حب الأوطان فطرة الإنسان

0 676

يعرف الوطن بالأرض التي ولد فيها الإنسان، ونشأ بها، وترعرع في أرجائها، فهو يمثل الذكريات التي لا يمكن نسيانها، حيث يحتضن الأحباب، والأصدقاء، والأهل، والآباء، والأجداد، وللإنسان تعلق بأول بيت وأرض ولد بها وترعرع فيها، ولذلك قيل:
كم منزل في الأرض يألفه الفتى   وحنينه أبدا لأول منزل
يقول أبو حامد الغزالي: "والبشر يألفون أرضهم على ما بها، ولو كانت قفرا مستوحشا، وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجم، ويغضب له إذا انتقص".

وتخبرنا كتب التاريخ عن حب الإنسان لوطنه، فبلال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر في الله وكتب له أجر الهجرة العظيم، وكان في جوار خير الناس، ومع ذلك اشتاق لمكة بلده الذي تربى فيه، وحن إليه وسمع ينشد:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ...    بفخ وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ...    وهل يبدون لي شامة وطفيل

تجلى حب الوطن في كونه فطرة جبلنا عليها، حيث تعتبر هذه الفطرة نبض قلبك، ودمه الذي يجري فيه، فالوطن هو مكان النشأة والولادة، ويستمد حبه من دروس الهجرة النبوية، حيث كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يحب وطنه مكة المكرمة كثيرا، وعندما تركه غم غما شديدا حتى قال عند خروجه منها  (والله إني أعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت

ومن ناحية أخرى لا يعني حب الوطن التعصب لوطن دون آخر، أو لجنس دون جنس، أو تقسيم الأمة إلى أقسام متباغضة ومتنافرة، فحب الوطن يعني الأخوة، والتعاون، ونصرة جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك يعيش الإنسان ويربى على حب الوطن والانتماء إليه، فكلمة الوطن تعني الكثير فهو لكل واحد منا كبيته الذي يملكه.
وحب الوطن متأصل في النفس البشرية، ونعني بالوطنية: الشعور بانتماء الشخص لوطنه حيث الولاء والانتماء، ومن حق الوطن على المواطن الوفاء والفداء والحماية ورحم الله شوقي حين قال:
وللأوطان في دم كل حر    يد سلفت ودين مستحق

وكل شخص يعيش في هذا الوطن يجب عليه تقديم المزيد من الحب والانتماء والوفاء والإخلاص له.
والإنسان السوي يعتبر أن الوطن هو نفسه أو أهله أو بيته، وأنه قطعة منه، وقد أدركت الشعوب المتحضرة قيمة الوطن، فكانت دوما رهن إشارة أوطانها، تلبي داعي الوطن، وتربط مصائرها بمصير أوطانها.

ومن أحسن ما قيل في الرضا بالأوطان، ومحبتها :
ولي وطن أليت ألا أبيعه ...       وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة ... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم...       مأرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ...      عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا

وكم بكى الرجال لفراق الأوطان، وأحسوا بغصة، لترك المرابع والخلان، ومن منا لا يحفظ كلمات البارودي من منفاه الإجباري
أبيت في غربة لا النفس راضية بها     ولا الملتقى من شيعتي كثب
فلا رفيق تسر النفس طلعته           ولا صديق يرى ما بي فيكتئب.

وقيل "إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه"

جبلت البشرية من قديم عصورها على الالتصاق بأوطانها، وشبت الأجيال على الاستعداد لفداء بلدانها، يقول الأديب أحمد الهاشمي: "الوطن محبوب، والمنشأ مألوف، واللبيب يحن إلى وطنه، حنين النجيب إلى عطنه، والكريم لا يجفو أرضا بها قوابله، ولا ينسى بلدا فيها مراضعه".

ذكرت بلادي فاستهلت مدامعي ... لشوقي إلى عهد الصبا المتقادم.

أكثر الناس شعورا بنعم الأوطان هم من ذاقوا ويلات النزوح واللجوء، فتبين لهم كيف أن الوطن من نعم الله العظيمة على الإنسان:

هل في بكاء نازح الأوطان من باس ...  أم هل لداء رهين الشوق من آس
أم هل معين يعين المستهام على ...         لـيـل كـواكـبـه شـدت بأمـراس
آه لمغترب في الغرب ليس له ...       جـنـس وإن كان محـفوفا بأجـنـاس

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة