نقض العهود.. وتسليط الأعداء

0 1

في حديث الخصال الخمس التي حذر النبي المهاجرين منها، وحذر الأمة من مغبتها، وسوء عواقبها، قال صلوات الله وسلامه عليه: (ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم)[رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني].

هذه هي الخصلة الرابعة من الخصال التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الوقوع فيها، لما يترتب عليها من أنواع العقوبات، وهي نقض العهود، وخلف الوعود، والنكث بالمواثيق والعقود.

العهود: هي المواثيق، والوصايا، والعقود.
وحفظ العهود معناه: المحافظة عليها، والوفاء بها ورعايتها، وصيانتها.
ونقض العهود: عدم الوفاء بها، وخيانتها.

صور من نقض العهود:
العهود تكون بين الله وبين عباده، وبين العباد بعضهم مع بعض، ونقضها له صور منها:
نقض العهد الذي بين الله وبين خلقه، وما أخذه عليهم من المواثيق على إقامة التوحيد، والعبادة، وإقامة الدين، والدعوة إليه، والتزام الشريعة، وإقامة الحق والعدل، وفعل ما يحبه الله ويرضاه وترك ما يبغضه ويأباه، وأداء الفرائض والواجبات،واجتناب الكبائر والمحرمات.

أو نقض العهد الذي للإمام ونائبه على المسلمين، من وجوب الطاعة في المعروف.

نقض العهد والأمان لغير المسلمين من أهل الذمة والمستأمنين، وكذلك المعاهدين، دون مبرر شرعي يقتضي ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا من قتل نفسا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا)[رواه الترمذي].
ويدخل في ذلك خلف الموعد بأن يعطي موعدا وفي نيته عدم الوفاء ابتداء، لا لأمر خارج عن إرادته.

الأمر بالوفاء والنهي عن الخيانة
والله تعالى ورسوله، وكتابه ودينه الإسلام يأمر بحفظ الوعود والعقود والعهود، ويؤكد على الوفاء بها، قال سبحانه: {ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}[المائدة:1]، وقال: {وأوفوا بالعهد ۖ إن العهد كان مسئولا}[الإسراء:34]، وقال: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}[النحل:91].

ونهى عن الغدر والخيانة ونقض العهد، وتضييع الأمانة فقال: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاۚ إن الله يعلم ما تفعلون}[النحل:91].
وجعل ذلك من صفات الكافرين والمنافقين، فقال عنهم: {وما وجدنا لأكثرهم من عهدۢ ۖ وإن وجدنآ أكثرهم لفسقين}[الأعراف:102].
وقال صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)[متفق عليه].
وقال: {أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)[متفق عليه].

صيانة مصالح الناس
إن الله تبارك وتعالى حين أمر بالوفاء بالعهود والعقود ونهى عن نقضها بعد إبرامها، إنما أراد بذلك صيانة مصالح الخلق ولتستمر حركة الحياة، كما قال الشيخ الشعراوي: "والحق تبارك وتعالى بهذا المثل المشاهد يحذرنا من إخلاف العهد، ونقضه؛ لأنه سبحانه يريد أن يصون مصالح الخلق؛ لأنها قائمة على التعاقد والتعاهد والأيمان التي تبرم بينهم، فمن خان العهد، أو نقض الأيمان لا يوثق فيه، ولا يطمأن إلى حركته في الحياة، ويسقطه المجتمع من نظره، ويعزله عن حركة التعامل التي تقوم على الثقة المتبادلة بين الناس".
فنقض العهد وخيانة الأمانة والغدر والخيانة يفسد معها حياة الناس، فلا يصلح معها بيع ولا شراء ولا وعد ولا عهد ولا عقد، فلا تصلح الحياة أصلا، ولا تستقر أمور الناس.

الوفاء حتى للكفار
والأمر بالوفاء بالعهد إنما هو مع كل الخلق ولو كان مع كافر: وإليك بعض الأمثلة:
حذيفة وغزوة بدر
لم يحضر حذيفة بن اليمان، ولا أبوه غزوة بدر، وكان لذلك قصة طريفة تختص بموضوعنا، حيث قال حذيفة: "ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل، قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، فقال: (انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم)[رواه مسلم].

معاوية والروم
كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء فرجع معاوية)[انظر سنن أبي داود].

عواقب نقض العهد:
إن نقض العقود وعدم الوفاء بالعهود والإخلال بها خصلة خبيثة تدل على خبث طوية صاحبها، وعدم اكتراثه بحقوق الخلق ومصالح الناس، ولهذا كانت عواقبها وخيمة في الدنيا والآخرة، ومن هذه العواقب:
أولا: وصفهم الله بأنهم هم شرار الخلق
كما قال تعالى: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون (55) الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون}[الأنفال:55ـ56].

ثانيا: اللعنة وقسوة القلب:
قال تعالى عن أهل الكتاب وبني إسرائيل: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية}[المائدة:13].

ثالثا: الخسارة وسوء العاقبة في الآخرة:
قال سبحانه: {وما يضل به إلا الفاسقين (26) الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ۚ أولئك هم الخاسرون}البقرة:26ـ27]. وقال: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ۙ أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}[الرعد:25].

رابعا: انتشار القتل بينهم:
قال صلى الله عليه وسلم: (ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم)[رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
وهذا أمر طبيعي، فمن عاهد الناس وعاقدهم ثم أخل بالعقد، ونقض ما أبرم معهم، وغدر ولم يوف لهم.. فماذا ينتظر منهم؟
لاشك أن هذا يؤدي إلى الشقاق والخلاف، ويزرع العدوات والأحقاد، فالناس سيحمون أموالهم وأعراضهم ومعاملاتهم، فتقع المعارك بينهم ويكثر القتل.

خامسا: الفضيحة يوم القيامة:
ففي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الغادر ينصب الله له لواء يوم القيامة، فيقال: ألا هذه غدرة فلان)[مسلم].

سادسا: تسليط العدو عليهم
وهو ما أشار إليه النبي في هذا الحديث: (ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم).

وسبب ذلك أن نقض العهود  يكون غالبا لطلب الرفعة، والاستيلاء على خيرات من يغدرون بهم؛ فيعاقبهم الله بنقيض قصدهم، فيسلط الأعداء عليهم، ويأخذوا من خيراتهم، أو يسلطهم عليهم فيسلبوهم بعض ما في أيديهم بالبطش والقوة رغم أنوفهم عقوبة لهم على نقض عهودهم وخيانة مواثيقهم.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة