- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:معجم أسماء الله الحسنى
أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. وأهل السنة يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه ـ من أسماء وصفات ـ في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما ينفون ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الله عز وجل أعلم بنفسه من غيره، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بربه. قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(الأعراف:180). قال الشوكاني في "فتح القدير": "هذه الآية مشتملة على الإخبار من الله سبحانه بما له من الأسماء على الجملة دون التفصيل، والحسنى تأنيث الأحسن أي التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول، ثم أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة فإنه إذا دعي بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري. قال النووي: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)". وقال أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني: "ويعتقدون ـ يعني: أهل السنة والجماعة ـ أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم".
والله عز وجل ليس كمثله شيء، فإنه سبحانه الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، الذي دلت النصوص والعقول على أنه لا نظير له سبحانه وتعالى، فلا مثيل له في ربوبيته، ولا مثيل له في إلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11). قال السعدي: "{ليس كمثله شيء} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة". وقال الشيخ ابن عثيمين في "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى": "السلف الصالح من صدر هذه الأمة، وهم الصحابة الذين هم خير القرون، والتابعون لهم بإحسان، وأئمة الهدى من بعدهم: كانوا مجمعين على إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، وإجراء النصوص على ظاهرها اللائق بالله تعالى، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهم خير القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعهم حجة ملزمة لأنه مقتضى الكتاب والسنة".
و"المجيد" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، فالله سبحانه "المجيد" له المجد المطلق بفعاله العظيمة وصفاته العلية وبأسمائه الحسنى، فلا مجد إلا مجده، ولا عظمة إلا عظمته، وكل مجد لغيره فإنما هو منه عطاء وتفضل، وهو المستحق للتمجيد والتعظيم والإجلال في قلوب عباده، والله سبحانه هو المجيد الذي لا مجد يشابهه أو يدانيه، فله المجد الأعلى، والشرف التام.. ومن معاني المجيد، الواسع الكريم المعطاء، الكثير الإحسان إلى عباده بما يفيضه عليهم من الخيرات.
قال ابن منظور في "لسان العرب": "المجد: المروءة والسخاء، والمجد: الكرم والشرف، والمجيد: من صفات الله عز وجل، وفعيل أبلغ من فاعل، فكأنه يجمع معنى الجليل والوهاب والكريم". وقال أبو إسحاق الزجاج في "تفسير أسماء الله الحسنى": "(المجيد) أصل المجد في الكلام الكثرة والسعة". وفي "المقصد الأسنى": "(المجيد) هو الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه ونوله، فكأن شرف الذات إذا قارنه حسن الفعال سمي مجدا.. فإن المجيد يدل على سعة الإكرام مع شرف الذات". وقال الأصفهاني: "المجد: السعة في الكرم والجلال". وقال الخطابي في "شأن الدعاء": "(المجيد) هو الواسع الكرم". وقال السعدي: "المجيد الكبير العظيم الجليل: وهو الموصوف بصفات المجد والكبرياء، والعظمة والجلال". وقال ابن القيم في "جلاء الأفهام": "وأما المجد، فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال، كما يدل على موضوعه في اللغة، فهو دال على صفات العظمة والجلال".
وقد ورد اسم الله عز وجل "المجيد" في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية الصحيحة، ومن ذلك:
1 ـ قال الله تعالى: {رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد}(هود:73). قال ابن كثير: " أي: هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله محمود، ممجد في صفاته وذاته،؛ ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا: (قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد)". وقال الطبري: "وقوله: {إنه حميد مجيد} يقول: إن الله محمود في تفضله عليكم بما تفضل به من النعم عليكم وعلى سائر خلقه، {مجيد} يقول: ذو مجد ومدح وثناء كريم". وقال البغوي: "(فالحميد): المحمود في أفعاله، و(المجيد): الكريم، وأصل المجد الرفعة". وقال السعدي: "أي: حميد الصفات، لأن صفاته صفات كمال، حميد الأفعال لأن أفعاله إحسان، وجود، وبر، وحكمة، وعدل، وقسط. مجيد، والمجد: هو عظمة الصفات وسعتها، فله صفات الكمال، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأعمها".
2 ـ قال الله تعالى: {وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد}(البروج:15:14). قال ابن كثير: "و {المجيد} فيه قراءتان: الرفع على أنه صفة للرب عز وجل. والجر على أنه صفة للعرش، وكلاهما معنى صحيح". وقال الشوكاني في "فتح القدير": "قرأ الجمهور {ذو العرش المجيد} برفع المجيد على أنه نعت لذو، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قالا: لأن المجد هو النهاية في الكرم والفضل، والله سبحانه هو المنعوت بذلك. وقرأ الكوفيون إلا عاصما بالجر على أنه نعت للعرش". وقال السعدي: "{ذو العرش المجيد} أي: صاحب العرش العظيم، الذي من عظمته، أنه وسع السماوات والأرض والكرسي.. وخص الله العرش بالذكر لعظمته ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى، وهذا على قراءة الجر، يكون {المجيد} نعتا للعرش، وأما على قراءة الرفع {المجيد} فإن المجيد نعت لله، والمجد سعة الأوصاف وعظمتها".
3 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين} قال: مجدني عبدي..) رواه مسلم.
قال الطيبي: "التمجيد الثناء بصفات الجلال". وقال القاضي عياض: "أي: عظمني، والمجد نهاية الشرف". وقال النووي في "شرح مسلم": "(مجدني عبدي) أي: عظمني... والتمجيد: الثناء بصفات الجلال". وقال ابن حجر: "(قال الله تعالى: مجدني عبدي) ذكره ابن التين قال: ويقال: المجد في كلام العرب الشرف الواسع.. فالمجيد صيغة مبالغة من المجد وهو الشرف القديم. وقال الراغب: المجد السعة في الكرم والجلالة.. ووصف القرآن بالمجيد لما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية". وقال القرطبي في "المفهم": "(مجدني): شرفني، أي: اعتقد شرفي ونطق به، والمجد: نهاية الشرف، وهو الكثير صفات الكمال، والمجد: الكثرة".
4 ـ عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: (قيل: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) رواه مسلم. قال القسطلاني: "(إنك حميد) فعيل من الحمد بمعنى محمود، وهو من تحمد ذاته وصفاته أو المستحق لذلك، (مجيد) مبالغة بمعنى ماجد من المجد وهو الشرف". وفي "منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري": " وقوله: (إنك حميد مجيد) صيغة مبالغة من الحمد والمجد، أي كثير الحمد والثناء والعظمة والجلال".
وقال ابن القيم في "جلاء الأفهام": "ولما كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي ثناء الله تعالى وتكريمه، والتنويه به، ورفع ذكره، وزيادة حبه وتقريبه، كانت مشتملة على الحمد والمجد، فكأن المصلي طلب من الله تعالى أن يزيد في حمده ومجده، فإن الصلاة عليه هي نوع حمد له وتمجيد، هذا حقيقتها، فذكر في هذا المطلوب الاسمين المناسبين له وهما "الحميد والمجيد"، وهذا فيه أن الداعي يشرع له أن يختم دعاءه باسم من الأسماء الحسنى مناسب لمطلوبه، أو يفتتح دعاءه به، وهذا من قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(الأعراف:180)". وقال في قصيدته "النونية":
لا شيء يشبه ذاته وصفاته سبحانه عن إفك ذي بهتان
وهو المجيد صفاته أوصاف تعظيم فشأن الوصف أعظم شان
قال الشيخ الهراس في شرحه للنونية": "(المجيد) الذي له المجد العظيم، والمجد هو عظمة الصفات وسعتها، فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه: فهو العليم الكامل في علمه، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، القدير الذي لا يعجزه شيء، الحليم الكامل في حلمه، الحكيم الكامل في حكمته، إلى بقية أسمائه وصفاته".
آثار العلم والإيمان باسم الله "المجيد":
من الآثار الإيمانية لاسم الله تعالى "المجيد": تمجيد العبد لله عز وجل، وتوحيده وعبادته وحده لا شريك له، والتعلق به، والتضرع إليه، وسؤاله تفريج الكربات وقضاء الحاجات وحده، وإيثار محبته على محاب النفس والهوى، وتعظيم شعائره وإجلال أوامره، والوقوف عند حدوده.. ومن تمجيده سبحانه: أن يكثر العبد من تعظيمه وذكره وشكره، والثناء عليه تهليلا، وتحميدا، وتسبيحا، وتكبيرا، فتمجيد العبد لله تعالى من أفضل أعمال أهل الذكر. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم عز وجل - وهو أعلم منهم -: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا... حتى قال تعالى: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة! قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم) رواه البخاري. (وأشد لك تمجيدا، وأكثر تسبيحا) أي: يزيد ذكرهم لله تعالى بقدر ما اطلعوا عليه من المعرفة والمحبة. قال الهروي: "(وأشد لك تمجيدا) أي: تعظيما".
قال ابن القيم في "بدائع الفوائد": "ومن أسمائه تعالى ما هو دال على جملة أوصاف عديدة، لا يختص بصفة معينة، بل هو دال على معناه، لا على معنى مفرد، نحو المجيد، العظيم، الصمد، فإن المجيد: من اتصف بصفات متعددة، من صفات الكمال، ولفظه يدل على هذا، فإنه موضوع في اللغة للسعة والكثرة والزيادة". وقال السعدي: (المجيد، الكبير، العظيم، الجليل: وهو الموصوف بصفات المجد والكبرياء، والعظمة والجلال".

المقالات

