موقف المسلم من الزلازل والكوارث

0 71

بين الفينة والفينة نسمع عن زلزال يضرب بلدا من البلدان، أو منطقة من الأرض، فيحدث فيها من الموت والإصابات والجراح والتشريد الشيء الكثير.
وقد سمعنا وشاهدنا ما حدث من زلازل أصابت إخواننا في تركيا وسوريا، قتلت الآلاف، وجرحت عشرات الآلاف، وهدمت البيوت، وشردت مئات الآلاف، كل ذلك حدث في لحظات يسيرة قصيرة، بعد أن كانوا منذ لحظات ءامنين مطمئنين سالمين.. نسأل الله تبارك وتعالى أن يرحم موتاهم، ويشفي مرضاهم، ويؤوي شريدهم، وأن يخلفهم في مصابهم خيرا.

مثل هذه الكوارث والحوادث تحدث للمؤمن والكافر، والطائع والعاصي، والتقي والفاجر، والمهتدي والضال، غير أن العاقل لا ينبغي أن تمر عليه هذه الأمور كما تمر على غيره من غير أن يأخذ منها العبر والعظات.. ففي مثل هذه الحوادث والكوارث عبر وعظات..

والمؤمن يفهم أن هذه الفواجع والأزمات، هي جزء من طبيعة هذه الحياة، فالله سبحانه لم يخلقها جنة أرضية، ولم يجعلها خالية من الألم والفجيعة، نعيش فيها في نعيم دائم بلا معاناة ولا كدر.
ويفهم المؤمن كذلك أن هذه الدنيا مرحلة زمنية قصيرة، وأن فيها من الكبد والألم والمعاناة، ما يتفاوت الناس في مقدار ما يصيبهم منها، وأن الله جعلها كذلك، لأنها ليست ذات قيمة عنده، إنما القيمة هي في الآخرة.

وموقف المسلم منها يتلخص في أمور:
أولها: أن يعلم أنها آيات ورسائل من الله تعالى لخلقه تدل على قدرته الباهرة، وعظمته القاهرة، وتحكمه في كونه، وأنه سبحانه لا يعجزه شيء من خلقه، وأنهم تحت قهره وطوع أمره، فهو سبحانه يبتلي عباده بابتلاءات متنوعة من أوبئة مهلكة وزلازل مروعة، وعواصف مدمرة، وسيول مغرقة، وبراكين ذات حمم حارقة، وغير ذلك، يبتلي سبحانه عباده امتحانا لإيمانهم ليراهم ملازمين بابه لائذين بجنابه منكسرين بين يديه، وعظم الجزاء مع عظم البلاء فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.
رسالة سماوية من رب الأرباب ليشعر الإنسان مدى ضعفه وفقره وضآلة حجمه مهما تجبر وطغى وعلا وأفسد في هذه الأرض. 
وقد ذكر الإمام عز الدين بن عبد السلام أن للمصائب والمحن والبلايا والرزايا فوائد تختلف باختلاف رتب الناس، وذكر من تلك الفوائد: معرفة عز الربوبية وقهرها، ومعرفة ذلة العبودية وكسرها، والإخلاص لله تعالى؛ إذ لا مرجع في دفع الشدائد إلا إليه، والإنابة إلى الله تعالى والإقبال عليه، والتضرع والدعاء.

ثانيا: أن مثل هذه الزلازل تذكرنا بنعمة من نعم الله تعالى العظيمة التي نسيناها أو غفلنا عنها لتعودنا عليها، وهي نعمة ثبات الأرض واستقرارها؛ كما قال سبحانه: (ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا}، وقوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}[النحل:15]، وقال: {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء)[غافر:64]؛ وقال تعالى: (أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون)[النمل:61].
 جعل الأرض – كما قال ابن كثير: "قارة ساكنة ثابتة، لا تميد، ولا تتحرك بأهلها، ولا ترجف بهم، فإنها لو كانت كذلك؛ لما طاب عليها العيش والحياة!"، فله الحمد على هذه النعمة كما له الحمد على كل النعم، لا إله غيره ولا رب سواه.

ثالثا: التذكير بزلزلة القيامة:
لقد كانت هزة لثوان معدودة، لكنها أسقطت البنايات، وأفسدت الطرقات، وشققت الأرض، وهدمت البيوت وشردت الناس، وأصابتهم بالهلع والخوف حتى كادت القلوب أن تنخلع.
فإذا كان هذا بهزة دنيوية فكيف سيكون الحال {إذا زلزلت الأرض زلزالها}[الزلزلة:1]، وكيف سيكون الحال {إذا رجت الأرض رجا . وبست الجبال بسا}[الواقعة: 4-5]؟
إن هذا والله يجعلنا نتأمل في زلزلة يوم القيامة، وأهوال الآخرة، وأن ننتبه لها ونستعد لها فإنها هي الزلزال حقا، قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)[الحج:1، 2].
اهتزت الأرض من ذنب سرى فيها .. .. فارتج نائمها وارتاع صاحيها
والهز قــدر ثوان قـــض مضجعــنا .. .. فكيف بالهزة الكبرى توافــيها

رابعا: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا
إن الزلازل والكوارث والكسوف والخسوف وغيرها من الآيات كلها لها أسباب علمية ولكن أيضا لها حكم ربانية وعبر إيمانية، فلا ينبغي أن نذهل بالسبب عن رؤية الحكمة، ومن حكم الزلازل والبراكين، والعواصف والفيضانات: أنها آيات يخوف الله بها عباده، حتى يرجعوا إليه ويتوبوا، ويقلعوا عن الذنوب والخطايا؛ قال تعالى: (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)[الإسراء:59].
قال قتادة رحمه الله: "إن الله يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يعتبرون، أو يذكرون، أو يرجعون".

رجفت الكوفة على عهد ابن مسعود رضي الله عنه، فقال: "يا أيها الناس، إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه"؛ أي: اطلبوا منه أن يزيل عتبه، بترك الذنوب، والتوبة النصوح.

وزلزلت المدينة على عهد عمر رضي الله عنه فقال: فقال ما أسرع ما أحدثتم .. والله لئن عادت لا أساكنكم فيها.
فهذه آيات من الله يذكر بها الناس ويوقظهم بها من غفلاتهم، وقد جاء في الصحيح أن الشمس لما خسفت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس مسرعا يجر رداءه، ثم صلى بالناس حتى انكشفت ثم خطب الناس وقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك، فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم). وفي رواية: (فإذا رأيتم منها شيئا، فافزعوا إلى ذكره، ودعائه، واستغفاره)[رواه البخاري].

ليست عقوبة فقط
بعض الناس لا يرى في هذه الزلازل وأشباهها من الابتلاءات والمصائب إلا عقوبات لأصحابها، ونقمة من الله على أربابها، والحق أن هذا ليس بلازم، والأمر قد يكون خلاف ذلك، وهو أيضا يختلف باختلاف أحوال الناس:

- فقد يكون رحمة يرحم الله بها بعض عباده، يغفر بها الخطايا، ويرفع الدرجات، كما قال سبحانه: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)[البقرة: 155]؛ وفي الحديث في صحيح مسلم: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).

- وقد يكون اصطفاء واجتباء للبعض يصطفيهم للشهادة يختم لهم بها ويرفعهم إلى مصاف الشهداء؛ فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن (صاحب الهدم شهيد)[رواه البخاري ومسلم).

- ولا يمنع أيضا أن يكون عقوبة على بعض أهل المعاصي المصرين عليها؛ وأهل الذنوب المعلنين المجاهرين بها، وقد قال سبحانه: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)[الشورى:30]؛ ولعله تخويف لهم وتحذير لعلهم يرجعون كما قال: (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون) [النحل: 45].
 

ويستحب - عند وقوع الزلازل وغيرها من الآيات العظيمة: أن يهب الناس لنجدة إخوانهم ومساعدتهم في تخفيف مصابهم، ومواساتهم بأموالهم فـ (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، و(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)، (ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته).
فإن لم يسعد الحال فليسعد النطق بالدعاء لهم واللهج إلى الله أن يرفع عنهم ويتقبل شهيدهم، ويشفي مريضهم، ويؤوي مشردهم.

ثم يستحب لكل أحد التضرع إلى الله تعالى، والإنابة إليه، والإقلاع عن المعاصي، والمبادرة إلى التوبة، والاستغفار، قال تعالى: (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا)[الأنعام:43]؛ وقال سبحانه: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) [الأنفال:33].

كما يستحب الصلاة والإلحاح على الله بالدعاء، والذكر، والصدقة، وغيرها من الأسباب التي يستدفع به العذاب والنقم. 

نسأل الله أن يدفع عنا كل سوء وشر، وأن يحفظنا والمسلمين من كل مكروه وضر، وأن يدفع عنا الغلا والوبا والربا، والزلازل والمحن.. آمين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة