تيسير الزواج .. ومحاربة الفواحش

0 325

جعل الله سبحانه وتعالى دينه عقيدة وشريعة، وكما دلنا على وحدانيته وأمرنا بتوحيده وعبادته، كذلك أمرنا أيضا باتباع شريعته، وهي قانونه الذي وضعه ليضبط به حياة المسلمين، وأكد علينا ألا نقبل شريعة سواها ولا قانونا غيرها، فقال سبحانه: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}[الجاثية:18].
ذلك لأن الله جلت حكمته لما وضع لنا هذه الشريعة إنما وضعها لإسعاد الناس، ووضعها بعلم وحكمة، فهو الذي خلق العباد وهو الذي يعلم ما يصلحهم في المعاش والمعاد {ألا يعلم من خلق وهو ٱللطيف ٱلخبير}[الملك:14].

ونحن المسلمين مطالبون باتباع شريعة الله جملة، وأن نأخذ بها كلها، وألا نفرط في شيئ منها مهما استطعنا ذلك، ولا نكون كأهل الكتاب الذين قال الله فيهم: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضۚ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنياۖ ويوم القيامة يردون إلى أشد العذابۗ وما الله بغافل عما تعملون}[البقرة:85}.

ذلك أن الله جلت حكمته جعل هذه الشريعة متكاملة، وجعل بعض الأحكام متعلقة ببعض، وربما يترتب على بعض الأحكام آثار يريدها الله تعالى من خلالها، فإذا تهاون الناس في بعض جوانب الشريعة ربما أفسد ذلك عليهم معاشهم، وربما ضيع مجتمعهم كله أو أدى إلى خلل كبير فيه.. ولذلك قال سبحانه جل في علاه: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطانۚ إنه لكم عدو مبين}[البقرة:208].

مثال: تيسير الزواج وطهارة المجتمع
ونبين هذا الكلام بمثل يوضح معناه فنقول:
حينما تسمع رب العزة سبحانه وهو يرغب في الزواج ويقول: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمةۚ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}[الروم:21].
ويقول: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ۚ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ۗ والله واسع عليم}[النور:32].

وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول للشباب: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)[متفق عليه].
وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالباءة، وينهى عن التبتل نهيا شديدا، ويقول: تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)[رواه أحمد، وصححه ابن حبان].

حينما تسمع ذلك وتقرأ آيات الكتاب وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تجد حثا من الشريعة على تيسير أمر الزواج وعدم التضييق فيه، والدعوة إلى تقليل المهور، والمسارعة إلى قبول تزويج الصالحين كما في الحديث (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)رواه الترمذي.

ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في التيسير في مطالب الزواج وتكاليفه: فقد روي عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة)، وفي لفظ: (إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة).
وكذلك أيضا روى أحمد وابن حبان - بسند حسن عنها رضي الله عنها- عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قال: (إن من يمن المرأة: تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها).

وإنما يريد الشارع من وراء كل ذلك عفة الشباب، وصيانة المجتمع، والحفاظ على قلوب الناس وعقولهم حتى تصفوا نفوسهم للعبادة، ولا تنشغل بالشهوات، وأن تتفرغ للانطلاق في الأرض والسعي في العمل المفيد النافع.. ومن المقاصد أيضا صيانة الأنساب وصيانة الأعراض.

تجفيف منابع الفاحشة
لكن من أهم المقاصد قبل كل ذلك وبعده: إغلاق باب الرذيلة، وتجفيف منابع الفاحشة، لأن الفاحشة إذا ظهرت في مجتمع أهلكته وعرضته لأسباب العقوبة والدمار.
ونحن إذا نظرنا في الأمم المهلكات والقرى المعذبات وجدنا أن انتشار الفسق والفجور والزنا والخنا وإعلان المناكر كان من أعظم أسباب هلاكها.. قال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}[الإسراء:16].

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من انتشار الزنا خاصة، وذلك فما رواه الإمام أحمد وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (ما ظهر في قوم الزنا والربا؛ إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله).
وقال للمهاجرين: (يا معشر المهاجرين ! خصال خمس إذا ابتليتم بهن ، وأعوذ بالله أن تدركوهن (وذكر من هذه الخصال) لم تظهر الفاحشة في قوم قط ؛ حتى يعلنوا بها ؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)[رواه ابن ماجة والطبراني].

فانتشار الفاحشة مؤذن بخراب الديار والبلاد، وموجب لعقاب الله تعالى لفاعليها بالأمراض والأوجاع والطواعين التي لا علاج لها ولا حل لها كما هو ظاهر في حياة الناس من الأمراض الناتجة عن الزنا والشذوذ واللواط وأشباه ذلك.

فإذا أردنا أن نمنع الفواحش ونحاربها فلابد من وضع قوانين تتضافر في مجملها للحد من هذا الأمر قدر الإمكان، وهذا ما فعلته الشريعة المطهرة، فكان الأمر بتيسير الزواج، والأمر بحجاب المرأة، والنهي عن الاختلاط المحرم بالرجال، والنهى عن نشر الصور العارية والمقاطع الخليعة، وأمر الناس بمواجهة المخالفات بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن جملة ذلك الحدود التي وضعها الله تعالى لمن وقع في هذه الفاحشة. كل ذلك إنما يراد به تطهير المجتمع وعفته ونظافته وصيانته عن أن تنتشر فيه الفواحش فيستحق عقاب الله سبحانه.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة