- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مقاصد السنة النبوية
لا يخفى على أحد اليوم ما تمر به منظومة الأسرة من اضطراب وعدم استقرار، من خلال عوامل كثيرة، وحين نتأمل في السنة النبوية نجد الاهتمام والعناية الكبرى باستقرار الأسرة، وتأسيس بنيانها على أساس محكم، باعتبارها النواة الأولى لصلاح المجتمع، وقد تعددت مظاهر العناية باستقرار الأسرة ومنها:
أولا: التشجيع على إشاعة الزواج باعتباره أحد أسباب الطمأنينة والسكينة للفرد والمجتمع، ففي صحيح مسلم عن علقمة، قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى، فلقيه عثمان، فقام معه يحدثه، فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن، ألا نزوجك جارية شابة، لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك، قال: فقال عبد الله: لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.
وفي السنن عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته.
فقرار الزواج المبني على هذه التوجيهات النبوية يكون صاحبه مطمئنا، وهذا الشعور المطمئن سينعكس على استقرار الأسرة وبنائها على أساس السكينة والرضا، لأن الزواج بهذا الاعتبار قربة وعبادة، فهو امتثال للأمر الشرعي، وتلبية للنداء الفطري، وانسجام مع القدر الكوني المتمثل في ضرورة البقاء الإنساني وديمومته.
فقرار الزواج المبني على هذه التوجيهات النبوية يكون صاحبه مطمئنا، وهذا الشعور المطمئن سينعكس على استقرار الأسرة وبنائها على أساس السكينة والرضا، لأن الزواج بهذا الاعتبار قربة وعبادة، فهو امتثال للأمر الشرعي، وتلبية للنداء الفطري، وانسجام مع القدر الكوني المتمثل في ضرورة البقاء الإنساني وديمومته.
ثانيا: حرم الإسلام في سبيل تحصيل الاستقرار الأسري كل نكاح لا يحقق هذا المقصد، فحرم على سبيل المثال نكاح المتعة المبني على التوقيت الزمني، ففي صحيح مسلم عن سبرة الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.
ومثله نكاح التحليل الذي يقصد منه تحليل المرأة لمن طلقها ثلاثا، فهذا نكاح غير مستقر، ولا يحقق السكينة المقصودة، ففي سنن ابن ماجة عن ابن عباس، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل، والمحلل له.
ثالثا: حذر الشرع من كتمان العيوب المنفرة بين الخاطبين، وقد قرر أهل العلم أن العيوب التي لا يحصل معها مقصود النكاح موجبة لخيار الفسخ لأحد الزوجين، فقد ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من غشنا فليس منا. وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لمن تزوج امرأة، وهو لا يولد له: "أخبرها أنك عقيم". وفي السنن الكبرى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " أربع لا يجزن في بيع ولا نكاح: المجنونة، والمجذومة، والبرصاء، والعفلاء ". والعفل: عيب من عيوب النساء التي تمنع من الاستمتاع بها.
قال العلامة ابن الأمير في سبل السلام: واختار ابن القيم أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة، والرحمة يوجب الخيار، وهو أولى من البيع كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من الشروط في البيع قال، ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره وموارده وعدله وحكمته، وما اشتملت عليه من المصالح لم يخف عليه رجحان هذا القول، وقربه من قواعد الشريعة. انتهى
رابعا: حث الشرع على النظر إلى المخطوبة؛ سعيا لتحقيق استقرار الأسرة، وقيامها على الرغبة المتبادلة بين الطرفين، ففي سنن الترمذي عن المغيرة بن شعبة، أنه خطب امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما. أي: تدوم مودتكما.
خامسا: مراعاة الكفاءة بين الزوجين، ولا سيما الكفاءة في الدين، فإن تحقق التكافؤ بين الزوجين في الأمور المعتبرة شرعا وعرفا من أهم أسباب الاستقرار الأسري، والقدرة على بناء أسرة مستقرة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك.
فهذا الحديث يدل على أصل اعتبار الكفاءة في النكاح، وأن الدين هو أولى ما ينبغي التركيز عليه في الاختيار.
سادسا: حرم المساس برابط الزوجية بقصد إفساده، وذلك لأجل تحقيق الأمن والاستقرار الأسري، فحرم التخبيب، ففي سنن أبي داود عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها.
ومعنى التخبيب الإفساد، جاء في عون المعبود: "خبب": بتشديد الباء الأولى بعد الخاء المعجمة أي: خدع وأفسد، بأن يذكر مساوىء الزوج عند امرأته أو محاسن أجنبي عندها.
سابعا: في سبيل الحصول على الاستقرار الأسري جعل خير الناس هم خيرهم لأهليهم بالإحسان إليهم، ورعايتهم، والرفق بهم، فقد روي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي.
ثامنا: حرم نشر أسرار بيت الزوجية، ليكون الزوج آمنا على أسراره، والزوجة كذلك، ونشر أحدهما لأسرار الآخر ينافي السكن والطمأنينة التي شرع لأجلها النكاح، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها وفي رواية: إن من أشر الناس عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها رواه مسلم.
وهكذا نجد التركيز والعناية النبوية بالأسرة، وحماية بنيانها من كل خلل أو تصدع، حتى ينشأ الأبناء في بيئة آمنة مستقرة، يسودها الرفق، وتملؤها المحبة، والرحمة، فيتشكل الجيل بطريقة سليمة من التشوه والانحراف، فلا غرابة إذن أن نلحظ هذه العناية الكبيرة، ولا يعني ذلك عصمة الزوجين من الخلاف والنزاع، لكن حين تكون مستقرة فإن التعاطي مع المشكلات والخلافات سيكون رشيدا، من خلال احتواء الخلاف، والحد من آثاره، للحفاظ على استقرار الأسرة ما أمكن.

المقالات

