لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ

0 85

يقول الله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76) إنه لقرآن كريم (77) في كتاب مكنون (78) لا يمسه إلا المطهرون (79) تنزيل من رب العالمين (80)} [الواقعة: 75 - 80]، يقسم الله تعالى في هذه الآيات -التي ظاهرها النفي- قسما عظيما بمواقع النجوم على صدق هذا القرآن وكرامته، وأنه مكنون أي محفوظ عن التبديل والتحريف، وأنه نزل من عند الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هو مفترى كما قالت قريش فيه.

وقد تضمنت هذه الآية حكما من الأحكام الخاصة بهذا الكتاب العظيم القرآن الكريم، وهو ألا يمسه إلا المطهرون، واختلف المفسرون أولا في: هل يعود الضمير في قوله تعالى: {يمسه} على الكتاب المكنون أم على القرآن الكريم؟ فمن قال إنه يعود على الكتاب المكنون قال إن المراد بالمطهرين هم الملائكة، وأن الشياطين لا سلطان لهم على هذا القرآن، وهذا يؤيده قوله تعالى: {وما تنزلت به الشياطين (210) وما ينبغي لهم وما يستطيعون} [الشعراء: 210، 211] وقوله تعالى في القرآن: {في صحف مكرمة (13) مرفوعة مطهرة (14) بأيدي سفرة (15) كرام بررة} [عبس: 13 - 16].
 
ومن قال إن الضمير يعود على القرآن الكريم قال لا يمس القرآن إلا طاهر من الحدثين الأصغر والأكبر، وقال النفي في الآية جاء بمعنى: أنه لا ينبغي أن يمس القرآن إلا طاهر، كما في قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية} [النور: 3]، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من أنه لا يجوز للمحدث حدثا أصغر أو أكبر أن يمس القرآن.
 
ثم كان الخلاف بين الفقهاء : هل دلت الآية على حرمة مس المحدث للقرآن الكريم أم السنة؟ فقال قوم من الفقهاء إن الحكم مأخوذ من الآية {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة: 79] قالوا: لأن الخبر من الآية معناه النهي، وكأنه قال: لا تمسوه إلا إذا كنتم على طهارة، وقال ابن تيمية: " إن الآية تدل على الحكم من باب الإشارة، فإذا كان الله تبارك وتعالى يخبر أن الصحف المطهرة في السماء لا يمسها إلا المطهرون فالصحف التي بأيدينا كذلك ينبغي ألا يمسها إلا طاهر".
 
وقال فريق آخر من الفقهاء إن الحكم مأخوذ من السنة لا من الآية، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة منها:
 
1. أن هذه الآية مكية، قالوا: ومعلوم أن عناية القرآن في مكة كانت منصبة على أصول الدين لا على فروعه، وبالتالي لم يكن هذا الحكم واردا في مكة.
 
2. وقالوا أيضا: الآية جاءت بصيغة الإخبار وتأويلكم لها يخرجها من الخبر إلى الإنشاء الذي يراد منه النهي، وهو حمل اللفظ على غير حقيقته، والأصل أن يحمل كل لفظ على حقيقته.
 
3. وقالوا: لفظ المطهرون في الآية يشير -كما أيدته الآيات- إلى من كانت طهارته ذاتية وهم الملائكة، وأما المتطهرون فهم الذين تكون طهارتهم بفعلهم وهم البشر، كما قال تعالى عنهم: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222]، ولو أراد الله تعالى ألا يمس القرآن إلا المتوضئ لقال: لا يمسه إلا المتطهرون، لا المطهرون.
 
4. ومن أقوى أدلتهم: أن السنة قد نصت على ألا يمس القرآن إلا طاهر، فقد روى أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى أهل اليمن وجاء فيه: وألا يمس القرآن إلا طاهر.
 
وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء (أبو حنيفة ومالك والشافعي) ويؤيدهم أن عددا من الصحابة كانوا يأمرون أولادهم بالوضوء لمس المصحف أيضا.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة