- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الشرك والكفر
النذر عبادة وقربة لا تنبغي لأحد إلا لله عز وجل، والنذر معناه: إلزام الإنسان المكلف نفسه ما ليس واجبا عليه شرعا. قال الحجاوي في "الإقناع لطالب الانتفاع": "والنذر: هو إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى بالقول شيئا غير لازم بأصل الشرع: كعلي لله، أو نذرت لله، ونحوه". وقال ابن المنذر في "الإجماع": "وأجمعوا أن كل من قال: إن شفى الله عليلي، أو قدم غائبي، أو ما أشبه ذلك، فعلي من الصوم كذا، ومن الصلاة كذا، فكان ما قال، أن عليه الوفاء بنذره". وقد مدح الله تعالى في كتابه العزيز عباده الأبرار، ووعدهم الأجر والمثوبة، وذكر من صفاتهم الوفاء بالنذر، فقال سبحانه: {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا}(الإنسان:7:5). قال ابن كثير: "قوله: {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} أي: يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر". وقال السعدي: "{يوفون بالنذر} أي: بما ألزموا به أنفسهم لله من النذور والمعاهدات، وإذا كانوا يوفون بالنذر، وهو لم يجب عليهم إلا بإيجابهم على أنفسهم، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الأصلية، من باب أولى وأحرى".
والنذر لغير الله تعالى شرك بالله سبحانه، لأنه عبادة يجب صرفها لله تعالى وحده، فمن صرفها لغيره فقد أشرك، والذين ينذرون لغير الله تعالى، سواء كان للأموات من الأنبياء والأولياء أو لغيرهم من الأحياء والأموات، إنما يفعلون ذلك عن اعتقاد باطل، فيعتقدون أن هذا النذر يجلب لهم النفع أو يدفع عنهم الضر، ومنهم من يقدم تلك النذور إلى الأولياء وغيرهم من أجل أن تقربهم عند الله زلفى، قال الله تعالى: {ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}(الزمر:3). قال السعدي: "{ألا لله الدين الخالص} هذا تقرير للأمر بالإخلاص، وبيان أنه تعالى كما أنه له الكمال كله، وله التفضل على عباده من جميع الوجوه، فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب.. فلذلك لما أمر بالتوحيد والإخلاص، نهى عن الشرك به، وأخبر بذم من أشرك به فقال: {والذين اتخذوا من دونه أولياء} أي: يتولونهم بعبادتهم ودعائهم معتذرين عن أنفسهم وقائلين: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} أي: لترفع حوائجنا لله، وتشفع لنا عنده، وإلا فنحن نعلم أنها، لا تخلق، ولا ترزق، ولا تملك من الأمر شيئا. أي: فهؤلاء، قد تركوا ما أمر الله به من الإخلاص، وتجرأوا على أعظم المحرمات، وهو الشرك، وقاسوا الذي ليس كمثله شيء، الملك العظيم، بالملوك، وزعموا بعقولهم الفاسدة ورأيهم السقيم، أن الملوك كما أنه لا يوصل إليهم إلا بوجهاء وشفعاء ووزراء يرفعون إليهم حوائج رعاياهم، ويستعطفونهم عليهم، ويمهدون لهم الأمر في ذلك، أن الله تعالى كذلك. وهذا القياس من أفسد الأقيسة، وهو يتضمن التسوية بين الخالق والمخلوق، مع ثبوت الفرق العظيم، عقلا ونقلا وفطرة". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه) رواه مسلم. وفي رواية لابن حبان: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري فأنا بريء منه). قال ابن هبيرة: "فهو سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك.. ومعنى الحديث أن كل عمل يشرك فيه بالله غيره، فإنه لا يقبل الله منه شيئا لقوله: (تركته وشركه)".
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "والنذر للمخلوقات أعظم من الحلف بها، فمن نذر لمخلوق لم ينعقد نذره ولا وفاء عليه باتفاق العلماء: مثل من ينذر لميت من الأنبياء والمشايخ وغيرهم.. وكذلك من نذر لغير هؤلاء: زيتا أو شمعا أو ستورا أو نقدا: ذهبا أو دراهم أو غير ذلك: فكل هذه النذور محرمة باتفاق المسلمين ولا يجب، بل ولا يجوز الوفاء بها باتفاق المسلمين. وإنما يوفي بالنذر إذا كان لله عز وجل وكان طاعة.. فمن نذر لغير الله فهو مشرك أعظم من شرك الحلف بغير الله وهو كالسجود لغير الله، ولو نذر ما ليس عبادة - كما لو نذرت المرأة صوم أيام الحيض - لم يلزم ذلك". وقال الشوكاني في "الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد": "وكذلك النحر (التقرب بالذبائح مما يباح أكله) للأموات عبادة لهم، والنذر لهم بجزء من المال عبادة لهم، والتعظيم عبادة لهم، كما أن النحر للنسك، وإخراج صدقة المال، والخضوع والاستكانة: عبادة لله عز وجل بلا خلاف، ومن زعم أن ثم فرقا بين الأمرين فليهده إلينا، ومن قال: إنه لم يقصد بدعاء الأموات والنحر لهم والنذر لهم عبادتهم، فقل له: فلأي مقتضى صنعت هذا الصنع؟ فإن دعاءك للميت عند نزول أمر بك لا يكون إلا لشيء في قلبك عبر عنه لسانك، فإن كنت تهذي بذكر الأموات عند عرض الحاجات من دون اعتقاد منك لهم، فأنت مصاب بعقلك".
وقال الصنعاني في "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد": "فإن قلت: هذه النذور والنحائر ما حكمها؟ قلت: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها، يسعون في جمعها، ولو بارتكاب كل معصية، ويقطعون الفيافي من أدنى الأرض والأقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئا إلا معتقدا لجلب نفع أكثر منه، أو دفع ضرر، فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك، وهذا اعتقاد باطل، ولو عرف الناذر بطلان ما أراده، ما أخرج درهما".
وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرح كتاب التوحيد: "كل من الذبح والنذر يصاحبهما اعتقاد تعظيم المخلوق كتعظيم الله عز وجل، وهذا شرك، قال الله تعالى: {يحبونهم كحب الله}(البقرة:165)، وقال تعالى: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين}(الشعراء:98:97)".
فائدة:
1 ـ النهي عن النذر: وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن النذر وبيان كراهته. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن النذر ويقول: إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من الشحيح (البخيل)) رواه البخاري. قال الطيبي: "عادة الناس تعليق النذور علي حصول المنافع ودفع المضار فنهي عنه، فإن ذلك فعل البخلاء، إذ السخي إذا أراد أن يتقرب إلي الله تعالي استعجل فيه وأتى به في الحال، والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا في مقابلة عوض يستوفيه أولا، فيلتزمه في مقابلة ما سيحصل له، ويعقله علي جلب نفع أو دفع ضرر، وذلك لا يغني عن القدر شيئا، أي نذره لا يسوق إليه خيرا لم يقدر له ولا يرد عنه شرا قضي عليه، ولكن النذر قد يوافق القدر، فيخرج من البخيل ما لولاه لم يكن يريد أن يخرجه.. معنى نهيه عن النذر إنما هو لتأكيد الأمر وتحذير التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل، لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به، إذا صار معصية. وإنما وجه الحديث أنه أعلمهم أن ذلك أمر لا يجلب لهم في العاجل نفعا، ولا يصرف عنهم ضرا، ولا يرد شيئا قضاه الله تعالي". وقال النووي: "قال المازري: يحتمل أن يكون سبب النهي عن كون النذر يصير ملتزما له فيأتي به تكلفا بغير نشاط، قال: ويحتمل أن يكون سببه كونه يأتي بالقربة التي التزمها في نذره على صورة المعاوضة للأمر الذي طلبه فينقص أجره، وشأن العبادة أن تكون متمحضة (خالصة) لله تعالى. قال القاضي عياض: ويحتمل أن النهي لكونه قد يظن بعض الجهلة أن النذر يرد القدر ويمنع من حصول المقدر، فنهى عنه خوفا من جاهل يعتقد ذلك، وسياق الحديث يؤيد هذا. والله أعلم".
2 ـ نذر المعصية يحرم الوفاء به: نذر المعصية هو كل نذر فيه معصية لله عز وجل، كأن ينذر زيارة الأضرحة والمشاهد الشركية، وكذا لو نذر أن يفعل معصية من المعاصي كالزنا، أو شرب الخمر، أو السرقة، أو أن يقطع رحمه فلا يصل قريبه الفلاني، أو لا يدخل بيته دون مانع شرعي يبرر ذلك، فإن هذا كله مما لا يجوز الوفاء به بحال. جاء في كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق):" "النذر غير الجائز قسمان: أحدهما: نذر فعل معصية، كشرب خمر، وقتل معصوم.. فيحرم الوفاء به.. ولأن معصية الله تبارك وتعالى لا تباح في حال من الأحوال.. الثاني: النذر لغير الله تعالى، كالنذر لإبراهيم الخليل، أو محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، أو ابن عباس رضي الله عنهما، أو الشيخ عبد القادر، أو الخضر، أو لملك من الملائكة.. فلا خلاف بين من يعتد به من علماء المسلمين أنه من الشرك". عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه) رواه البخاري. وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا وفاء لنذر في معصية، ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد أو ابن آدم) رواه ابن حبان. وفي رواية: (لا نذر في معصية الله).. قال القاضي عياض: "قوله: (لا نذر في معصية): نفى النذر عنها، إذ النذر المقصد فيه التبرك والتقرب، والمعصية تنافيه، فلا نذر يصح فيها ولا يلزم، بل نهى عنه وعن الوفاء به". وقال النووي: "في هذا دليل على أن من نذر معصية كشرب الخمر ونحو ذلك فنذره باطل لا ينعقد، ولا تلزمه كفارة يمين ولا غيرها، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وداود وجمهور العلماء. وقال أحمد: تجب فيه كفارة اليمين بالحديث المروي عن عمران بن الحصين وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين) واحتج الجمهور بحديث عمران بن حصين".
3 ـ عدم الوفاء بأي نذر يتعارض مع نص من الشرع: إذا نذر مسلم نذرا وتبين له أن نذره هذا يتعارض مع نص صحيح ـ من الكتاب والسنة ـ فيه أمر أو فيه نهي، لزمه التوقف عن الوفاء بالنذر.. قال ابن حجر: "انعقد الإجماع على أنه لا يجوز له أن يصوم يوم الفطر ولا يوم النحر لا تطوعا ولا نذرا". وقال النووي في "المجموع": "قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: يتعين رمضان لصوم رمضان، فلا يصح فيه غيره، فلو نوى فيه الحاضر أو المسافر أو المريض صوم كفارة، أو نذر، أو قضاء، أو تطوع، أو أطلق نية الصوم لم تصح نيته، ولا يصح صومه، لا عما نواه، ولا عن رمضان".
4 ـ نذر القربة والطاعة يجب الوفاء به: يجب الوفاء بنذر الطاعة سواء كان مطلقا أو معلقا على حصول شيء، لقول الله تعالى: {وليوفوا نذورهم}(الحج:29)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) رواه البخاري. فالذي يستطيع الوفاء بنذره الذي نذره لله عز وجل، وتعمد عدم الوفاء به يعرض نفسه للعقاب، وعدم الوفاء بالنذر من سمات المنافقين، قال الله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}(التوبة 77:75). والأولى بالمسلم أن يجتنب إلزام نفسه بما قد يعجز عنه.
النذر عبادة من العبادات التي يلزم الإنسان بها نفسه، فلا يجوز صرفه لغير الله تعالى، فمن نذر لمخلوق شيئا، كأن يقول: لفلان ـ من الأنبياء والأولياء والصالحين وغيرهم ـ علي نذر أن أتصدق بكذا إن شفي مريضي وقضى حاجتي، فقد أجمع أهل العلم على أن ذلك من الشرك بالله عز وجل ولا يجوز الوفاء به. قال ابن تيمية: "قد اتفق العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن ينذر لغير الله، لا لنبي ولا لغير نبي، وأن هذا النذر شرك لا يوفي به". وقال السعدي: "إن النذر عبادة، مدح الله الموفين به، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذر الطاعة، وكل أمر مدحه الشارع أو أثنى على من قام به، أو أمر به فهو عبادة... فهذه إخلاصها لله إيمان وتوحيد، وصرفها لغير الله شرك وتنديد". وقال الشيخ ابن باز: "النذور التي يتقرب بها الناس إلى أصحاب القبور والسدنة (الذين يقومون بشؤونها) التي على القبور كلها باطلة، وكلها شرك بالله عز وجل، لأن النذر عبادة، فلا يجوز أن يصرف لغير الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز أن ينذر لقبر البدوي أو الحسين، أو فلان أو فلان، لا دراهم ولا شمعا ولا خبزا، ولا غير ذلك، كل ذلك منكر لا يجوز.. قال سبحانه: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه}(البقرة:270)، يعني: فيجازيكم عليه، فالنذور قرب وطاعات، فإن كانت لله فلصاحبها ثوابها.. أما إذا نذر أن يتصدق بكذا وكذا للشيخ البدوي، أو للسيد حسين، أو للشيخ عبد القادر الجيلاني، أو لفلان أو لفلان، هذه نذور باطلة، نذور شركية باطلة". وقال الشيخ ابن عثيمين: "النذر لغير الله، مثل أن يقول: لفلان علي نذر، أو لهذا القبر علي نذر، أو لجبريل علي نذر، يريد بذلك التقرب إليهم، وما أشبه ذلك، والفرق بينه وبين نذر المعصية: أن النذر لغير الله ليس لله أصلا، ونذر المعصية لله، ولكنه على معصية من معاصيه، مثل أن يقول: لله علي نذر أن أفعل كذا وكذا من معاصي الله، فيكون النذر لله، والمنذور معصية.. وحكم النذر لغير الله شرك، لأنه عبادة للمنذور له، وإذا كان عبادة فقد صرفها لغير الله، فيكون مشركا".
خلق الله عز وجل الخلق لعبادته وتوحيده، قال الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56). قال القرطبي: "والمعنى: وما خلقت أهل السعادة من الجن والإنس إلا ليوحدون". ومعلوم أن الإسلام جاء إلى البشرية بأعظم معروف وهو توحيد الله عز وجل وعبادته، ونهى عن أعظم منكر وهو الشرك بالله، قال الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا}(النساء:36). قال السعدي: "يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له، وهو الدخول تحت رق عبوديته، والانقياد لأوامره ونواهيه، محبة وذلا وإخلاصا له، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة. وينهى عن الشرك به شيئا، لا شركا أصغر ولا أكبر". والعبادات جميعها بأنواعها القلبية والفعلية والقولية ـ ومنها النذر ـ حق لله تعالى وحده، لا يجوز أن تصرف لغيره، فمن صرف شيئا منها لغير الله فقد وقع في الشرك بالله عز وجل..