جحود المعروف ونكران الجميل

0 159

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب".
إن جحود المعروف صفة ذميمة كريهة المعنى، تبعد صاحبها عن أخلاق الإسلام الذي دعا أبناءه إلى الوفاء والفضيلة، وأمرهم بتذكر الفضل ونسبته إلى أهله، يقول - تعالى -: {ولا تنسوا الفضل بينكم} (البقرة: 237).
فمن واجب المسلم أن يعترف بالجميل لصاحبه، وألا يتصف بالجحود؛ لأنه حينئذ يكون من المطففين، والله عز وجل يقول: {ويل للمطففين} (المطففين: 1). قال وهب بن منبه- رحمه الله تعالى-: (ترك المكافأة من التطفيف). فإذا كان ترك المكافأة من التطفيف فكيف بالجحود!.
قال إبراهيم بن مهدي مخاطبا المأمون:

لـئـن جحـدتـك معـروفـا مننت به     إني لفي اللؤم أحظى منك بالكرم تعفو بعدل وتسطو إن سطوت به     فلا عـدمتـك مـن عـاف ومـنتقــم


إن من تعود نكران نعمة الناس وفضلهم عليه وترك شكره لهم، كان من عادته كفر نعمة الله عز وجل وترك الشكر له.
وقد قص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة بعض الجاحدين وما حل بهم من عقوبة الله تعالى، حين قال صلى الله عليه وسلم: " إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم أي يمتحنهم.فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال:
فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل. قال: فأعطي ناقة عشراء. قال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس. قال:
فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا.
فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس. قال: فمسحه فرد الله إليه بصره.
قال: فأي المال أحب إليك؟. قال: الغنم. فأعطي شاة والدا أي: وضعت ولده وهو معها. فأنتج هذان، وولد هذا. قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة.
فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا، فصيرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت.
قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك، بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله.فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك" متفق عليه.

قال الشنقيطي- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: {أفبنعمة الله يجحدون} (النحل: 71): (هذا إنكار من الله عليهم جحودهم بنعمته؛ لأن الكافر يستعمل نعم الله في معصية الله فيستعين بكل ما أنعم الله به عليه على معصيته؛ فإنه يرزقهم ويعافيهم، وهم يعبدون غيره، وجحود النعمة كفرانها).

الجحود صفة الكافرين السابقين:

الله تبارك وتعالى هو الخالق الرازق المدبر ولي النعم: {وما بكم من نعۡمةࣲ فمن ٱلله} (النحل: 53).
وقد ذكر الله في كتابه قصص الجاحدين، ومنها قوله تعالى: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور. وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور} (لقمان: 31- 32).
وقال تعالى: {وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد.وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود} (هود: 59- 60).
وأخبر الله تعالى عن فرعون وقومه عندما جاءهم نبي الله موسى عليه السلام بالآيات الواضحات البينات أنهم: { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} (النمل: 14).

الجحود سبب زوال النعم:

قال االله تبارك وتعالى: {وإذۡ تأذن ربكمۡ لئن شكرۡتمۡ لأزیدنكمۡۖ ولئن كفرۡتمۡ إن عذابي لشدیدࣱ} (إبراهيم: 7). قال ابن كثير في تفسيرها: (لئن شكرتم لأزيدنكم أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، ولئن كفرتم أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها إن عذابي لشديد، وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها).
وقال سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة..} (القلم: 17). كان أصحابها من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء، وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة، وكانوا من أهل الكتاب، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة، فإن ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه، ويدخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدق بالفاضل. فلما مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق؛ إذ كان يصرف من هذه شيئا للفقراء، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا، فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية رأس المال والربح والصدقة فلم يبق لهم شيء).
وقال عقب ذلك ابن كثير- رحمه الله تعالى-: (هكذا عذاب من خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه، ومنع حق المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفرا).
أخيرا إذا كان الجحود صفة اللئيم الظالم، فإنه لا ينبغي أن يمتنع أهل المعروف عن بذله؛ لأنهم يرجون ما عند الله تعالى من الأجر والثواب، قال ابن المبارك رحمه الله تعالى:

يد المعروف غنم حيث كانت     تحملها شكور أو كفـور ففي شكر الشكور لها جـزاء     وعند الله ما كفر الكفور

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة