسكينة.
إن عبيد ساعاتهم الراهنة، وأرقاء ظروفهم القاتمة لا يرون إلا النكد والضيق والتعاسة، لأنهم لا ينظرون إلا إلى جدار الغرفة وباب الدار فحسب. ألا فليمدوا أبصارهم وراء الحجب وليطلقوا أعنة أفكارهم إلى ما وراء الأسوار.
إذا فلا تضق ذرعا فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج، الأيام دول، والدهر قلب، والليالي حبالى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا).
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة