الدعاء للأبناء منهج الأنبياء

0 583

روى الذهبي في كتابه العظيم "سير أعلام النبلاء" في ترجمة سليم بن أيوب الرازي (13/ 265)، ما حكاه سليم عن نفسه: أنه ذهب وهو صغير إلى الملقن (المحفظ) ليحفظه القرآن، فطلب منه أن يقرأ الفاتحة، قال فعجزت لعجمة لساني، فقال لي الملقن: هل لك من أم؟ قلت: نعم. قال فاسألها أن تدعو لك أن يحفظك الله القرآن ويعلمك العلم.. فرجعت إلى أمي فسألتها ذلك.. فدعت لي.
فيسر الله تعالى له أن يدخل بغداد فيتعلم العربية ويحفظ القرآن والحديث، ويتفقه على علماء الشافعية في العراق، حتى برز وصار إماما، ثم رجع إلى بلاده فجلس يعلم الناس..

الأبناء هم قرة العيون، وبهجة النفوس.. وهم زينة الحياة، ومنة الإله (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)(الكهف:46)..
وكلنا يسعى في تربية ولده وصلاحه، ولا تتم لنا سعادة حتى نراهم صالحين مطيعين لربهم نافعين لأنفسهم ودينهم وأوطانهم.

وإن من أعظم أسباب صلاح الذرية ـ بعد الأخذ بالأسباب المادية ـ كثرة الدعاء لهم والتضرع إلى الله ليصلحهم.

منهج الأنبياء
وهذا الدعاء للأبناء هو منهج السادة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، وهم أعلم الناس بطرق التربية الصحيحة، وأحرص الناس على أولادهم وما يصلحهم.. وقد كانوا صلوات الله عليهم يدعون الله لأبنائهم بالصلاح قبل ولادتهم وبعدها.

هذا إبراهيم عليه السلام يدعو الله ويقول: (رب هب لي من الصالحين)(الصافات:100).

وزكريا يدعو بعد أن كبرت سنة وامرأته عاقر: {رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء}(آل عمران:38).
وهو القائل: (فهب لي من لدنك وليا . يرثني ويرث من آل يعقوب ۖ واجعله رب رضيا)(مريم:5، 6).
والوراثة هنا وراثة النبوة والدعوة وليست وراثة المال وحمل الاسم، لأن الأنبياء لا يورثون كما قال صلى الله عليه وسلم: (نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة) وهو في البداية والنهاية، وأصله في صحيح مسلم قال: (لا نورث ما تركناه فهو صدقة).

وامرأة عمران رضي الله عنها لما علمت أنها حملت دعت ربها سبحانه وقالت: (رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم)(آل عمران:35).

فاستجاب الله دعاءهم، ووهبهم الذرية الطيبة.. فهل توقفوا عن الدعاء لهم؟ لا.

هذا إبراهيم عليه السلام يدعو لأولاده ويقول: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)(إبراهيم:35)، ودعا لهم أيضا بقوله: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء)(إبراهيم:40).

ولما وضعهم عند البيت دعا ربه بالدعاء المشهور: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)(إبراهيم:37).
فدعا لهم بصلاح الدين، وسعة الرزق، ومحبة الخلق، وأن يكونوا من الشاكرين.

وامرأة عمران لما وضعت وخرج المولود أنثى، لم يمنعها ذلك أن تهبها لخدمة بيت المقدس، وأن تدعو ربها ليحفظها وينبتها نباتا حسنا، بل دعت بما هو أكبر من ذلك؛ فقالت: (وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم)(آل عمران:36).
فكانت ثمرة هذه الأدعية ما تعلمون.

النبي يعلم أمته
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو سيد النبيين ـ يعلم أمته هذا الأمر، فيأمرهم بالدعاء لذرياتهم قبل مجيئهم وبعد أن يرزقهم الله إياهم.
روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله: باسم الله، اللهم جنبني الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم قدر بينهما في ذلك، أو قضي ولد؛ لم يضره شيطان أبدا).

وكان صلى الله عليه وسلم يأمر المسلمين بأن يكثروا من الدعاء لأولادهم، ويعلمهم أن دعوة الوالد لولده مستجابة لا ترد: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر)(البيهقي وحسنه الألباني).

وكان هو عليه صلوات الله وسلامه يدعو لأحفاده، الحسن والحسين ويعوذهما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.

سبيل المؤمنين
والدعاء للأبناء كما أنه منهج الأنبياء الكرام كذلك هو منهج عباد الرحمن؛ فقد وصفهم الله تعالى بذلك فقال: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)(الفرقان:74).
قال أهل التفسير: "يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله ويعبده ويعمل بطاعته، فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة".
قال عكرمة: "لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالا، ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين".

وفي سورة الأحقاف حكاية عن المؤمنين قولهم: (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين)(الأحقاف:15).

الفضيل وابنه

كان الفضيل بن عياض سيدا من سادات هذه الأمة، وكان كثيرا ما يدعو الله لابنه علي ويقول: "اللهم إني اجتهدت في تربية علي فلم أقدر.. فربه أنت لي".. فما زال يدعو حتى قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: "خير الناس الفضيل بن عياض، وخير منه ابنه علي".
وقال سفيان بن عيينة: "ما رأيت أحدا أخوف من الفضيل وابنه"..

فدعوة الوالدين لها دور كبير في صلاح الأولاد، فلنكثر من الدعاء لأبنائنا؛
فكم من دعوة يسرت عسيرا، وفتحت مغلقا.
وكم من دعوة ردت شاردا، وقربت بعيدا، وأصلحت فاسدا، وهدت ضالا.
وكم من دعوة دعا بها أب لابنه فسعد بها الابن، وسعد به أبوه في الدنيا والآخرة.

فاللهم هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة