خَزَنَةُ الجَنَّة

0 14

 

الإيمان بالجنة والنار، وما أعده الله عز وجل لأهل الجنة من نعيم ليس له في الدنيا نظير ولا شبيه، وما أعده لأهل النار من عذاب لا يتصوره بشر، يدخل ضمن الإيمان باليوم الآخر الذي هو أصل وركن من أصول وأركان الإيمان.. والإيمان بالجنة والنار فرع من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا آمنا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله، صدقنا بكل ما جاءنا به من عند الله من أخبار وأوامر ونواهي، ومما أخبرنا به وحدثنا عنه الجنة والنار وما فيهما من نعيم أو عذاب، وأحوال أهل كل واحدة منهما، وقد قال الله تعالى عن نبيه: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}(النجم:4:3). قال السعدي: "أي: ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه.. ودل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}(النساء:113)، وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، وإنما يصدر عن وحي يوحى".
والملائكة خلق من مخلوقات الله تعالى، خلقهم الله من نور، وهم عباد مكرمون، خلقا وخلقا، بررة صفة وفعلا، قال الله عز وجل عنهم: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}(التحريم:6).. والملائكة بالنسبة إلى ما هيأهم الله تعالى له ووكلهم به على أقسام، وقد ورد في الكتاب والسنة أسماء بعضهم، والأمور الموكلة إليهم، ومن ذلك: جبريل الموكل بالوحي من الله تعالى إلى رسله عليهم الصلاة والسلام، ومنهم الموكل بالقطر (المطر) وتصاريفه، ومنهم الموكل بالصور وهو إسرافيل عليه السلام، ومنهم الموكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت وأعوانه من الملائكة، ومنهم ما هو موكل بحفظ العبد في نومه ويقظته وفي جميع حالاته وهم المعقبات، ومنهم الموكل بكتابة أعمال العباد من خير أو شر، وهم الكرام الكاتبون عن اليمين وعن الشمال، ومنهم الموكلون بفتنة القبر وهم منكر ونكير..
ومن الملائكة كذلك خزنة الجنة، وخزنة النار، قال الله تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}(الزمر:73). وقال تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا}(الزمر:71). فللجنة خزنة من الملائكة، ولجهنم خزنة من الملائكة.

خزنة الجنة:
قال ابن القيم: "الخزنة جمع خازن، مثل حفظة وحافظ، وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استحفظه".
1 ـ قال الله تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}(الزمر:73). قال ابن كثير: "وكانت هذه الأمور من فتح الأبواب لهم إكراما وتعظيما، وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء، لا كما تلقى الزبانية (خزنة جهنم) الكفرة بالتثريب والتأنيب". وقال السعدي: "{وسيق الذين اتقوا ربهم} بتوحيده والعمل بطاعته، سوق إكرام وإعزاز.. {إلى الجنة زمرا} فرحين مستبشرين، كل زمرة مع الزمرة، التي تناسب عملها وتشاكله. {حتى إذا جاءوها} أي: وصلوا لتلك الرحاب الرحيبة والمنازل الأنيقة، وهب عليهم ريحها ونسيمها، وآن خلودها ونعيمها. {وفتحت} لهم {أبوابها} فتح إكرام، لكرام الخلق، ليكرموا فيها. {وقال لهم خزنتها} تهنئة لهم وترحيبا: {سلام عليكم} أي: سلام من كل آفة وشر حال.. وفي الآيات دليل على أن النار والجنة لهما أبواب تفتح وتغلق، وأن لكل منهما خزنة، وهما الداران الخالصتان، اللتان لا يدخل فيهما إلا من استحقهما، بخلاف سائر الأمكنة والدور".
2 ـ قال تعالى: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب}(الرعد:23). قال السعدي: "{والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} يهنئونهم بالسلامة وكرامة الله لهم ويقولون: {سلام عليكم} أي: حلت عليكم السلامة والتحية من الله وحصلت لكم، وذلك متضمن لزوال كل مكروه، ومستلزم لحصول كل محبوب.{بما صبرتم} أي: صبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه المنازل العالية، والجنان الغالية، {فنعم عقبى الدار}".
3 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله، دعاه خزنة الجنة، كل خزنة باب: أي فل (أي: فلان) هلم، قال أبو بكر: يا رسول الله، ذاك الذي لا توى عليه (لا هلاك وضياع عليه)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكون منهم) رواه البخاري ومسلم.
قال العيني: "(خزنة الجنة) فإنهم الملائكة". وقال ابن حجر: "دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي خزنة كل باب". وقال ابن الجوزي: "فإن قيل: إذا كانت المنازل تتفاوت، فكيف يقول كل خازن من خزنة الجنة عن بابه: هذا خير؟ فالجواب: أنه لاطلاعه على ما هو خازنه ونظره في عجائبه يظن أنه لا يكون شيء خيرا منه، لأنه لم يطلع على غيره". وقال القسطلاني: "(دعته خزنة الجنة) الملائكة". وفي "منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري": "(دعته خزنة الجنة: أي فل) أي نادته خزنة الجنة من الملائكة "يا فلان" باسمه الذي يعرف به في الدنيا (هلم) أي تعال إلى الجنة ونعيمها، فإنها مفتحة الأبواب لك".
وقال المناوي في "فيض القدير: "سمي الموكل بحفظ الجنة خازنا، لأنها خزانة الله تعالى أعدها لعباده.. وظاهره أن الخازن واحد، وهو غير مراد، بدليل خبر أبي هريرة: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب: هلم..) فهو صريح في تعدد الخزنة، إلا أن رضوان أعظمهم ومقدمهم، وعظيم الرسل إنما يتلقاه عظيم الحفظة".
4 ـ عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك) رواه مسلم. قال المظهري في "المفاتيح في شرح المصابيح": "(الخازن): واحد الخزنة، وهو ملك موكل بحفظ الجنة، سمي خازنا لأن الجنة خزانة الله سبحانه وتعالى، أعدها للمؤمنين، وهو حافظها. (من) في (من أنت) للاستفهام بمعنى السؤال. "(بك أمرت) يعني: أمرت بأن أفتح لك باب الجنة أول، ثم لغيرك من الأنبياء والمرسلين". وقال الكرماني: "(آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح) أي: أطلب الفتح. (فيقول الخازن: من أنت؟): الاستفهام بمعنى السؤال. (فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت) يعني: أمرت بأن أفتح لك باب الجنة أولا. (لا أفتح لأحد قبلك)". وقال الهروي: "(آتي) أي: أجيء (باب الجنة يوم القيامة فأستفتح) أي: أطلب فتحه (فيقول الخازن: من أنت)؟ سمي الموكل لحفظ الجنة خازنا لأن الجنة خزانة الله تعالى أعدها الله للمؤمنين (فأقول محمد) أي: أنا محمد (فيقول: بك) أي: بفتح الباب لك قبل غيرك من الأنبياء (أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك)".
5 ـ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتعلم؟ أول زمرة تدخل الجنة من أمتي فقراء المهاجرين، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة، ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة: أو قد حوسبتم؟ قالوا بأي شيء نحاسب، وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله (أي: نجاهد في سبيل الله) حتى متنا على ذلك؟ فيفتح لهم فيقيلون (لقيلولة الاستراحة نصف النهار) فيها أربعين عاما، قبل أن يدخلها الناس) رواه الحاكم وصححه الألباني.

مقدم ورئيس خزنة الجنة:

اشتهر أن خازن الجنة من الملائكة اسمه "رضوان"، إلا أن هذه التسمية لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة، والثابت في الأحاديث الصحيحة لقبه (الخازن) لا اسمه، فقد ثبت في حديث الشفاعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك) رواه مسلم. وإنما ورد اسم "رضوان" في بعض الأحاديث ضعفها الكثير من أهل العلم.. وقد توارد بعض العلماء على إطلاق اسم "رضوان" على مقدم ورئيس خزنة الجنة.
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" في كلامه عن الملائكة: "ومنهم الموكلون بالجنان (جمع الجنة)، وإعداد الكرامة لأهلها، وتهيئة الضيافة لساكنيها، من ملابس ومصاغ ومساكن ومآكل ومشارب، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وخازن الجنة ملك يقال له (رضوان)، جاء مصرحا به في بعض الأحاديث". وقال ابن القيم في "حادي الأرواح": "قد سمى الله سبحانه وتعالى كبير هذه الخزنة (رضوان)، وهو اسم مشتق من الرضا، وسمى خازن النار مالكا، وهو اسم مشتق من الملك وهو القوة والشدة حيث تصرفت حروفه".
وقال المناوي في "فيض القدير": "سمي الموكل بحفظ الجنة خازنا، لأنها خزانة الله تعالى أعدها لعباده.. وظاهره أن الخازن واحد، وهو غير مراد، بدليل حديث أبي هريرة: (من أنفق زوجين في سبيل الله، دعاه خزنة الجنة، كل خزنة باب: هلم). فهذا وغيره من الأحاديث صريح في تعدد الخزنة، إلا أن رضوان أعظمهم ومقدمهم، وعظيم الرسل إنما يتلقاه عظيم الحفظة".
وقال الشيخ ابن عثيمين: "وأما "رضوان" فموكل بالجنة، واسمه هذا ليس ثابتا ثبوتا واضحا كثبوت مالك (يعني: خازن النار) لكنه مشهور عند أهل العلم بهذا الاسم".

الجنة دار الله ودار كرامته، ومحل أوليائه وعباده الصالحين، وفي الجنة نعيم لا مثيل له، ليس له في الدنيا نظير ولا شبيه، وفي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال الله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم}(محمد:15). وقال صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}(السجدة:17)). وللجنة أبواب ثمانية يدخل منها المؤمنون، قال الله تعالى: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب}(ص:50)، وقال صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ، ـ أو فيسبغ الوضوء ـ، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) رواه مسلم. قال ابن حجر في "فتح الباري": "وقد وردت هذه العدة لأبواب الجنة في عدة أحاديث".. والجنة لها خزنة من الملائكة وهم المسؤولون عن فتح أبوابها، وهم الذين يستقبلون أهلها بالترحاب والبشرى، مهنئين لهم ومسلمين عليهم بأجمل تحية وأعذبها، والخزنة جمع: خازن، وهو المؤتمن على الشيء الذي استحفظ عليه، قال الله تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}(الزمر:73). 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة