كن عصامياً!

0 0

يقولون كان عصام بن شهر مجرد حاجب عند النعمان بن المنذر، وبلغت به همته أن نال ذرا المجد، وتربع على عرش الفصاحة والبلاغة، وعد من أعلام العرب أيام الجاهلية، حتى قال فيه النابغة الذبياني:

نفس عصام سودت عصاما        وعلمته الكر والإقداما وصيرته ملكا هماما     حتى علا وجاوز الأقواما

سئل ابن المقفع : "من أدبك"؟ فقال: "نفسي .. إذا رأيت من غيري حسنا آتيه، وإن رأيت قبيحا أبيته".

قد يتراءى لك أن كل فعل من أفعالك يحدث بملء تعقلك؛ أي بإرشاد عقلك وتدبيره، والحقيقة أن لأخلاقك التأثير الأول في تدريب أفعالك، ولإلمامك بالأدب السهم الأبرز في طريقة تفكيرك وتعاملك مع الناس، فمن المتفق عليه أن الأدب يرقق الحواشي ويهذب الطباع، ويوسع المدارك.

الأخلاق البشرية: إنما هي مجموعة غرائز بعضها قد يكون أخذها الإنسان من الحيوان، والطبيعة من حوله، ولكن هذه الغرائز ترقت وتأنقت، بمكتسبات الإنسان الفكرية والأدبية التي استفادها من الدين، والقيم الحضارية، العوامل الاجتماعية للمجتمعات البشرية.

وخلاصة القول أنه من أراد أن يسود فلا بد أن يقبل على نفسه، ويستكمل فضائلها، وذلك بأن يجعلها تتحلى بالأخلاق الحميدة، فيكون جامعا لخصال الخير بأن يمتاز بالعفة والنزاهة، وأن يهذب النفس بالآداب والمعارف الرصينة، ويستفيد من التجارب.
فيصبح كما قيل: "صاحب اتقان وتفان فيما يقبل عليه، إن قلد مهما من الأمور أجزأ فيه، تكفيه اللحظة، وترشده السكتة، إن اؤتمن على الأسرار قام بها.

 

ولا بد لك وأنت تريد السؤدد وتعمل من أجل المجد أن تتحلى بصفات النابهين وتتزيا بزي الناجحين؛ فيكون فيك تواضع العلماء، وفهم الفقهاء، وجواب الحكماء، وأن لا تبيع نصيب يومك بحرمان غدك.
وقد قيل قديما: " افخر بشرف نفسك لا بعظام أجدادك"
كن ابن من شئت واكتسب أدبا     يغنيك محموده عن النسب فليس يغني الحسـيب نسبـتـه     بلا لســان لــــه ولا أدب إن الفتى من يقول ها أنا ذا     ليس الفتى من يقول كان أبي
ولا بأس بمطالعة أدب الفخر والاعتزاز بالنفس، حتى تشعر بقيمتك ودورك في الحياة وما أحسن قول عامر بن الطفيل:
فما سودتني عـامر عـن وراثـة     أبى الله أن أسمو بأم ولا أب ولكنني أحمي حماها والتقي أذاها     وأرمي من رماها بمـقـنب
وقال آخر:
وإذا افتخرت بأعظم مقبورة     فالناس بين مكذب ومصدق فأقم لنفسك في انتسابك شاهدا     بحديث مجد للـقـديـم محقق
ونختم بقصة صحابي كان عصاميا فذا؛ فنال الدنيا، والآخرة، فهو من أهل الثراء ورجال الأعمال المعدودين في صدر الإسلام، وفوق ذلك هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، والسابقين الأخيار.
عبدالرحمن بن عوف ذلك الصحابي الجليل الذي آخى النبي عليه الصلاة والسلام بينه وبين الأنصاري سعد بن الربيع، فعرض عليه سعد وبمقتضى الأخوة التي قامت بينه وبين عبدالرحمن وكان عبدالرحمن مهاجرا في سبيل الله لا شيء عنده من المال، عرض عليه أن يشاطره نعمته، وأن يطلق له أحسن زوجتيه.

فهل يرضى عبدالرحمن بذلك؟ لقد علمهم قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العزة، والثقة بالنفس، والاعتماد على الله في إدارة شؤون الحياة وحل مشكلاتها، قال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق.
فذهب إلى السوق، فباع واشترى، وربح، ثم لم يلبث أن صار معه دراهم، فتزوج امرأة على زنة نواة من ذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى عليه أثرا من صفرة: (أولم ولو بشاة)، ثم آل أمره في التجارة إلى ما آل من غنى وسعة في الإنفاق والخير.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة