مَنْ حَلَفَ بالأمانةِ فليسَ منَّا

0 325

كان من عادة العرب في الجاهلية ـ قبل الإسلام ـ الحلف بكل ما يعظم وما يظن فيه الخير، ومن ذلك: حلفهم بالأمانة، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بها، لأن الحلف إنما يكون بالله عز وجل، وفي الحلف بالأمانة التسوية بينها وبين الله تعالى، كما أن الحلف بالأمانة من عادة ومبتدعات أهل الكتاب.
عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بالأمانة فليس منا) رواه أبو داود وصححه الألباني وغيره.
بعض الناس في حلفهم يحلف بالأمانة ويقول أحدهم: والأمانة لا أفعل كذا، أو يحلف أحدهم الآخر ويقول له: بأمانتك هل حصل كذا وكذا؟ أو بالأمانة حصل كذا وكذا؟ وهذا وما شابهه مما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وحذر منه، لأنه لا يجوز في الإسلام لأحد أن يحلف بغير أسماء الله عز وجل وصفاته، والأمانة ليست من أسماء الله تعالى الحسنى ولا من صفاته العلى..
قال الخطابي في "معالم السنن": "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بالأمانة فليس منا) هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يحلف بالله وبصفاته وليست الأمانة من صفاته، وإنما هي أمر من أمره وفرض من فروضه فنهوا عنه لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل وصفاته".
وقال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير": "(من حلف بالأمانة) قيل: أي بالفرائض كصلاة وصوم، ويحتمل بالأمانة نفسها بأن يقول: علي أمانة الله لأفعلن كذا، (فليس منا) لأن المؤمن لا يحلف إلا بالله وصفاته، والأمانة ليس واحدا من الأمرين". وقال في "سبل السلام": "(من حلف بالأمانة فليس منا) وذلك لأن الأمانة ليست من صفاته تعالى بل من فروضه على العباد".
وقال الهروي في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح": "قال ابن الملك (الكرماني): كره صلى الله عليه وسلم الحلف بالأمانة لعدم دخولها في أسمائه تعالى وصفاته، ولأنها من عبارة أهل الكتاب، وقيل أراد بالأمانة الفرائض ولا تحلفوا بالصلاة والحج ونحوهما".
وذكر النووي في كتاب "رياض الصالحين": "باب النهي عن الحلف بمخلوق كالنبي، والكعبة، والملائكة، والسماء، والآباء، والحياة، والروح، والرأس (السلطان)، وحياة السلطان، ونعمة السلطان، وتربة فلان، والأمانة، وهي من أشدها نهيا". وقد عد ابن حجر الهيتمي في كتابه "الزواجر عن اقتراف الكبائر" الحلف بالأمانة الكبيرة الثانية عشرة بعد الأربعمائة..

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فليس منا)، أي: أنه ليس من ذوي أسوتنا، بل هو من المتشبهين بغيرنا فإنه من عادة أهل الكتاب، وهذا كله للزجر والتغليظ عن مثل هذا الحلف.
قال القاضي البيضاوي في "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة": "(من حلف بالأمانة فليس منا) أي: من ذوي أسوتنا، بل من المشتبهين بغيرنا، فإنه من ديدن (عادة) أهل الكتاب، ولعله أراد به: الوعيد عليه، فإنه حلف بغير الله".
وقال صاحب عون المعبود: "(فليس منا) أي: ممن اقتدى بطريقنا. قال القاضي: أي من ذوي أسوتنا، بل هو من المتشبهين بغيرنا، فإنه دين أهل الكتاب، ولعله أراد به الوعيد عليه، قاله القاري".
وقال المناوي: "(فليس منا) أي ليس من جملة المتقين معدودا، ولا من جملة أكابر المسلمين محسوبا، وليس من ذوي أسوتنا، فإنه من ديدن أهل الكتاب، ولأنه سبحانه أمر بالحلف بأسمائه وصفاته، والأمانة أمر من أموره، فالحلف بها يوهم التسوية بينها وبين الأسماء والصفات، فنهوا عنه كما نهوا عن الحلف بالآباء".
وقال ابن حجر في "فتح الباري في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا) أي: من أهل سنتنا وطريقتنا، وليس المراد به إخراجه عن الدين، ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك، وقيل المعنى ليس على ديننا الكامل أي أنه خرج من فرع من فروع الدين وإن كان معه أصله".
وقال الشيخ ابن باز: "هذه الأحاديث التي فيها (ليس منا..) في الغالب والأكثر أنها من باب الوعيد والتحذير والترهيب، مما ذكر فيها من المعاصي، ولا تخرج صاحبها من الإسلام إذا لم يستحلها، ولكن فيها الحذر، فيها الترهيب والتحذير".

الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به، والعظمة إنما هي لله عز وجل وحده، فلا يحلف إلا بالله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العلى. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان حالفا، فليحلف بالله أو ليصمت) رواه البخاري.
قال ابن عبد البر: "لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع". وقال السيوطي: "قال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده".
والحلف بغير الله عز وجل يدخل تحت باب الشرك الأصغر، إلا إذا قصد الحالف بحلفه تعظيم المحلوف به كتعظيم الله، فإنه يصير بذلك شركا أكبر. قال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول":
والشرك نوعان: فشرك أكبر        به خلود النار إذ لا يغفر
وهو اتخاذ العبد غير الله             ندا به مسويا مضاهي
يقصده عند نزول الضر             لجلب خير أو لدفع الشر
أو عند أي غرض لا يقدر عليه     إلا المالك المقتدر
مع جعله لذلك المدعو               أو المعظم أو المرجو
في الغيب سلطانا به يطلع          على ضمير من إليه يفزع
والثان شرك أصغر وهو الريا      فسره به ختام الأنبيا
ومنه إقسام بغير الباري            كما أتى في محكم الأخبار
وقال الشيخ ابن عثيمين: "والحلف بغير الله شرك أكبر إذا اعتقد أن المحلوف به مساو لله تعالى في التعظيم والعظمة، وإلا فهو شرك أصغر".

علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته أمور التوحيد، وبين لهم صغير الشرك وكبيره ليجتنبوه، وجاء في السنة والسيرة النبوية المطهرة الكثير من المواقف والأحاديث الدالة على حماية النبي صلى الله عليه وسلم للتوحيد، وإغلاق كل باب يوصل إلى نقصه أو نقضه، ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله عز وجل، ومن الحلف بغير الله: الحلف بالأمانة. قال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بالأمانة فليس منا). 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة