- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:تاريخ و حضارة
الأدب العربي المتداول اليوم يرجع تاريخه إلى حوالي قرن قبل بعثة سيد الفصحاء وإمام المرسلين صلى الله عليه وسلم، وما وجد من أول الشعر العربي إنما كان مقاطيع وأرجازا، ومن أوائل ذلك قصائد للمهلهل، كما أن أول الرجز المحفوظ كان للأغلب العجلي، ومعلوم أن للأغلب العجلي قصب السبق في تطويل الأراجيز، ذلك أن العرب كانت ترتجز في الحرب، والحداء، والمفاخرة، فتأتي منه بأبيات يسيرة، فجاء الأغلب فقصد الرجز، وأطال، ثم تطور هذا النوع من الأدب على يد العجاج بن رؤبة.
وهل بدأ الشعر العربي بالقصائد الطوال؟ أو مقطوعات قصيرة؟ يبدو أن كل ذلك كان موجودا فأكثره كان مقاطيع وأبياتا قليلة، ووجد منه أيضا القصائد الطوال؛ وسئل أبو عمرو بن العلاء: هل كانت العرب تطيل؟ فقال نعم ليسمع عنها، قيل وهل كانت توجز؟ فقال نعم ليحفظ عنها.
ومن أقدم الأشعار المحفوظة: وصية يعرب بن قحطان لبنيه، التي يقول فيها:
وكذلك قصائد للحارث بن مضاض الجرهمي، وشداد بن عاد، وزرقاء اليمامة، وربيعة بن نزار، والزباء، وعامر بن حليس، وغيرهم إلى أن نبغ أصحاب المعلقات والمجمهرات، والمنتقيات، والمذهبات،...إلخ؛ فكانت المعلقات من الطبقة الأولى، تأتي بعدها المجمهرات، والمنتقيات، والمذهبات غيرها.
كان شعرهم في الجاهلية غاية في الجودة: وصفوا فيه الظواهر الجوية، ومحاسن الأخلاق، والعادات، ومنهم من أحب الروية، ومنهم من فضل البداهة، وكان مذهبهم الشعري صحيحا يتجنبون فيه السرقة والكذب، وقال الأصبهاني في الأغاني: "إن موضع شعراء الجاهلية واحد من البلاغة؛ إلا أنه غلب على امرئ القيس التجمل بالمعاني، وبديع الوصف، وعلى النابغة الاسترسال في البراعة، وعلى زهير العناية بتقويم الألفاظ، وانفرد من هم دون طبقتهم بأشياء مثل أبي دؤاد الإيادي بوصف الخيل، وعلقمة بوصف الوحش، وأوس بن حجر بوصف الخمر".
وعقد العرب أسواقا ومهرجانات لتناشد الأشعار، وإلقاء الخطب، والمباحثة، والمماجدة، من أهم هذه المهرجانات سوق عكاظ،(وسمي بعكاظ؛ لاجتماع العرب فيه كل سنة، فيعكظ بعضهم بعضا، بالمفاخرة والتناشد) وسوق مجنة، وسوق ذي المجاز.
ولما جاء الإسلام مالت العرب إلى التحضر، وظل الشعر على المنوال الجاهلي، ولكنه أدخلت فيه صناعة المديح، والألفاظ الدينية، وحماسة الجهاد، فنبغ فيه الشعراء المخضرمون كحسان بن ثابت الأنصاري، وكعب بن زهير، والخنساء، ثم الشعراء الحقبة الإسلامية مثل عمرو بن معدي كرب الزبيدي، والنمر بن تولب التغلبي، وأبي ذؤيب الهذلي، و النابعة الجعدي وغيرهم. وكان للخفاء أشعار وتواقيع وخطب ورسائل بليغة، وتطورت لغة العرب، وأحكمت صناعة الآداب بوضع أبي الأسود الدؤلي علم النحو بإشارة من الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، وانتشر التدوين، والكتابة، وأصبح الأمراء يكافئون الشعراء، ويتخذونهم جلساء.
ثم جاءت الخلافة الأموية فشهدنا تطورا في لغة العرب بوضع نقط الحروف والحركات، وكان الشعر عليه مسحة من صبغة الجاهلية؛ ولكنه مال إلى الحضارة والتبسط بالمدح، والإطراء، فنبغ فيه القطامي النصراني، وعبيد الراعي، وذو الرمة، والكميت، وليلى الأخيلية، وأشتهر الثلاثي الأدبي (الفرزدق، وجرير، والأخطل)، وكان شعر النقائض، وأدب المنافرة الذي أثرى الساحة الأدبية، وأغناها بجيد الشعر ورصينه.
ولم يقتصر الأدب على الشعر فقط، وإنما تعداه لإشكال رائعة ورائقة من الأدب كالخطب، والرسائل، والإنشاء، واشتهر من خطبائهم إياس بن معاوية وزياد ابن أبيه وابن القرية الهلالي وخالد بن صفوان التميمي ونحوهم.
وظهر كبير كتاب ذلك العصرعبد الحميد الكاتب، وتلاه آخرون كمروان الجعدي.
واشتهرعندهم علم الأنساب، ومن أكبر رواته حماد الطائي.
ويمكن أن نعتبر العصر الذهبي للآداب العربية عصر العباسيين من سنة 750 م - 1258 م إذ شهد هذا العصر نهضتين: نهضة المشرق، ونهضة المغرب، فأزهرت في المشرق بغداد، والبصرة، وبخارى، ودمشق، والقاهرة، والإسكندرية، بالعلوم، والآداب، واشتهر خلفاء هذا العصر بمعاضدة العلم، ولاسيما هارون الرشيد والمأمون، حتى قيل: إن هارون كان يستصحب في أسفاره مائة عالم.
ولما كتب المأمون المعاهدة بينه وبين ميخائيل الثالث إمبراطور القسطنطينية على إثر الحرب المشهورة بينهما كان من جملة شروطها أن يرسل إليه الكتب النادرة الثمينة فأرسلها إليه؛ وعربت.
وأزهرت في الغرب قرطبة، وإشبيلية، وغرناطة، وبلنسية، وصقلية، وفاس، والقيروان وكان عناية خلفاء تلك المدن بالأدب عناية فائقة، خاصة عبد الرحمن الناصر، وابنه الحكم المستنصر، وكانوا ينافسون المشرق بترقية المعارف حتى أن أحدهم أرسل ألف دينار إلى أبي الفرج الأصبهاني ثمن أول نسخة من الأغاني، ليظهره في الأندلس؛ قبل ظهوره في المشرق فقرئ فيها وعرف قبل أن يظهر ويعرف في المشرق.
وهكذا تبارت الدولتان الشرقية والغربية بتعريب الكتب العلمية، وتعزيز المكاتب، وتشييد المدارس، وتقريب العلماء، والمترجمين، والشعراء.
ظهر في المشرق العربي فن العروض والقوافي، وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي. واشتهر سيبويه بالنحو، والأصمعي بالرواية، وأبو نواس، وأبو العتاهية، والمعري، وديك الجن بالشعر.
وأشهر شعراء هذا العصر ثلاثة المتنبي، وأبو تمام والبحتري كما فصل ذلك ابن الأثير في مثله السائر.
ووضع في المغرب فن الموشحات المنسوب إلى مقدم بن معافر الغريري، وأخذ عنه ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد، وغيره فاشتهر من شعراء المغرب ابن خفاجة، وابن هانئ، وحفصة بنت حمدون، والرميكية، وابنتها بثينة.
وعلى الجملة فقد كان الأندلسيون نحو ثمانية قرون أساتذة للأوروبيين، ونبغ من أدباء ملوكهم المعتضد بالله العبادي، وولده المعتمد، وغيرهما ولهم شعر رائق.