- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:معجم صفات الله الحسنى
الله عز وجل ليس كمثله شيء، فهو سبحانه الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، التي دلت النصوص والعقول على أنه لا نظير له سبحانه وتعالى، فلا مثيل له في ربوبيته وإلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11). قال القرطبي: "والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلي صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به {ليس كمثله شيء}". وقال السعدي: {ليس كمثله شيء} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه.. وهذه الآية ونحوها، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، من إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات. وفيها رد على المشبهة في قوله: {ليس كمثله شيء} وعلى المعطلة في قوله: {وهو السميع البصير}". وقال أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني: "ويعتقدون ـ يعني: أهل السنة والجماعة ـ أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم". وقال ابن عبد البر: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها". وقال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية": "ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات".
و"الشكر" صفة من صفات الله عز وجل، ولا ريب أنها صفة مدح وكمال، فصفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه. قال ابن منظور في "لسان العرب": "و"الشكور": من صفات الله جل اسمه، معناه: أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم الجزاء، وشكره لعباده: مغفرة لهم". وقال أبو القاسم الزجاجي: "وقد تأتي الصفة بالفعل لله عز وجل ولعبده، فيقال: (العبد شكور لله)، أي: يشكر نعمته، والله عز وجل شكور للعبد". وقال الحليمي: "الشاكر": ومعناه: المادح لمن يطيعه، والمثني عليه، والمثيب له بطاعته، فضلا عن نعمته". وقال الخطابي في "شأن الدعاء": "الشكور": هو الذي يشكر اليسير من الطاعة، فيثيب عليه الكثير من الثواب، ويعطي الجزيل من النعمة، فيرضى باليسير من الشكر، كقوله سبحانه: {إن ربنا لغفور شكور}(فاطر: 34). ومعنى الشكر المضاف إليه: الرضا بيسير الطاعة من العبد والقبول له، وإعظام الثواب عليه، والله أعلم. وقد يحتمل أن يكون معنى الثناء على الله جل وعز بالشكور ترغيب الخلق في الطاعة قلت أو كثرت، لئلا يستقلوا القليل من العمل، فلا يتركوا اليسير من جملته إذا أعوزهم الكثير منه". وقال البيهقي في "الاعتقاد": "الشكور: هو الذي يشكر اليسير من الطاعة، ويعطي عليه الكثير من المثوبة، وشكره قد يكون بمعنى ثنائه على عبده". وقال السمعاني: "الشكر من الله قبول العمل". وقال البغوي في تفسيره: "الله شاكر مجاز لعبده بعمله، عليم بنيته، والشكر من الله تعالى أن يعطي لعبده فوق ما يستحق، يشكر اليسير ويعطي الكثير". وقال السعدي: "الشاكر، الشكور": الذي يشكر القليل من العمل، ويغفر الكثير من الزلل، ويضاعف للمخلصين أعمالهم بغير حساب، ويشكر الشاكرين".
وصفة "الشكر" من صفات الله عز وجل الثابتة بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، والأدلة على ذلك كثيرة، ومنها:
1 ـ قال الله تعالى: {ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}(البقرة:158)، قال ابن كثير: "{فإن الله شاكر} أي: يثيب على القليل بالكثير {عليم} بقدر الجزاء فلا يبخس أحدا ثوابه". وقال السعدي: "{فإن الله شاكر عليم} الشاكر والشكور، من أسماء الله تعالى، الذي يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه العظيم من الأجر، الذي إذا قام عبده بأوامره، وامتثل طاعته، أعانه على ذلك، وأثنى عليه ومدحه، وجازاه في قلبه نورا وإيمانا وسعة، وفي بدنه قوة ونشاطا، وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء، وفي أعماله زيادة توفيق. ثم بعد ذلك يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملا موفرا، لم تنقصه هذه الأمور. ومن شكره لعبده، أن من ترك شيئا لله أعاضه الله خيرا منه، ومن تقرب منه شبرا تقرب منه ذراعا، ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، ومن عامله ربح عليه أضعافا مضاعفة".
2 ـ قال الله تعالى: {ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور}(الشورى:23). قال ابن كثير: "{ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا} أي: ومن يعمل حسنة {نزد له فيها حسنا} أي: أجرا وثوابا..{إن الله غفور شكور} أي: يغفر الكثير من السيئات، ويكثر القليل من الحسنات، فيستر ويغفر، ويضاعف فيشكر". وقال الطبري: "قوله: {إن الله غفور شكور} يقول: إن الله غفور لذنوب عباده، شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {إن الله غفور} للذنوب {شكور} للحسنات يضاعفها". وقال البغوي: "قوله تعالى: {ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا} أي: من يزد طاعة نزد له فيها حسنا بالتضعيف، {إن الله غفور} للذنوب، {شكور} للقليل من الحسنات حتى يضاعفها".
3 ـ قال تعالى: {إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم}(التغابن:17). قال الطبري: "{والله شكور} يقول: والله ذو شكر لأهل الإنفاق في سبيله، بحسن الجزاء لهم على ما أنفقوا في الدنيا في سبيله {حليم} يقول: حليم عن أهل معاصيه بترك معاجلتهم بعقوبته". وقال السعدي: "والله تعالى شكور يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه الكثير من الأجر، ويشكر تعالى لمن تحمل من أجله المشاق والأثقال، وناء بالتكاليف الثقال، ومن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه".
4 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ساقي الكلب ماء: (بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا، فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه (بفمه)، ثم رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر) رواه البخاري.
5 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له، فغفر له) رواه البخاري.
قال القاضي عياض: "(فشكر الله له ذلك فغفر له): أي أحبه منه ورضى فعله، ثم جازاه عليه". وقال ابن قرقول: "قوله: (فشكر الله له) أي: أثابه وزكى ثوابه وضاعفه. وقيل: قبل عمله. وقيل: أثنى عليه بذلك وذكره به لملائكته، والشكور في أسمائه بمعنى الذي يزكو عنده القليل من أعمال عباده فيضاعف لهم ثوابه". وقال القرطبي: "(فشكر الله له) أي: رضي فعله ذلك، وأثابه عليه بالأجر، والثناء الجميل". وقال الكرماني: "(فشكر الله له) معناه: تقبل الله منه وأثنى عليه، وفيه فضيلة إماطة الأذى عن الطريق وهي أدنى شعب الإيمان". وقال ابن حجر: "قوله: (فشكر الله له) أي: رضي الله عنه، والشكور من أسماء الله تعالى الحسني، قيل معناه: الذي يذكر عنده القليل من عمل عباده فيضاعف لهم ثوابه، وقيل: الراضي بالقليل من الشكر". وقال السيوطي: "فشكر الله له أي قبل عمله وأثابه".
وقال ابن القيم في "عدة الصابرين": "وأما شكر الرب تعالى فله شأن آخر، كشأن صبره، فهو أولى بصفة الشكر من كل شكور، بل هو الشكور على الحقيقة، فإنه يعطي العبد ويوفقه لما يشكره عليه، ويشكر القليل من العمل والعطاء فلا يستقله أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة، ويشكر عبده بقوله بأن يثني عليه بين ملائكته، وفي ملئه الأعلى، ويلقي له الشكر بين عباده، ويشكره بفعله فإذا ترك له شيئا أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئا رده عليه أضعافا مضاعفة، وهو الذي وفقه للترك والبذل وشكره على هذا وذاك.. ومن شكره سبحانه أنه يجازى عدوه بما يفعله من الخير والمعروف في الدنيا، ويخفف به عنه يوم القيامة، فلا يضيع عليه ما يعمله من الاحسان وهو من أبغض خلقه اليه، ومن شكره أنه غفر للمرأة البغي بسقيها كلبا كان قد جهده العطش حتى أكل الثرى، وغفر لآخر بتنحيته غصن شوك عن طريق المسلمين. فهو سبحانه يشكر العبد على إحسانه لنفسه. والمخلوق إنما يشكر من أحسن إليه، وأبلغ من ذلك أنه سبحانه هو الذي أعطى العبد ما يحسن به إلى نفسه، وشكره على قليله بالأضعاف المضاعفة التي لا نسبة لإحسان العبد إليها، فهو المحسن بإعطاء الإحسان وإعطاء الشكر، فمن أحق باسم (الشكور) منه سبحانه!".
العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا له فوائد وثمرات كثيرة وعظيمة، منها: معرفة الله عز وجل وزيادة الإيمان، وتعميق حب الله سبحانه والأدب معه، وإصلاح القلوب، وتزكية النفوس. قال ابن القيم في "طريق الهجرتين": "ليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب.. فالسير إلى الله من طريق الأسماء والصفات شأنه عجب، وفتحه عجب، صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مستلق على فراشه غير تعب ولا مكدود، ولا مشتت عن وطنه ولا مشرد عن سكنه".. ومن صفات الله عز وجل الله "الشكر"، ومن أسمائه "الشاكر، والشكور"..وقد تعهد الله تعالى ووعد بالزيادة لمن شكره، فقال تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}(إبراهيم:7). قال السعدي: "والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى، وكفر النعمة ضد ذلك". وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يقول دبر كل صلاة: (اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) رواه أبو داود. قال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود": "(شكرك) أي: على كمال شكرك، إذ لا يتمكن منه إلا بتوفيق الله وإعانته، وشرح صدره، وتنوير بصيرته".