أسماء الله تعالى أعْلام وأوْصاف

0 78

من أعظم ما يقوي الإيمان ويزيده: معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا الواردة في الكتاب والسنة، والحرص على فهم معانيها، والعمل بمقتضاها. قال ابن القيم في "بدائع الفوائد": "فالعلم بالأسماء والصفات، والتعبد بها هو قطب السعادة، ورحى الفلاح والنجاح، من رام السعادة وابتغاها فليأخذ نفسه بأسماء الله وصفاته، فبها الأنس كله، والأمن كله، وما راحة القلب وسعادته إلا بها، لأنها تتعلق بمن طب القلوب بيديه، وسعادتها بالوصول إليه". وقال في "طريق الهجرتين": "ليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد.. فالسير إلى الله من طريق الأسماء والصفات شأنه عجب، وفتحه عجب، صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مستلق على فراشه غير تعب ولا مكدود".
وأسماء الله تعالى وصفاته توقيفية مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. وأهل السنة يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه ـ من أسماء وصفات ـ في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما ينفون ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم. والتحريف: معناه تغيير ألفاظ الأسماء والصفات، أو تغيير معانيها عن مراد الله بها. والتعطيل: هو نفي أسماء الله وصفاته أو بعضها.. والتكييف: هو الاعتقاد أن صفات الله تعالى على كيفية أي شيء مما تتخيله أو تدركه العقول أو تحده.. وأما التمثيل: فمعناه اعتقاد مماثلة أي شيء من صفات الله تعالى لصفات المخلوقات. فالله عز وجل لا مثيل له في ربوبيته، ولا مثيل له في إلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11). قال السعدي: {ليس كمثله شيء} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة.. وهذه الآية ونحوها، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، من إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات. وفيها رد على المشبهة في قوله: {ليس كمثله شيء} وعلى المعطلة في قوله: {وهو السميع البصير}".
وقال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية": "ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات". وقال الشيخ ابن عثيمين في "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى": "السلف الصالح من صدر هذه الأمة، وهم الصحابة الذين هم خير القرون، والتابعون لهم بإحسان، وأئمة الهدى من بعدهم: كانوا مجمعين على إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، وإجراء النصوص على ظاهرها اللائق بالله تعالى، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهم خير القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعهم حجة ملزمة لأنه مقتضى الكتاب والسنة"..
وأسماء الله سبحانه وتعالى هي الأعلام التي تدل على ذات الله عز وجل وتتضمن الصفات، فالعزيز والحليم والرحيم تتضمن العزة والحلم والرحمة.. وهكذا فكل اسم من أسماء الله عز وجل يتضمن صفة من صفاته..

أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف:
أسماء الله عز وجل هي كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به، فيثبت بها الأسماء والصفات معا، مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير، فإن هذه الأسماء دلت على ذات الله، وعلى ما قام بها من العلم، والحكمة، والسمع، والبصر.. أما الصفات: فهي نعوت الكمال القائمة بالذات، كالعلم، والحكمة، والسمع، والبصر، فإذا أطلق الاسم فإنه يقتضي الاسم والصفة معا، لأن أسماء الله تعالى مشتملة على الصفات، وأما إذا جاءت الصفة فإنها تثبت اتصاف الله تعالى بما ذكر، ولكنها لا تفيد إثبات الاسم. فالاسم يدل على أمرين، والصفة تدل على أمر واحد، مع العلم ـ كما قال علماء أهل السنة ـ أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، فمن صفاته سبحانه، الإتيان والمجيئ والنزول، وليس لنا أن نشتق من هذه الصفات أسماء لله تعالى، فلا يقال: الآتي، ولا الجائي، ولا النازل، أما الأسماء فيدل كل اسم منها على صفة.. وأسماء الله تعالى كلها حسنى، وصفاته كلها صفات جمال وكمال..
قال ابن القيم في "طريق الهجرتين": "ذاته تعالى منزهة عن كل شر، وصفاته كذلك، إذ كلها صفات كمال ونعوت جلال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، وأسماؤه كلها حسنى ليس فيها اسم ذم ولا عيب". وقال: "أسماؤه تعالى كلها مدح وثناء وتمجيد، ولذلك كانت حسنى، وصفاته كلها صفات كمال".. وقال الشيخ ابن عثيمين: "أسماء الله كلها حسنى، أي: بالغة في الحسن غايته، لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى}(الأعراف: 180)"..
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "أسماء الله كلها تدل على مسمى واحد، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضادا لدعائه باسم آخر، بل الأمر كما قال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}(الإسراء:110) وكل اسم من أسمائه يدل على الذات المسماة وعلى الصفة التي تضمنها الاسم، كالعليم: يدل على الذات والعلم، والقدير: يدل على الذات والقدرة، والرحيم: يدل على الذات والرحمة". وقال ابن القيم في "بدائع الفوائد": "أسماء الرب تعالى هي أسماء ونعوت، فإنها دالة على صفات كماله، فلا تنافي فيها بين العلمية والوصفية، فالرحمن اسمه تعالى ووصفه، لا تنافي اسميته وصفيته، فمن حيث هو صفة جرى تابعا على اسم الله، ومن حيث هو اسم ورد في القرآن غير تابع". وقال ابن حجر في "فتح الباري": "الأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات، ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته".
وقال الزركشي في "معنى لا إله إلا الله": "أسماء الله كلها صفات له". وقال السفاريني في "لوامع الأنوار البهية": "أسماء الله تعالى كلها اتفقت في دلالتها على ذات الله مع تنوع معانيها، فهي متفقة متواطئة من حيث الذات، متباينة من جهة الصفات، فهي مترادفة بحسب الذات، متباينة بحسب الصفات". وقال الشيخ ابن باز: "كل أسماء الله سبحانه مشتملة على صفات له سبحانه تليق به وتناسب كماله، ولا يشبهه فيها شيء، فأسماؤه سبحانه أعلام عليه ونعوت له عز وجل، ومنها: الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، إلى غير ذلك من أسمائه سبحانه الواردة في كتابه الكريم وفي سنة رسوله الأمين، فالواجب إثباتها له سبحانه على الوجه اللائق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهذا هو معنى قول أئمة السلف، كمالك، والثوري، والأوزاعي، وغيرهم: أمروها كما جاءت بلا كيف. والمعنى: أن الواجب إثباتها لله سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه، أما كيفيتها فلا يعلمها إلا الله سبحانه".
وقال الشيخ ابن عثيمين في "القواعد المثلى": "أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف، فهي أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وهي أوصاف باعتبار دلالتها على المعاني. وهي بالاعتبار الأول مترادفة، لدلالتها على مسمى واحد، وهو الله عز وجل، وهي بالاعتبار الثاني متباينة، لدلالة كل واحد منها على معناه الخاص، فـ (الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم) كلها أسماء لمسمى واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير، وهكذا. وإنما هي أعلام وأوصاف لدلالة القرآن على ذلك، كما في قوله تعالى: {وهو الغفور الرحيم}(يونس:107).. وأيضا لإجماع أهل اللغة والعرف على أنه لا يقال: عليم إلا لمن له علم، ولا سميع إلا لمن له سمع، ولا بصير إلا لمن له بصر، وهذا أمر أبين من أن يحتاج إلى دليل، وبهذا يعلم ضلال من سلبوا أسماء الله تعالى معانيها، من أهل التعطيل، وقالوا: إن الله تعالى سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وعزيز بلا عزة، وهكذا! وعللوا ذلك بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء، وهي علة باطلة، فالله تعالى وصف نفسه بأوصاف كثيرة، مع أنه الواحد الأحد، فقال تعالى: {إن بطش ربك لشديد * إنه هو يبدئ ويعيد * وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد}(البروج:16:12)، وقال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى * فجعله غثاء أحوى}(الأعلى:5:1) ففي هذه الآيات الكريمة أوصاف كثيرة لموصوف واحد، ولم يلزم من ثبوتها تعدد القدماء، وأما العقل، فلأن الصفات ليست ذوات بائنة من الموصوف حتى يلزم من ثبوتها التعدد! وإنما هي من صفات من اتصف بها، فهي قائمة به، فكل موجود لا بد له من تعدد صفاته"..

معتقد أهل السنة في باب أسماء الله تعالى وصفاته يقوم ويرتكز على أسس وقواعد رئيسية، منها: الإيمان بما وردت به نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية من أسماء الله تعالى وصفاته، فأسماء الله تعالى وصفاته ـ عند أهل السنة ـ توقيفية مصدرها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. قال ابن عبد البر: "لا نسميه ولا نصفه، ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه". وقال أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني: "ويعتقدون ـ يعني: أهل السنة والجماعة ـ أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم". ومن ثم فلا يجوز تسمية الله تعالى أو وصفه بما لم يأت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، لأن ذلك قول على الله بلا علم. قال الشيخ السعدي: "{وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}(البقرة169) في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه، فكل هذه قد حرمها الله، ونهى العباد عن تعاطيها، لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة، ولما فيها من الظلم والتجري على الله". وقال الشيخ ابن عثيمين: "لأن تسمية الله بما لم يسم به نفسه أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى، وكذلك إنكار ما سمى به نفسه سوء أدب معه تعالى، فالواجب علينا سلوك الأدب مع الله سبحانه وتعالى".
ومنها ـ قواعد أهل السنة في أسماء الله تعالى وصفاته ـ: تنزيه الله سبحانه عن أن يشبه شيء من صفاته شيئا من صفات المخلوقين، فالله سبحانه لا مثيل له في ربوبيته، ولا مثيل له في إلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(الأعراف:180)، وقال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11).. وإذا علم وثبت من الأدلة الصحيحة اسم لله عز وجل فإنه يقتضي الاسم والصفة معا، لأن أسماء الله تعالى مشتملة على الصفات، وأما إذا جاءت الصفة فإنها تثبت اتصاف الله تعالى بما ذكر، ولكنها لا تفيد إثبات الاسم، فالاسم يدل على أمرين: الاسم والصفة، والصفة تدل على أمر واحد. قال الشيخ ابن عثيمين: "والفرق بين الاسم والصفة: أن الاسم: ما سمي الله به، والصفة: ما وصف الله بها، وبينهما فرق ظاهر. فالاسم يعتبر علما على الله عز وجل متضمنا للصفة، ويلزم من إثبات الاسم إثبات الصفة.. ولا يلزم من إثبات الصفة إثبات الاسم، مثل الكلام: لا يلزم أن نثبت لله اسم المتكلم، بناء على ذلك تكون الصفات أوسع، لأن كل اسم متضمن لصفة، وليست كل صفة متضمنة لاسم".. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة