- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
فإن الله فضل الله أمة محمد على غيرها من الأمم، وأختارها على ما سواها من الأقوام، وأعطاها العطايا العظام، وكان من هذه العطايا والمواهب التي اختص الله بها المسلمين ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم جمعة)
وقد أضل الله عن هذا اليوم اليهود والنصارى، فاختارت اليهود يوم السبت، واختارت النصارى الأحد.. قال صلى الله عليه وسلم: (فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق)[مسلم].
صلاة الجمعة
ومن أعظم الشعائر التي فرضها الله على المسلمين في هذا اليوم صلاة الجمعة، التي نقل أهل العلم الإجماع على فرضيتها، ونقل ابن المنذر الإجماع على أنها فرض عين.
وإنما تسقط عن المرأة والعبد والمسافر والصبي الصغيرالذي لم يبلغ، ومن سقطت عنه صلاها ظهرا أربع ركعات.
آداب وسنن
وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الجمعة اهتماما عظيما فسن لها سننا وجعل لها آدابا فمن ذلك:
أولا: الاغتسال والتطيب:
قال صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه)[رواه مسلم]. حتى يكون طاهرا نقيا زكيا حين يجتمع بالناس في المسجد.
ثانيا: اختيار الثياب المستحسنة
لقوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}[الأعراف:31]، وهذا أمر للمسلم إذا أراد الذهاب لأي صلاة، وهو لا شك في الجمعة آكد حيث اجتماع الناس، فلا ينبغي له أن يأتي بثياب مستقذرة، أو ثياب مستخبثة، أو مستهجنة، أو ثياب لا تليق، بل يتزين ليوم الجمعة بأحسن الثياب، قال صلى الله عليه وسلم: (ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته)[صحيح بن ماجة]. لأنه ذاهب للقاء الله تعالى، والله أحق أن يتزين له.
ثالثا: التبكير وعدم التأخير
قال تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم}، وقال: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع}[الجمعة:9]..
والملائكة على أبواب المساجد يسجلون المصلين على حسب وصولهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا صعد الإمام المنبر حضرت الملائكة يستمعون الذكر) رواه البخاري ومسلم.
وعن علقمة، قال: "خرجت مع عبد الله إلى الجمعة فوجد ثلاثة وقد سبقوه، فقال: رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد". وقد روي عنه بسند ضعيف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات، الأول والثاني والثالث)، ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجة".
وروى الطبراني في "الكبير" عن ابن مسعود قال: "سارعوا إلى الجمع ، فإن الله عز وجل يبرز إلى أهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور، فيكونوا من القرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة". ومثل هذا له حكم الرفع إذ لا يعرف بالرأي.
رابعا: عدم تخطي الرقاب
فإذا جاء إلى المسجد فليجلس حيث انتهى به المكان، وليبدأ بالصف الأول فالأول، ولا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما، ولا يتخطى رقاب الناس: فعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: (جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت). صحيح أبي داود.
خامسا: عدم التشويش على المسلمين
فإذا أتيت قبل خروج الإمام فصل ما شئت، ولا سنة محددة للجمعة، أو اجلس فاقرأ القرآن، أو سبح الرحمن، أو استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات، ولا ترفع صوتك فتشوش على إخوانك؛ فقد نهى النبي عن ذلك فقال: (لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)[رواه أحمد]، فإذا كان النهي عن التشويش بالقرآن، فغير القرآن من باب أولى.
سادسا: الاستماع وعدم اللغو
فإذا صعد الخطيب المنبر وبدأ الخطبة، فأرع سمعك، وأحضر قلبك، وافهم ما يقول فإنه مقصود الجمعة، ولا تكلم أحدا حولك حتى لا يضيع أجرك، ففي الحديث: (من قال لصاحبه يوم الجمعة، والإمام يخطب: أنصت، فقد لغا) متفق عليه.
وفي هذا نهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، ولو كان ظاهره النصح للغير ولو بقليل الكلام. وإنما ذكر هذه اللفظة أنصت؛ لأنها لا تعد من الكلام الكثير، وفيها أمر بالمعروف، فإذا لم يبحها فأحرى وأولى ألا يباح ما سواها مما يكثر وليس فيه أمر بمعروف.
وإذا كان مثل هذا ممنوعا فالانشغال بالهاتف وقت الخطبة أقبح وأسوأ.
فضائل وأجور
فمن التزم آداب هذا اليوم وسننه، حصل خيرا كثيرا وأجرا كبيرا.. فمن ذلك حديث أوس بن أوس قال صلى الله عليه وسلم: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)[صحيح أبي داود].
ومنها أيضا ما رواه البخاري في صحيحه أن من التزم هذه الآداب والسنن والمستحبات غفر له ما بين الجمعتين: (من اغتسل يوم الجمعة، وتطهر بما استطاع من طهر، ثم ادهن أو مس من طيب، ثم راح فلم يفرق بين اثنين، فصلى ما كتب له، ثم إذا خرج الإمام أنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة غفر له ذلك وثلاثة أيام: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام...).
التحذير من ترك الجمعة بلا عذر
وترك الجمعة ممن وجبت عليه بغير عذر من الذنوب الكبائر، فعن عبد الله بن عمر قال صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين)[رواه مسلم].
وقال أيضا: (من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه)[صحيح أبي داود]. وعن أسامة بن زيد يرفعه: (من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين)[رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني].
ومما يستحب يوم الجمعة أيضا:
.. كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته:
ففي الحديث: (أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي)، وقال أيضا: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي)[صحيح أبي داود].
وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا).
.. قراءة سورة الكهف:
فعند الحاكم والبيهقي: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين). قال ابن حجر في "تخريج الأذكار": حديث حسن، وقال: وهو أقوى ما ورد في قراءة سورة الكهف.
وعن أبي سعيد الخدري قال: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق)[رواه الدارمي وهو في صحيح الجامع].
.. ساعة إجابة
ومن بركات يوم الجمعة أن جعل الله فيه ساعة إجابة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله بأي شيء من أمر الدنيا وأمر الآخرة إلا أعطاه الله إياه، فينبغي للمسلم ألا يفوتها وألا يضيعها. ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجمعة لساعة، لا يوافقها مسلم، يسأل الله فيها خيرا، إلا أعطاه إياه).
وقد اختلف في تحديد وقت هذه الساعة على أقوال كثيرة؛ أقواها قولان:
الأول: أنها من جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء صلاة الجمعة، والثاني: أنها بعد العصر.
ففي حديث أبي موسى الأشعري قال: (سمعت رسول الله يقول: هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)[رواه مسلم].
وأرجح أقوال أهل العلم، وهو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة، أنها آخر ساعة قبل الغروب، واستدلوا بما جاء في سنن أبي داود من حديث جابر يرفعه: (فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر)، وما رواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي سلمة، قال: "اجتمع ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة".
فينبغي للمسلم أن يتحراها، ويكثر من سؤال الله فيها، ويسأله ما شاء من أمر الدنيا والآخرة.